تركيا: أوغان “صانع الرؤساء”؟

يقول سنان أوغان قائد تحالف “أتا”، التحالف الثالث في معركة الانتخابات الرئاسية: “سنقوم بما يتوجّب علينا للحؤول دون دخول البلاد أجواء الخضّات السياسية”. فكيف سيتصرّف لتحقيق ذلك وهو يجلس على فوهة بركان سياسي ثائر ويُنتظر منه حسم موقفه وإعلان خياراته والطرف الذي سيدعمه في جولة الإعادة الرئاسية؟

من هو أوغان؟
نظرة خاطفة على شخصية وبيئة سنان أوغان وخلفيّته السياسية والفكرية تُظهر أنّه أقرب إلى المعارضة من الحزب الحاكم. هو أوّلاً أكاديمي وأستاذ مادّة العلاقات الدولية ورئيس مركز أبحاث “تورك سام” المتخصّص في ملفّات السياسات التركية في العالم. هو ابن مدينة إغدر الشرقية والمرشّح الذي فاز فيها بنسبة كبيرة وهو يخوض مواجهة صعبة أمام تحالف الجمهور وتكتّل الأمّة. إنّه قومي أتاتوركيّ وعلماني في الوقت نفسه. شارك في قيادة معارضة النظام الرئاسي في تركيا. وهو منفتح على خطّ التحالف بين الجمهوريات التركية في آسيا وأوروبا بدلاً من الرهان على العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي الذي لم يسفر عن شيء بعد عقود من المحاولات. فهل يسير وراء ما ردّده من أقوال وأهداف ومطالب أم يرضخ للعبة التوازنات السياسية وما قد يُعرض عليه؟
أوجز أوميت أوزداغ زعيم حزب “ظفر” القومي المتشدّد نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات بقوله: “فشلنا في الوصول إلى ما نريد في الجولة الأولى وخيّبنا آمالكم”. ينسّق أوزداغ مع سنان أوغان في خيارات تحالفات الجولة الثانية للضغط على إردوغان وكيليشدار أوغلو باتجاه انتزاع تنازلات في الملفّ السوري وتسريع إعادة مئات الآلاف من السوريين إلى بلادهم. أصوات أوغان وأوزداغ مهمّة للمتنافسَين طبعاً، فهي وصلت إلى نسبة 5 ونصف في المئة من مجموع الأصوات. فكيف سيكون شكل حوارهما مع إردوغان وكيليشدار أوغلو؟

يدرك أوغان أنّ مستقبله الحزبي والسياسي أمام تقاطع خطير: إمّا أن يعود إلى بيت الطاعة في الحركة القومية ويكون إردوغان وسيلة في ذلك بعد إقناع بهشلي بقرار العفو عن أوغان وتسهيل رجوعه

فشل الرئيس رجب طيب إردوغان ومنافسه كمال كيليشدار أوغلو في الفوز في الجولة الأولى من معركة الرئاسة، فهل يجعل ذلك من أوغان “صانع الرؤساء” في الجولة الثانية فيحسم هو كفّة المواجهة بين المتنافسَين؟ حصل سنان أوغان على ما يقارب 3 ملايين من مجموع أصوات الناخبين في معركة الرئاسة التركية. ومن يحصل على دعم هذه الكتلة سيكون هو الرابح حتماً في الجولة الثانية. تبقى المشكلة في الإجابة على سؤال: هل يكون بمقدور أوغان إلزام داعميه بالتصويت للطرف الذي سيختار؟ وهل يختار هو أصلاً أحد الطرفين أم يعلن أنّ أنصاره أحرار في دعم الطرف الذي يريدونه؟

حكاية أوغان وبهشلي
انشقّ أوغان عن حزب الحركة القومية قبل سنوات بعد خلافات مع رئيسها دولت بهشلي حول السياسات والأساليب، وبينها الانفتاح على حزب العدالة والتنمية ودعمه من خارج الحكم من دون الحصول على جوائز ترضية. ولم يدعم تغيير شكل النظام من برلماني إلى رئاسي في الاستفتاء الذي أُجري قبل 6 سنوات. فلماذا يدعم إردوغان في جولة الإعادة إذا لم يبدّل الأخير من سياساته ويعطيه ما يريد؟ وهل يقبل بهشلي بأيّ حوار وتفاهمات محتملة بين إردوغان وأوغان الذي قد يكون يطمح إلى إزاحة بهشلي عن كرسيه ويقود هو الحركة القومية في تركيا؟ ولماذا يفتح بهشلي الطريق أمام “المتمرّد” أوغان فقط لإرضاء إردوغان ومساعدته على الفوز في معركة 28 أيار المقبل، وهو يدرك أنّ ارتدادات ذلك ستكون كبيرة على موقعه الحزبي والسياسي في وسط الحركة القومية؟ وهل يضع إردوغان أصلاً حليفه بهشلي في موقف صعب من هذا النوع بعد كلّ ما قدّمه له ولحزب العدالة والتنمية من دعم سياسي وبرلماني وشعبي في أحرج المواقف وأحلك الظروف؟
سيكون اقتراب أوغان من كيليشدار أوغلو هو الأفضل بالنسبة لبهشلي لأنّه سيضعه في موقف سياسي وحزبي مشابه لحالة ميرال أكشنار زعيمة حزب “إيي”، ولأنّه سيتخلّص من منافس آخر له على قيادة الحركة القومية التركية، ولأنّه يعرف أنّ أصوات أوغان ليست كلّها من القواعد اليمينية القومية في تركيا، بل تجمع فئة الغاضبين والمغبونين من الشباب والنساء والذين لا تعجبهم سياسات القيادات التقليدية في تركيا.

