جميل مردم بك.. ودوره في اغتيال الحريري

2023-02-14

جميل مردم بك.. ودوره في اغتيال الحريري

مدة القراءة 7 د.

هل في حياة الرئيس رفيق الحريري محطّة أدّت إلى اغتياله في 14 شباط 2005؟

أجاب المفكّر كريم مروّة على هذا السؤال، ليس من موقع قراءته لتلك الجريمة الكبرى من جوانبها كافّة فحسب، بل أيضاً بناء على علاقتهما الشخصية طوال عقود، التي روى بعض وقائعها في لقاء مع “أساس” قبل أيام.

هل لبنان كيان مصطنع؟!

كانت مناسبة اللقاء هو الإعداد لندوة يعقدها موقع “جنوبية” في الذكرى الـ18 لاستشهاد الحريري. بدأ رئيس تحرير الموقع الصحافي علي الأمين الكلام في هذا اللقاء، موضحاً أنّ الندوة تأتي في سياق ندوات “جنوبية” التي تتناول أحوال لبنان والمنطقة وصولاً إلى إيران. ولفت الأمين إلى أنّ الهدف من الندوة عن الحريري هو الحديث عن شخصيته، ليس لتعظيمها أو النيل منها، بل لمناقشة موقعها في التاريخ اللبناني المعاصر، على غرار الرئيس رياض الصلح. وسؤال الندوة الرئيسي: “هل كان الحريري كمن هبط بمظلّة في لبنان، فانتهى دوره، أم جاء في سياق له ما قبله وما بعده؟”.

استعاد مروّة دور ميشال شيحا ورفاقه في كتابة الدستور عام 1943، ولا سيّما المادّة 95 التي تدعو إلى إلغاء الطائفية السياسية الذي لم يتحقّق حتى بعدما نصّ عليه دستور الطائف عام 1989

بدأ مروّة حديثه من زاوية تاريخية، مستعيداً ما حصل في اجتماع تأسيس جامعة الدول العربية في الإسكندرية عام 1945. ففي 24 شباط  1943ألقى وزير خارجية بريطانيا أنتوني إيدن خطاباً في مجلس العموم البريطاني قال فيه إنّ الحكومة البريطانية تنظر بعين “العطف” إلى كلّ حركة عربية ترمي إلى تحقيق وحدة بلادها الاقتصادية والثقافية والسياسية. وبعد عام تقريباً من خطاب إيدن، دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس كلّاً من رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري إلى التباحث بالقاهرة في فكرة “إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية التي تنضمّ إليها”. كانت تلك المرّة الأولى التي تُثار فيها فكرة الجامعة العربية بوضوح. وأضاف مروّة أنّ رئيس وزراء سوريا رفض مشاركة لبنان في عضوية الجامعة، معتبراً أنّه “كيان مصطنع”، في إشارة إلى الأقضية الأربعة التي سُلخت عن سوريا عند قيام لبنان الكبير عام 1920. ردّ عليه رئيس وزراء مصر قائلاً: “لبنان قد نال استقلاله قبل سوريا”، فرضخ جميل مردم ووافق على انضمام لبنان “مع التحفّظ”.

تابع مروة: “من إيجابيات اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 هو إنشاء كيانات في المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى، بعدما كانت ولايات بلا فاعلية في السلطنة العثمانية. وكلّفت عصبة الأمم بريطانيا وفرنسا بالانتداب علي هذه الكيانات”. وهنا استعاد مروّة موقف البطريرك الماروني إلياس الحويّك الذي طالب عند إنشاء لبنان الكبير عام 1920 بحذف كلّ ما يمتّ إلى سوريا من خريطة الكيان الجديد. ودعانا مروّة إلى مشاهدة الخريطة التي علّقها في صالون منزله، والتي جرى إعدادها بين عامَيْ 1861 و1862 في زمن المتصرّفية، ونشرتها دائرة المحفوظات اللبنانية في 500 نسخة وقدّم ميشال إدّه نسخة منها لمروّة.

استعاد مروّة دور ميشال شيحا ورفاقه في كتابة الدستور عام 1943، ولا سيّما المادّة 95 التي تدعو إلى إلغاء الطائفية السياسية الذي لم يتحقّق حتى بعدما نصّ عليه دستور الطائف عام 1989.

قال مروّة إنّ حركة القوميين العرب والحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أسّسه أنطون سعادة عارضا إنشاء الكيان اللبناني، مضيفاً أنّ مقتل الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو كان سببه الوحدة المصرية – السورية عام 1958.

آمن مروّة بأنّ المسؤولين السوريين رفضوا تنفيذ اتقاق الطائف منذ عام 1989 من خلال عرقلة تطبيق المادة 95 من الدستور التي تنصّ على إلغاء الطائفية السياسية التي يؤدّي إلغاؤها إلى خروجهم من لبنان

الكلفة السوريّة لإعمار لبنان

تطرّق مروّة إلى اللقاء الأوّل الذي جمعه ورفيق الحريري عام 1982 في باريس بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لبنان. ويعود تعارف الرجلين إلى زمن حركة القوميين العرب التي انتسب إليها الحريري في مطلع شبابه، قبل هجرته من مدينته صيدا إلى المملكة العربية السعودية، حيث نجح وأصبح رجل أعمال بارزاً. أمّا لقاؤهما الثاني فكان عام 2000 بتكليف من الحزب الشيوعي اللبناني. ولمّا همّ مروّة بالانصراف في نهاية اللقاء، سأله الحريري: “إلى أين؟”، ودعاه إلى البقاء قائلاً له إنّه يريد التحدّث إليه. استمرّ لقاؤهما ساعة ونصف ساعة. وقال مروّة للحريري إنّه لا يعترض على إقامته دولة رأسمالية في لبنان، لكنّ الوصاية السورية قد تمنعه من تحقيق هدفه، مشيراً إلى حجم الإنفاق على إعادة إعمار لبنان وذهاب شطر كبير من كلفته إلى النظام السوري.

