تسوية الأقوياء أو منازلة الخاسرين؟

لم تنجح المساعي التي بُذلت من أجل التقاء الصديقين اللذين أمضيا سنوات عهد الرئيس ميشال عون كتفاً إلى كتف. هما اليوم على طرفَي نقيض، فكلّ منهما خسر في الآخر جزءاً من الثقة المطلقة التي كانت تجمعهما في الأيام الخوالي. اهتزّت علاقة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بمسؤول وحدة التنسيق والارتباط وفيق صفا بفعل الأزمة الحكومية الأخيرة واتّهام باسيل للحزب بعدم الوفاء بالوعد. وبطبيعة الحال ابتعد الرجلان في المقاربات الرئاسية بفعل تمسّك حزب الله برئيس تيار المردة سليمان فرنجية مرشّحاً رئاسياً. يسعى اليوم الحزب الذي يرغب بشدّة في عودة العلاقة مع باسيل إلى ترميم العلاقة، لكنّه يصطدم بقرار ثابت لا يتغيّر لدى التيار الوطني الحر بعدم انتخاب فرنجية وعدم تأمين النصاب لانتخابه وعدم ترك حرّيّة التصويت لنوّابه.

باسيل والحزب: لا التقاء على رئيس
بعد رسائل بين الفريقين لمنع إعلان الحداد الرسمي على ورقة التفاهم انطلاقاً من مصلحة مشتركة ما تزال قائمة ويحكمها التموضع السياسي لكلّ منهما الذي يسمّيه البعض عزلة مشتركة، جرت محاولات رئاسية فشلت حتى الساعة. كانت أبرز هذه المحاولات محاولة إقناع باسيل بحضور جلسة انتخابية وعدم مقاطعتها لصالح فرنجية والامتناع عن التصويت لصالح أيّ مرشّح آخر، غير أنّ ذلك لم ينجح. فباسيل أمامه خياران اثنان: الأول التوافق مع حزب الله على اسم غير فرنجية لانتخابه، والثاني التوافق مع حزب القوات اللبنانية وقوى المعارضة على اسم لانتخابه. لا خيار ثالث أمام رئيس التيار الوطني الحر الذي حسم أمر عدم اقتراعه لصالح فرنجية تحت أيّ ظرف، وحسم عدم تسهيله لذلك تحت أيّ ظرف أيضاً.

تستبعد بعض الأوساط المطّلعة على الملفّ الرئاسي أن يدعو رئيس المجلس إلى جلسة يخسر فيها مرشّحه

في المعلومات أنّ لقاءً كان يُفترض أن يحصل بين صفا وباسيل لتتويج المساعي التي كانت تهدف إلى تأمين حضور التيار على الأقل في جلسة انتخابية لصالح فرنجية، لكن توصّل القيّمون أن لا داعي لإجراء لقاء لا نتائج عملية له ما دام الفريقان متمسّكين بموقفَيهما، وبالتالي تستمرّ الأزمة الرئاسية على ما هي عليه.

حزب الله وفرنجيّة معاً
بالنسبة لحزب الله الحساب الرئاسي ليس على قياس ورقة التفاهم. قبل وصول الرئيس ميشال عون إلى الرئاسة عام 2016، كان فرنجية على أعتاب قصر بعبدا بمباركة خارجية تمثّلت في الفرنسيين، وأخرى داخلية تمثّلت في موافقة الرئيس سعد الحريري. وعلى الرغم من وصول فرنجية إلى عتبة قصر بعبدا فيما كان التوافق على رئاسة عون بعيداً، وقف حزب الله بوجه حليفه فرنجية لصالح عون. وحصل ما حصل. لن يكرّر حزب الله التجربة مع باسيل اليوم. وإذا كان باسيل ينتظر أن يلاقيه الحزب في منتصف الطريق الرئاسي وأن يتخلّى عن فرنجية فهذا لن يحصل. بل إنّ المقاربة الرئاسية، مهما كانت، ستكون مقاربة مشتركة بين الثنائي الشيعي وفرنجية على حدّ سواء، وأيّ خطوة إلى الأمام أو إلى الخلف سيقوم بها الثلاثي حزب الله وبرّي وفرنجية معاً.
حتى الساعة كلّ الكلام الصادر عن حزب الله يشير إلى أنّه يدعو القوى اللبنانية إلى التوافق على مرشّحه. فهو لا يريد الاستئثار بالسلطة ويريد المشاركة مع القوى الأخرى على أن يكون مرشّحه رئيساً للجمهورية. كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد دليل على ذلك. فبعدما أصبح حزب الله في قصر بعبدا في عهد الرئيس عون يصعب عليه أن يتخلّى عن الرئاسة الأولى. مصادر سياسية تعلّق على هذا الكلام مستغربة حاجة أقوى حزب في لبنان إلى ضمانات لأنّه خائف. علامَ يخاف؟ وممّن يخاف؟ هل حزب الله حقّاً بحاجة إلى تطمين أم خصومه هم من بحاجة إلى التطمين؟ لماذا يتعامل الحزب مع الرئاسة وكأنّه ضعيف بحاجة إلى من يحميه فيما الواقع هو العكس؟ تُطرح كلّ هذه التساؤلات اليوم على الحزب المدعوّ مع حليفَيه الرئيس برّي وسليمان فرنجية إلى ملاقاة القوى الأخرى في منتصف الطريق.

