نهاية الحرب مع العرب… بداية “تحرير القدس”

يروي أحد العارفين بـ”عقل” الحزب العميق، والضالعين في صناعة صورة هذا العقل، وفي التفكير من داخل آليّاته، أنّ “الحرب مع العرب انتهت”، وأنّه آن أوان البدء بـ”معركة تحرير فلسطين”.
هذه ليست نكتةً ولا شعاراً يريد الحزب أن يلاعب أحداً فيه سياسياً. الأصحّ أنّها حاجة ضرورية، لحفظ ماء وجه هذا الحزب في الداخل، بالعلاقة مع السُّنّة أوّلاً، والشيعة ثانياً، ولحفظ ما بقي من ماء وجهه مع ما أمكن من “العرب”، الذين قاتلهم في عواصمهم طوال العقد الفائت.

“تفكّك” المجتمع الإسرائيلي
من حسن حظّ الحزب أنّ هذا التحوّل ترافق مع “انهيار” في الجبهة الداخلية بإسرائيل، وحكومة بنيامين نتانياهو الضعيفة، ووقوف إسرائيل على خطّ الحرب الأهلية الرفيع، والمصالحة مع العرب التي “أخّرت”، إن لم تكن قد “ألغت”، احتمال ضربة إسرائيلية قويّة داخل إيران.
فخلال السنوات الأخيرة، عجزت “الديمقراطية” الإسرائيلية عن إنتاج سلطة متماسكة. 6 انتخابات متتالية، تراوح فيها الحاكم بين ائتلافات ضعيفة، وبين فاسدين مثل بنيامين نتنياهو، أو متطرّفين شعبويين دمويين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش. وكادت الخلافات تؤدّي إلى حروب أهلية متفرّقة في الشوارع، لا تزال جمراتها تحت الرماد. فيما المقاومة الداخلية تزداد قوّةً وصلابةً وتتحايل على “القبّة الحديدية”.

في أوساط الحزب والإيرانيين يتردّد أنّ المطلوب ليس “تهجير اليهود” من فلسطين، ولا طردهم منها، ولا قتلهم، بل فقط “تغيير النظام”

“استعادة أنفاس” المنطق
من يحاور “عقلاً” من عقول الحزب، لا بدّ أن ينتبه إلى حجم “التناغم” والقدرة على صياغة “منطق متكامل”، على الرغم من تغيّر الظروف وتسارع الأحداث، وعلى الرغم من الزلازل السياسية على فوالق استراتيجية، التي ضربت المنطقة في الشهرين الأخيرين.
بطريقة لافتة، يستجمع الحزب “المنطق” الذي كان خسره منذ تدخّله في الحرب السورية في عام 2011.
12 عاماً مرّت سخر خلالها الأقربون والأبعدون من “طريق القدس”، التي لا تبعد أكثر من 150 كيلومتراً عن جنوب لبنان، فيما قوّات الحزب ذهبت إلى القصير ويبرود والشام وحلب وحمص في سوريا، ثمّ صنعاء في اليمن وبغداد في العراق.. بحجّة “تأمين طريق القدس”.

“ترقيع” منطق “المقاومة”
في الأسابيع الأخيرة، عمل “العقل” الحزبيّ على ترقيع الثقوب والاهتراءات في منطق “تحرير القدس”، وفي روايته عن نفسه باعتباره “حركة مقاومة” وليس حركة مذهبية ارتكبت الأهوال في ملايين السُّنّة:
1- كانت البداية بمصالحة “حماس” وتأكيد التحالف معها: و”حماس” هي “شعلة المقاومة” الحقيقية في الداخل الفلسطيني. إعادتها إلى “حضن” إيران هو إنجاز استراتيجي لأنّه يفتح باب المصالحة مع “المشاعر السنّيّة” في المنطقة. تلك التي ترى في حلف “جذوة المقاومة” مع هذا الحزب، اعترافاً بـ”جميله” عليها. وبالتالي هذا يعيد للحزب مصداقيّةً معقولة في الشارع السنّيّ، باعتباره يدعم، قولاً وفعلاً ومالاً وسلاحاً، الفصيل السنّيّ الأكثر قوّة ومشروعيّة في فلسطين.
2- أطلق نظرية “وحدة الساحات”. بمعنى الربط العسكري والسياسي بين الداخل الفلسطيني (رام الله وغزّة) وبين الجولان في سوريا وجنوب لبنان.
3- أجرى “بروفا” لهذا الترابط في 6 نيسان الماضي، بـ”حفلة” صواريخ أطلقها مجهولون / معلومون من بساتين الموز في القليلة بمدينة صور جنوب لبنان، تزامناً مع إطلاق صواريخ من حدود الجولان إلى الجولان المحتلّ، ومن غزّة على غلاف مستوطناتها الإسرائيلية.
هذا “الترابط”، مع حكومة إسرائيلية ضعيفة ولا تستطيع القتال، “دمغ” نظريّته بطابع “تنفيذيّ”، لئلّا يقول له أحد إنّه احتلّ عواصم العرب ولم يقاتل إسرائيل. وهذه “الحفلة” يمكن تكرارها كلّما دعت الحاجة. ومن المعلوم أنّ اتصالاتٍ أُجريت قبل وبعد إطلاق الصواريخ، أعلن خلالها الجانبان عدم رغبتهما بالتصعيد والذهاب إلى الحرب. وتمّ الاتفاق على ردّ إسرائيلي بحجم الضربة، فكانت معركة انطلقت صواريخها من بساتين الموز، وانتهت بقذائف إسرائيلية على بساتين الموز نفسها.

