خصومة السيّد مع السُّنّة.. الانسحاب من سوريا أوّلاً

قد يمتلك السيّد حسن نصر الله الحرّيّة في صناعة الخصومة مع السُّنّة. لا بل قد يمتلك أيضاً تحديد توقيتها وساعة الصفر فيها كما فعل في 7 أيار 2008، عندما أعلن قبل يومين من ذاك التاريخ الذي سمّاه اليوم المجيد أنّه سيحتلّ بيروت ويقتحم المؤسّسات التابعة لتيّار المستقبل، مؤكّداً أن لا خوف من الفتنة المذهبية، أو كما فعل عام 2011 عندما قرّر خوض غمار الحرب السورية تحت شعار “الدفاع عن الأضرحة”، وصولاً إلى مقولة “لن تُسبى زينب مرّتين”، فإذا بتدخّله يتجاوز الأضرحة وزينب ليصل إلى إدلب وما بعد بعد إدلب.

ما لا يمتلكه السّيّد

يمتلك السيّد كلّ ذلك بقوّة الميليشيات والسلاح والدعم الإيراني المطلق بالمال والعتاد والرجال، إلا أنّه قطعاً لا يمتلك مطلقاً تحديد كيفية المصالحة مع السُّنّة وإنهاء الخصومة معهم، حتى إنّه لا يملك أيضاً توقيت هذه المصالحة وإعلان انعقادها. لا يمكن للحزب وأمينه العامّ مصالحة السُّنّة في العالم العربي، وتحديداً سُنّة لبنان الذين يمتلكون ميزة الحيويّة وريادتها بين سُنّة المشرق العربي، وذلك عبر إلقاء عشرات الصواريخ من الأراضي اللبنانية على شمال فلسطين المحتلّة، عبر حركة حماس أو أيّ حركة تمتلك جينات “حماس” ويتطابق حمضها النوويّ مع “حماس”.

إنهاء الخصومة مع السُّنّة ومصالحتهم، إن أراد السيّد وحزبه ذلك، لا يمكن أن يحصلا إلا من بوّابة دمشق

إنهاء الخصومة مع السُّنّة لا يمكن أن يكون من بوّابة المسجد الأقصى. للأقصى أبناء وشعب أثبتوا أنّهم قادرون اليوم وغداً وبعد غد أن يدافعوا عن الأقصى وعن قضيّته العادلة. رحم الله ياسر عرفات (أبا عمّار) عندما قال: “سيأتي يومٌ يرفع طفل فلسطيني علم فلسطين فوق الأقصى شاء من شاء وأبى من أبى”. كما أنّ اللبنانيين بكلّ طوائفهم ومذاهبهم وأهوائهم دفعوا كلّ الفواتير المستحقّة عليهم للقضية الفلسطينية ومآلاتها. اُحتُلّت عاصمتهم بيروت واجتيحت أراضيهم عام 1982. تحمّلوا صراع المصالح الضيّقة في المخيّمات، حيث لم تقُم الفصائل الفلسطينية في داخلها منذ أربعين عاماً إلا بتبادل إطلاق النار فيما بينها. كما دفعوا الفاتورة الثقيلة عام 2007 في معركة نهر البارد حينما استُقدم شاكر العبسي من دهاليز استخبارات دمشق إلى أحياء طرابلس في المئتين والزاهرية ومخيّم نهر البارد.

قدّم لبنان للفلسطينيين كلّ شيء، فيما دول الممانعة قدّمت لهم فيلقاً يحمل اسم فيلق القدس قاتل في كلّ مكان إلّا في القدس، وآخرون قدّموا سجناً أطلقوا عليه اسم فلسطين فخُصّص بالدرجة الأولى لاعتقال الفلسطينيين. الصواريخ الممنوحة أو المرسَلة باسم “حماس” قد تُخضع بعض الإسلاميين أو تمنح مبرّراً للمصالحة لبعض المجموعات السُنّيّة الإسلامية، لكنّها لا يمكن أن تكون مقبولة من عامّة المسلمين.