مصادر عين التينة تؤكّد أنّ الرئيس برّي مطمئنّ، إلا أنّ هناك من يؤكّد أنّ الذهاب إلى جلسة سيكرّس عدم حصول فرنجية على 65 صوتاً حتى هذا اليوم

برّي يحسب
تستبعد بعض الأوساط المطّلعة على الملفّ الرئاسي أن يدعو رئيس المجلس إلى جلسة يخسر فيها مرشّحه. لن يضع الثنائي حليفهما في هذا الموقف المحرج. فأيّ جلسة يدعو إليها برّي اليوم سيحصل فيها فرنجية على 54 صوتاً تقريباً، تماماً كما قال برّي في حديث له أخيراً. وعلى الرغم من أنّ مصادر عين التينة تؤكّد أنّ الرئيس برّي مطمئنّ، إلا أنّ هناك من يؤكّد أنّ الذهاب إلى جلسة سيكرّس عدم حصول فرنجية على 65 صوتاً حتى هذا اليوم. ولذا تشير الترجيحات إلى أنّ أفضل الخيارات بالنسبة إلى الجميع هو الذهاب مباشرة إلى التسوية من دون حصول منازلة خاسرة للجميع، بمن فيهم فريق المعارضة المشتّت حتى الساعة، والذي تأكّد تشتّته حين تقصّد جنبلاط أن لا يؤكّد تصويته لجهاد أزعور، الاسم الأكثر تداولاً في صفوف القوى المسيحية والمستقلّة حتى الساعة. وفي المعلومات أيضاً أنّ أزعور لا يحظى بتوافق القوى المستقلّة، إذ نُقل عن نواب مستقلّين رفضهم الاقتراع لصالح أزعور، علماً بأنّ الأخير، لا يريد خوض هذه المنازلة، ويفضّل أن يكون مرشّحاً جامعاً لا مرشّح تحدٍّ لأحد، ولا سيّما أن لا 65 صوتاً مضموناً له حتى هذا اليوم.

إقرأ أيضاً: رسائل دبلوماسيّة للمعارضة: سمّوا مرشحكم وإلّا..

إذاً ماذا ينتظر الجميع؟ بعد فشل المحاولات وآخِرتها عدم حصول لقاء بين باسيل وصفا، وبعد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية والتقارب السعودي الإيراني وعدم تأثير كلّ ذلك على المعادلة الداخلية، ماذا تنتظر القوى المتمسّكة بخياراتها لفتح أبواب التسوية من موقع القويّ وليس الضعيف؟ أصبح معلوماً أنّ قيادات حزب الله تخوض نقاشاً جدّياً في الخيارات وسط انسداد الأفق أمام فرنجية، وأصبح معلوماً أنّ الحزب لن يتخلّى عن فرنجية إذا لم يقتنع الأخير بضرورة الانسحاب لصالح إيجاد تسوية بين الجميع حفاظاً على ما بقي من دولة. لكنّ السؤال يتعلّق بتوقيت حصول ذلك. ألم يحِن الوقت بعد، بحسب وليد جنبلاط، ليتقدّم الحزب إلى منتصف الطريق تماماً كما فعل في ملفّ ترسيم الحدود البحريّة؟ وبحسب جنبلاط أيضاً، “فليسمح لنا الرئيس برّي هذه المرّة” الذهاب إلى تسوية.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: josephinedeeb@

إقرأ أيضاً

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…

نقابة المهندسين: لماذا تعاقب طرابلس تيار المستقبل؟

عقب عودة الرئيس الحريري النسبية إلى الأجواء السياسية في ذكرى 14 شباط، أراد تيّار المستقبل تدشين عودته إلى الملعب السياسي عبر بوّابة انتخابات نقابة المهندسين،…

الحزب لباسيل: الكلمة للميدان!

لم تلقَ رسالة النائب جبران باسيل إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن أيّ ردّ علني حتى الآن من الحزب في شأن الدعوة إلى صدور “قرار…

ماذا يحدث في “القنوات الخلفيّة” بين واشنطن وطهران؟

لا تتعلّق حسابات واشنطن فقط بشكل الرّدّ الإيرانيّ على قصف قنصليّة طهران في دمشق. إذ ترتبط أيضاً بشكلِ الرّدّ الإسرائيليّ على الضربة الإيرانيّة ليل السّبت…