إيران “رمت السلاح” أمام العرب، ورفعته، ربّما بشكل جدّيّ هذه المرّة، أمام إسرائيل. أو على الأقلّ هذا ما يتردّد في المستويات المتوسّطة والعليا داخل الحزب

إيران تنقذ السعوديّة؟
في رواية الحزب أنّ أميركا كانت تريد إسقاط 6 دول في المنطقة:
1- أفغانستان.
2- العراق.
3- سوريا.
4- إيران.
5- السعوديّة.
6- تركيا.
وفق هذه النظريّة، يقول هؤلاء إنّ إيران، بصمودها وإنقاذها نظام بشار الأسد في سوريا، أنقذت السعودية (وتركيا ضمناً) وأوقفت المخطّط الأميركي على حدودها وحدود الأسد. مخطّط بدأ مع المحافظين الجدد في عهد جورج بوش الابن، واستمرّ مع تبنّي باراك أوباما نظريّة “الربيع العربي” لضرب أنظمة المنطقة، قبل أن يأتي دونالد ترامب ويعمّق الحلف مع السعودية، من دون أن يستكمل مخطّط إسقاط الأسد وضرب إيران.
الجزء المكمّل لهذا المنطق هو أنّ “العرب هم من قفزوا إلى الضفّة الأخرى”، يقول حزبيون: “وحين عادى العرب أميركا.. صالحناهم”. المقصود هنا هو الخلاف الذي يتّسع بين إدارة جو بايدن وبين السعودية وبقيّة العرب، من الإمارات وليس انتهاءً بمصر ربّما. وبالتالي فإنّ نظريّة “التحالف” بين أنظمة المنطقة، بدأت تتقدّم، خصوصاً بين إيران والعرب، بمن فيهم بشّار الأسد بالطبع، نقطة الالتقاء “العربي – الإيراني”.
قد يكون هذا كلّه صحيحاً، لكنّه ليس الحقيقة كاملةً. فالإيرانيون بدورهم تخلّوا عن مشروعهم لاحتلال عواصم العرب والتوسّع في قتل العرب والسُّنّة. وهم كانوا يعانون من الضربات الإسرائيلية المتتالية في العمق الإيراني. كما أنّ إيران ارتكبت خطأً تاريخياً حين مدّت روسيا بطائرات مسيّرة استُخدمت لقتل أوروبيين (الرجل الأبيض). تجاوزت الخطّ الأحمر هنا، بعدما كان مسموحاً لها أن تقتل عرباً فقط (راجع مقال الكاتب بتاريخ 23 كانون الأوّل 2022).

إقرأ أيضاً: صمد سايكس بيكو.. وسقط مشروع “احتلال مكّة”

الحزب يريد “إسقاط النظام”
في أوساط الحزب والإيرانيين يتردّد أنّ المطلوب ليس “تهجير اليهود” من فلسطين، ولا طردهم منها، ولا قتلهم، بل فقط “تغيير النظام”. بمعنى أنّ حلّ الدولتين قد لا يكون كافياً، بل دولة واحدة، فيها انتخابات ديمقراطية، ومشاركة سياسية من العرب، مسيحيين ومسلمين، واليهود. ومشروع “تحرير فلسطين” لديه أذرع عسكرية معروفة، وأذرع ثقافية، وسياسية (بينها التحالف مع العرب والسعودية تحديداً) ومالية واقتصادية…
هذا طرحٌ جديد، وقد يكون غير منطقي. لكن في السياسة، ما هو المنطق أصلاً؟
الأهمّ أنّ إيران “رمت السلاح” أمام العرب، ورفعته، ربّما بشكل جدّيّ هذه المرّة، أمام إسرائيل. أو على الأقلّ هذا ما يتردّد في المستويات المتوسّطة والعليا داخل الحزب.

 

في الحلقة الثالثة غداً:

تبييض النفوذ… في الغسّالة العربيّة

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@

إقرأ أيضاً

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…

“حصانة” إيران أم “الحصن” الإسرائيليّ؟

لماذا تعمّدت طهران ليلة السبت المنصرم الكشف عن كلّ تفاصيل خطة الهجوم الذي أعدّته ضدّ تل أبيب انتقاماً لاستهداف قنصليّتها في دمشق قبل أسبوعين والتسبّب بسقوط قيادات…

بايدن الرابح الأكبر من الضربة الإيرانيّة لإسرائيل

 ربح جو بايدن مزيداً من “المونة” على إسرائيل يمكّنه من لجم اندفاعها العسكري ضدّ إيران بعد توظيفه الدفاع عنها في المشهد الانتخابي. اكتسبت طهران موقع…