اذهبوا إلى بوّابة دمشق

إنهاء الخصومة مع السُّنّة ومصالحتهم، إن أراد السيّد وحزبه ذلك، لا يمكن أن يحصلا إلا من بوّابة دمشق. على السيّد وحزبه الانصراف إلى جلسات معمّقة وورش تفكير جادّ لكلّ الكوادر القيادية والفكرية داخل الحزب لاستنباط أفكار مبدعة ورؤى بنّاءة تُصلح ما يمكن إصلاحه ممّا ارتُكب بحقّ السُّنّة في سوريا، وتالياً في لبنان، حيث عشرات ومئات من السُّنّة اللبنانيين اعتُقلوا وما زالوا معتقلين، وقُتلوا محمّلين تهماً يندى لها الجبين، لا لشيء إلّا لأنّهم انتصروا لإخوانهم وأشقّائهم السوريين، انتصروا للشعب وليس النظام.

لا يمكن للحزب وأمينه العامّ مصالحة السُّنّة في العالم العربي، وتحديداً سُنّة لبنان الذين يمتلكون ميزة الحيويّة وريادتها بين سُنّة المشرق العربي، وذلك عبر إلقاء عشرات الصواريخ من الأراضي اللبنانية على شمال فلسطين المحتلّة

المصالحة يا سيّد مع السُّنّة تحتاج إلى خارطة طريق:

1- الانسحاب العسكري من الأراضي السورية كافّة.
2- إعادة النازحين إلى قراهم وأرضهم وسحب من استُجلبوا من البلدان المجاورة وأفغانستان بهدف التوطين.
3- إطلاق سراح كلّ المعتقلين في سوريا، وصولاً إلى لبنان حيث زُجّ بالكثيرين في السجون بتهمة الإرهاب، وأُطلق عليهم اسم “الموقوفين الإسلاميين”.
4- حلّ ما يسمّى بسرايا المقاومة في كلّ المناطق اللبنانية.
5- صدور إعلان تحت مسمّى “كلمة سواء” يلحظ بدايةً الاعتذار من الدماء البريئة التي سُفكت والمآسي المهولة التي استُجلبت، ويؤكّد عدم العودة إلى الصدام والتصادم والتناحر والخصومة في سبيل فتح فجر جديد.

إقرأ أيضاً: قصّة القارب الذي نقل هنيّة من بيروت إلى غزّة

المصالحة يا سيّد تبدأ من ساحة الأمويين، أو من سوق الحميدية عند بوّابة الجامع الأموي الكبير. هناك كانت أوّل تظاهرة للشعب السوري عام 2011، وكان قوامها امرأتين ورجلاً حملوا علم بلادهم صارخين “نحن نستحقّ الكرامة والتغيير”. عندما تُزال عبارة الحقد عن جدار المسجد الأموي تدقّ ساعة المصالحة ليس بين السُّنّة والشيعة، فليس من خصومة بينهما، بل مصالحة بين الحزب وأمينه العامّ وسُنّة سوريا ولبنان.

لمتابعة الكاتب على تويتر: ziaditani23@

إقرأ أيضاً

هل يسير لبنان على خطى غزّة.. نحو التدمير الكامل؟

لا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو أيّ إدارة يمكن أن تخلفها، ولا أيّ حكومة إسرائيلية، بقي رئيسها بنيامين نتنياهو أو رحل، يمكن أن تقبل…

الانتخابات التركيّة: معركة إردوغان – إربكان أيضاً؟

إلى أين ستتّجه أنظار الناخب التركي مساء الأحد المقبل، وهو يتابع نتائج الانتخابات التركيّة المحلّية عبر الشاشات؟ نحو أرقام وحصّة حزب “الرفاه من جديد” الذي…

الجماعة الإسلاميّة: أوقفوا المخالفة الشرعيّة

مثَلُ الأمين العامّ للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقّوش كمثل عبد الله بن مرثد الثقفيّ. الذي عمد إلى قطع حبال الجسر بسيفه في موقعة الجسر بين…

هجوم موسكو: بوتين فاز بـ11 أيلول روسي

ربّما المجزرة، التي نُفّذت في مجمع “كروكوس سيتي هول” الموسكوفي، هي الجرح الأكبر الذي يصيب فلاديمير بوتين منذ جلوسه في الكرملين سيّداً مطلقاً لروسيا. لكنّ…