أجاب الحريري أنّه يعلم ذلك، وأنّ إعادة إعمار لبنان هي الهدف، ولو اقتضى ذلك دفع “ما يلزم”. وقال الحريري إنّ النظام السوري سينسحب من لبنان بموجب اتفاق الطائف، فسأله مروّة: “ماذا لو لم ينسحبوا؟ وهل تستطيع أن تدفع لهم الأموال إلى أجل غير مسمّى؟”. وهنا صمت الحريري ولم يُجب.

جاء عام 2004، فعقد أقطاب المعارضة اللبنانية في منتصف كانون الأول مؤتمراً حاشداً في فندق البريستول ببيروت، وأعلنوا تأسيس جبهة معارضة موحّدة لخوض معركة الحرّية والاستقلال بعد صدور قرار مجلس الأمن 1559 في أيلول من العام نفسه. رأى مروة أنّ مشاركة ممثّلٍ عن الحريري في مؤتمر البريستول وإعلان النائب باسم السبع باسم الحريري “تأييد توصيات المؤتمر” شكّلا “التحوّل الكبير” في موقفه. كانت هذه الخطوة المدماك الأساسي لاغتيال رفيق الحريري، حسب مروّة.

التمديد للحّود “وإلّا”

استعاد مروّة اجتماع بشار الأسد والحريري، قبل التمديد للرئيس إميل لحّود في تشرين الثاني 2004، أي قبل شهر من مؤتمر البريستول، الذي قال فيه الأسد للحريري “على الواقف” في 10 دقائق إنّ عليه الموافقة على التمديد للحّود “وإلّا”. وعندما عاد الحريري إلى بيروت والتقى النائب وليد جنبلاط في حضور النائب مروان حمادة (الذي نقل لاحقاً وقائع اللقاء إلى مروّة) تحدّث عن التهديد السوري له، فنصحه جنبلاط بأن يتنبّه ويقبل التمديد للحّود.

تحدّث مروّة عن أنّ لحّود جاهر عندما أصبح رئيساً للجمهورية عام 1998 بأنّه يريد الدكتور سليم الحص رئيساً للحكومة بدلاً من الحريري. وخلال لقاء مروّة والنائبة بهية الحريري على مأدبة عشاء، طلب منها أن تنصح شقيقها بأن يتوقّف نهائياً عن السعي إلى أن يكون رئيساً للحكومة لأنّ السوريين يريدون رئيساً مطواعاً ينفّذ مطالبهم، مضيفاً أنّه إذا رفضها الحريري فسيقتلونه، فأجابته أنّ شقيقها مصمّم على البقاء في الحياة السياسية.

إقرأ أيضاً: بقي بائع الفلافل… وذهب رفيق الحريري

آمن مروّة بأنّ المسؤولين السوريين رفضوا تنفيذ اتقاق الطائف منذ عام 1989 من خلال عرقلة تطبيق المادة 95 من الدستور التي تنصّ على إلغاء الطائفية السياسية التي يؤدّي إلغاؤها إلى خروجهم من لبنان.

واعتبر مروّة أنّ موقف بشار الأسد واغتيال الحريري عام 2005 يلاقيان “تحفّظ” جميل مردم عام 1944 على عضويّة لبنان في جامعة الدول العربية بذريعة أنّ لبنان “كيان مصطنع”. وقد انخرطت إيران في هذه السياسة حتى أصبحت اليوم الوصيّة العمليّة على لبنان.

ولهذا السبب اغتيل الحريري، إذ مشاركته في “مؤتمر البريستول” لتحقيق استقلال لبنان النهائي أجاب عليها “المركز السوري”، باختلاف الأسماء بين مردم بك وبشار الأسد، في 14 شباط 2005.

إقرأ أيضاً

ذكرى رجل أم ذكرى بلد؟

فجأة تنتبه أنّك تكتب عن رفيق الحريري بصيغة الحاضر. ثمّ تفكّر أنّ الأمر لم يحصل سهواً، وأنّ الكتابة عن رفيق الحريري هي عملية معاندة بين…

اغتيال رفيق الحريري: زلزال المنطقة المستمرّ

تمرّ الذكرى الـ18 لاغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005، ليتبيّن مع مرور الوقت أمران: – أوّلهما أنّ تفجير موكب رفيق الحريري ورفاقه،…

مسرّة لـ”أساس”: مار مخايل برنامج لشيطنة الحريري..

“هو رجل الاستقلال الثاني”، بهذه الجملة يُعرِّف المرجع الدستوري الدكتور أنطوان مسرّة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. لا ينظر الدكتور مسرّة إلى تاريخ 14 شباط كذكرى…

لم يكن شاعراً.. لكن صنع مستقبلاً من العاطفة

في سنوات غياب رفيق الحريري عن المشهد السياسي اللبناني، لم يختف أثر لمسته الإيجابية في الحياة اللبنانية. فظل حاضراً رمزاً لاستقلال لبنان وإرادته الحرة وتفوقه…