أوغان يواجه تقاطعاً خطيراً
يدرك أوغان أنّ مستقبله الحزبي والسياسي أمام تقاطع خطير: إمّا أن يعود إلى بيت الطاعة في الحركة القومية ويكون إردوغان وسيلة في ذلك بعد إقناع بهشلي بقرار العفو عن أوغان وتسهيل رجوعه، أو سينسّق مع كيليشدار أوغلو ثمّ يبحث عن فرصة الاقتراب من أكشنار حزبياً علّها تعطيه فرصة الجلوس إلى يمينها في الحزب وتطلق يده من خلال وعود سياسية حالمة. تقع مهمّة التوسّط بين الطرفين على عاتق كيليشدار أوغلو، فهل ينجح في ذلك؟

لن يعني دعم أوغان لأحد المرشّحين بالضرورة قبول قواعده الشعبية لهذا القرار والالتزام به. هذا ما يعرفه هو، وما يعرفه الجميع في تركيا. احتمال كبير أيضاً أن يختار البقاء على مسافة واحدة من المتنافسَين معلناً أنّه وجد صعوبة في التفاهم معهما، ويكون بذلك قد خرج من المولد بلا حمص في أعين البعض، لكنّه من خلال قرار بهذا الاتجاه يكون قد أرضى ناخبيه وجمع بقيّة القيادات الحزبية اليمينية المعارضة حوله وواصل طريقه لاعباً جديداً مؤثّراً وسط الشريحة القومية.
سيكون أوغان أمام امتحان صناعة مستقبله الحزبي والسياسي قبل أن يكون أمام امتحان صناعة الرؤساء ليلة 28 أيار المقبل. وقد يبعده قراره عن مصيدة سياسية تُرسم له لكسب دعمه ثمّ إخراجه من المشهد كما حدث مع المرشّح الرابع محرم إينجا، الذي ارتكب خطأ عمره بالانسحاب من المعركة من دون أن يقنع قواعده بأسباب هذه الخطوة، مخيّباً آمالهم ومنهياً حلم الكثير من اليساريين العلمانيين بإجلاسه على رأس حزب الشعب الجمهوري بدلاً من “العجوز” كيليشدار أوغلو الذي حان وقت ذهابه إلى الكرسي الهزّاز.
صناعة الرؤساء في تركيا مرتبطة بالكثير من العوامل والتجارب والخبرات السياسية والاقتصادية والحزبية، وهي تتطلّب شبكة واسعة من العلاقات في الداخل والخارج. سنان أوغان ما زال في بداية الطريق السياسي على الرغم من تجربته الأكاديمية وقدراته على تحليل وفهم ونقل ما يدور من حوله.
قد يكون في العلن هو بيضة القبّان، لكن من وراء الستار وبعيداً عن الأضواء يعمل آخرون على “توجيهه” باتجاه معاكس للاتجاه الآخر. وهؤلاء هم صنّاع الرؤساء كما رأينا في نتيجة الانتخابات البرلمانية التي أسقطت حسابات المعارضة ومؤسّسات استطلاعات الرأي وتحليلات الكثير من الصحف العالمية.

إقرأ أيضاً: أردوغان لم “ينتصر” و المعارضة لم “تنهزم”.. بعد

يبدو أنّ وضع إردوغان في الحوار مع سنان أوغان أقوى بكثير من وضع كيليشدار أوغلو. سيحاول إقناعه بموقف داعم بأقلّ الهدايا والتنازلات السياسية التي أعلنها أوغان في برامجه الانتخابية. إذا لم تنجح المحاولة، ومن المحتمل أنّ إردوغان لا يريدها أن تنجح، سيقول للناخب التركي “حاولنا لكنّ أوغان عرقل فرصة التفاهم”. وسيتركه يذهب لحضن كيليشدار أوغلو وهو يعرف أنّ قسماً كبيراً من داعميه لن يلتزم بقراره لأنّ كيليشيدار أوغلو نفسه لن يغامر وسيحاول التمسّك بنسبة الـ10 في المئة من أصوات حزب الشعوب الديمقراطية التي دعمته في الجولة الأولى وستكون أفضل من الرهان على نسبة 5 في المئة غير مضمونة، تبعاً للمثل القائل: عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة.
لن تكون مواجهة الإياب بين إردوغان وكيليشدار أوغلو تحت رحمة أوغان، لكنّهما سيجلسان على أعصابهما بانتظار أن يحلّ الأمر نزار قباني على طريقته: “مقدورك أن تبقى مسجوناً بين الماء وبين النار” أو “ترجع مهزوماً مكسور الوجدان”!

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: profsamirsalha@

إقرأ أيضاً

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…

“حصانة” إيران أم “الحصن” الإسرائيليّ؟

لماذا تعمّدت طهران ليلة السبت المنصرم الكشف عن كلّ تفاصيل خطة الهجوم الذي أعدّته ضدّ تل أبيب انتقاماً لاستهداف قنصليّتها في دمشق قبل أسبوعين والتسبّب بسقوط قيادات…

بايدن الرابح الأكبر من الضربة الإيرانيّة لإسرائيل

 ربح جو بايدن مزيداً من “المونة” على إسرائيل يمكّنه من لجم اندفاعها العسكري ضدّ إيران بعد توظيفه الدفاع عنها في المشهد الانتخابي. اكتسبت طهران موقع…