قمّة التحدّيات والأمل

انعقدت القمّة العربية الثانية والثلاثون في أجواء تحدّيات حرجة أمام العمل المشترك، ووسط أحداث مؤلمة تنذر بتفتيت دول عربية وتعريض شعوبها لمآسٍ إنسانية تُفقدها الأمان وتنزلق بها إلى مخاطر حروب أهلية تدفع إلى مزيد من الضياع وفتح أبواب المجهول على القلاقل وعدم الاستقرار.
لقد أثبتت التجارب أنّ الاضطرابات “عدوى” تصيب من حولها ولا تقف أخطارها وأضرارها عند الواقعين فيها.
من الموضوعية والواقعية التذكير بأنّها ليست المرّة الأولى التي تنعقد فيها قمّة عربية في ظروف شائكة معقّدة تُضعف العمل المشترك، فقد شهدت العقود الماضية سلسلة من الإخفاقات والانحدار نحو المزيد من ضعف قنوات العمل المشترك وزيادة تسلّل الأطماع الخارجية من أبواب ونوافذ شعور البعض بهشاشة الأسس التي قام عليها مفهوم ومبادئ التعاون العربي. وقد أفضت تلك “الهشاشة” وجذورها غير الواقعية إلى ما شهدته مؤسّسات العمل العربي المشترك من هزال وقلّة تأثير.
على الرغم من هذا الواقع وما يمكن أن يدور حوله من جدل بين المؤمنين بالعمل العربي المشترك وبين رافضيه والمحبطين من نتائجه، فإنّ المصالح تتطلّب عدم التفريط باستثمار الشعور الجمعي للشعوب المؤمنة بوحدة المصير والتمسّك بكلّ ما يُبقي هذه القناعة حيّة مؤثّرة في القرار السياسي لدولها.

أثبتت التجارب أنّ الاضطرابات “عدوى” تصيب من حولها ولا تقف أخطارها وأضرارها عند الواقعين فيها

لا ينكر المؤمنون بقيمة ما يربط الدول العربية وشعوبها من أواصر، فشل نتائج “مشاريع التقارب” السابقة، لكنّهم يرون أنّ أسباب الفشل ليست في أصالة الشعور والرغبة في التقارب، بل العلّة تكمن في آليّات وأساليب وقوالب تلك المشاريع “الفاشلة”، وقد يذهب البعض إلى أنّ إخفاقها يعود إلى أنّها لم تقُم على ما يضمن استقرارها واستمرارها.
من المنطقي أن تؤدّي الدروس المستفادة إلى حوار عاقل بين مؤسّسات صنع القرار في الدول العربية حول المفاهيم التي يقوم عليها العمل العربي المشترك والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، والتفاهم على توفير ما يمكن من ذلك من دون مبالغة أو تضخيم ووعود غير قابلة للتحقيق.
يرى البعض أنّ المطلوب نظرة تُراعي القواسم المشتركة التي يقبلها الجميع مع مساحة من المرونة تعطي فرصة تطوير الآليّات وفق مصالح وظروف الشركاء، شريطة وجود صيغة ضامنة يُتّفق عليها.
قد لا تكون هذه التطلّعات ملحّة على طاولة القمّة، على الرغم من أهميّتها، فالمرحلة الراهنة تتطلّب جمع الكلمة وتقليل الأضرار وسدّ الأبواب والثغرات أمام المهدّدات الخارجية، مع العمل على تجاوز آثار محطّات تعثّر العمل المشترك للوصول إلى ما يساعد الجميع على “إطفاء الحرائق” المشتعلة وتنشيط قنوات التعاون لمعالجة آثار سنوات الفرقة.
من مؤشّرات التفاؤل رغبةُ كلّ الدول العربية بالمشاركة في هذه القمّة، ومستوى التمثيل، الأمر الذي يُتوقّع معه أن تكون هذه القمّة بدايةً لمرحلة جديدة تصحّح الأخطاء وتعالج الجراح وتبني ما تهدّم من جسور العمل المشترك.

إقرأ أيضاً: الصحافة السعوديّة: قمّة جُدّة نجحت قبل أن تُعقد

الاهتمام الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للعمل العربي المشترك ومساعي صاحب السموّ الملكي وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تقريب وجهات النظر تعطي الأمل في إحداث تغيير جوهري في الحال العربية.
ليس خافياً أنّ الرياض، بمكانتها وحضورها وتأثيرها وحرصها على تعظيم فوائد هذا اللقاء، تعمل على أن تكون هذه القمّة منعطفاً على طريق العمل العربي المشترك يستثمر الرغبات ويفعّل الطاقات لخلق حيوية وحراك فاعل يمكّن من عبور المرحلة الحالية إلى آفاق جديد تخدم الأوطان والشعوب.

 

* كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “عكاظ”.

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…