لماذا احتفل سُنّة لبنان بفوز إردوغان؟

2023-05-29

لماذا احتفل سُنّة لبنان بفوز إردوغان؟

مدة القراءة 4 د.

بداية لا بدّ من تأكيد نقطتين:
1- الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ليس خليفة المسلمين. لا هو أعلن ذلك ولا الوقائع والحقائق تقول بذلك.
2- تركيا ليست دولة الخلافة العثمانية، بل هي دولة علمانية، بقوانينها المدنية وبممارستها السياسية.

ما شهدته بيروت وطرابلس وصيدا، التي تضمّ الكتلة السنّيّة الكبرى في لبنان، من احتفالات ومسيرات احتفال بفوز إردوغان بفترة رئاسية جديدة في تركيا، هو حدث لا يمكن تجاهله، لا بل إنّ الصمت تجاهه يحمل الكثير من الدلالات والمؤشّرات.
ما يمكن تأكيده أنّ أيّ طرف سياسي سنّيّ وازن لم يدعُ إلى هذه الاحتفالات والمسيرات، ولم تقُم أيّ جهة تمتلك إمكانيات ماليّة ولوجستية بدعم هذه الاحتفالية. بل ما شهدته ساحة التلّ في طرابلس حيث تقف ساعة السلطان عبد الحميد العثماني، وما فعلته شوارع بيروت، وتحديداً في منطقة عائشة بكّار وساحة المفتي الشهيد حسن خالد في الطريق الجديدة، كان حركة شعبية عفويّة من بيئة تعيش قلقها الإقليمي وفراغها الداخلي على صعيد المرجعية.

ما دفع سُنّة لبنان إلى الاحتفال بإردوغان هو نفسه ما دفعهم إلى الاحتفال بفريقَيْ الرياضي والأنصار. هو الجوع إلى الانتصار والشعور بالقوّة

السُّنّة والوقوف في العراء
لم يُقتل رفيق الحريري في عام 2005 لأنّه نائب عن بيروت، أو لأنّه بنى مسجد محمد الأمين في وسط بيروت. قُتل رفيق الحريري بطُنّ من المتفجّرات لأنّه يمثّل محوراً عربياً له مشروعه السياسي الذي يتعارض ويقف سدّاً بوجه محور آخر له مشروعه التوسّعي الساعي إلى الهيمنة على الهويّة والجغرافيا.
أبعاد اغتيال رفيق الحريري الدوليّة قرأها سُنّة لبنان جيّداً. نزلوا إلى الساحات على غير عادتهم وانخرطوا في المواجهة والنضال كما لم يعتادوا من قبل. تعاملوا مع ثورة الأرز على أنّها ثورتهم الخاصّة من أجل لبنان تماماً كما كانت محكمة اغتيال الرئيس الحريري من أجل لبنان.
ضمن علم الثورات، فإنّ أيّ ثورة لا تصل إلى التغيير والنصر تُصاب بالفشل، وهذا ما حصل من زيارة الرئيس سعد الحريري لدمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد ونومه في قصر المهاجرين. وأذكر هنا زيارتي لبيت الوسط صباح يوم أحد سائلاً: “ماذا تقول للناس عن هذه الزيارة؟”، فكان الجواب: “طلبها منّا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، والرجل وقف إلى جانبنا ولا يمكننا ردّ طلبه”، فاستجاب الحريري لِما طُلب منه وزار دمشق من دون موافقة ورضا سُنّة لبنان. ثمّ كانت التسوية الرئاسية وسوء إدارتها وطلب الحريري من السُنّة تجرُّع السم من دون نقاش أو معارضة..! فكان ما كان من تنازلات وأضحيات، وكأنّ السُنّة كما وصفهم النائب نهاد المشنوق في حينه باتوا يعيشون عيد الأضحى يومياً على مدار السنة منذ عام 2015 بعدما مارست المملكة العربية السعودية اعتكافاً عن لبنان وتمهّل مصري في الانخراط بالمستنقع اللبناني.
شعر سُنّة لبنان أنّهم يعيشون في العراء سياسياً واقتصادياً وأمنيّاً. قُتل منهم من قُتل واعتُقل منهم من اعتُقل، ومن فتح فمه كانت تهمة الداعشيّة بانتظاره. وإمعاناً بذلك سمع السُّنّة عبارة واحدة في الإعلام: السعوديّة لا تضع لبنان في أولويّاتها. فيما مصر تطلّ وتنكفئ ثمّ تطلّ، ودائماً في سياق التمهّل وعدم الرغبة في الانخراط.

لم يبقَ غير إردوغان
لم تختلف احتفالية السُّنّة في طرابلس وبيروت وعكّار وصيدا بفوز إردوغان عن احتفاليّتهم بفوز فريق الأنصار ببطولة الدوري قبل عام وبفوز فريق الرياضي على فريقَيْ الحكمة والدينامو. لا بل كتب أحدهم بالأمس على صفحته على فيسبوك مبتهجاً: “إنّه يوم جميل. انتصاران في يوم واحد: فوز إردوغان وفوز الرياضي”.
ما دفع سُنّة لبنان إلى الاحتفال بإردوغان هو نفسه ما دفعهم إلى الاحتفال بفريقَيْ الرياضي والأنصار. هو الجوع إلى الانتصار والشعور بالقوّة. هو الوهم بأنّهم يخرجون من العراء السياسي. هم يشعرون بجوع إلى مرجعية قادرة على حمايتهم وتحقيق الانتصارات لهم.

إقرأ أيضاً: العرب وإردوغان: النظر بعيون جديدة

السُّنّة لم يكفروا بالعروبة، لكنّ جوعهم إلى البطولات العربية هو الكافر. ألم يقُل زياد الرحباني “أنا مش كافر بس الجوع هو كافر”.
لماذا احتفل السُّنّة بإردوغان؟ سؤال جوابه في الرياض والقاهرة. جوابه في كلّ عاصمة قرار عربي لا تنظر إلى سُنّة لبنان على أنّهم أولويّة، ولا تحمّلهم مسؤولية ما لم تقترفه أيديهم.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

إقرأ أيضاً

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…

لا عزاء للمساكين

“لم أغسل دمي من خبز أعدائي  ولكن كُلّما مرّت خُطَايَ على طريقٍ فرّتِ الطرقُ البعيدةُ والقريبةُ   كلّما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبةِ فالتجأتُ إلى رصيف الحلم…

“أخوة يوسف”* أمام معضلة خط الحرير العراقيّ

عاديّ أن يقلق البعض على هامش زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الأخيرة للعراق، أمام مشهد توقيع مذكّرة تفاهم رباعية للتنسيق والتعاون ذات طابع استراتيجي…

الجماعة الإسلامية إلى أين؟

عندما أنشئت الجماعة الإسلامية في ستينات القرن الماضي (وتمّ وقتها الترخيص للحزب الشيوعي وكان وزير الداخلية كمال جنبلاط)، كانت تهدف إلى المحبة والتسامح والعيش المشترك…