حكاية “الصبّاط” و”المجرم”… وبرّي لخليل: اعتذِر من سامي

إذا كان أرباب السياسة بالطبل ضاربين، فما بالك بالنواب. لهذا فإنّ “ساعة” المذهبية، التي طبلت رؤوس اللبنانيين وقسّمتهم، قد “دقّت” في مجلس النواب، مستخرجة من ألسنة النواب كلاماً تراوح بين “الصبّاط” و”المجرم”… إذ نقل نواب أنّ النائب غازي زعيتر توجّه إلى النائب ملحم خلف بالقول: “شو هالبضاعة؟ متل صبّاطي”، في حين توجّه النائب علي حسن خليل إلى النائب سامي الجميّل بالقول: “أنتَ مجرم ابن مجرم”.

هكذا، وبعد “القطوع” الحكومي على خلفية التوقيت، والتراشق بين المتعصّبين من المسلمين والمسيحيين، وبعد كلام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل: “منمشي على وقت المتطوّرين مش على وقت المتخلّفين الرجعيين”، الذي فُهِمَ على أنّه وصف للمسلمين بـ”التخلّف”، انتقل المشكل الطائفي إلى ممثلي الشعب في المجلس النيابي وانفجر خلاف عنيف بين النواب في جلسة اللجان المشتركة التي كانت تناقش ملفّ الانتخابات البلدية والاختيارية.

ما يجري اليوم فهو عودة عدم المتعظين من الحرب الاهلية ومن نتائجها المأساوية على لبنان وفي ظل تهميش دولي حقيقي، إلى لغة العنف الكلامي الطائفي  واستخدام التحريض لشدّ عصب الجمهور الجائع، خلف منطق عشائريّ

خلاف بين النائب سامي الجميّل والنائب علي حسن خليل، ثم بين النائب ملحم خلف والنائب غازي زعيتر، كاد أن يتطوّر إلى كباش بالأيدي. ودوّت أصوات النواب في أصداء المجلس، حاملةً شتائم وتبادل اتهامات: “أنت مجرم ابن مجرم” و”أنت مطلوب للعدالة”.

دقائق عصيبة شهدها مجلس النواب، وكادت تتحوّل إلى حرب حقيقية وعراك جسديّ غير مسبوق، كما لو أنّ النواب قد دخلوا قاعة التشريع وأيديهم على الزناد.

ماذا في التفاصيل؟

ينقل مصدر نيابي شارك في جلسة اللجان التالي:

“عندما بدأ الحديث عن تمويل الانتخابات البلدية والإختيارية تقدّم النائب علي حسن خليل باقتراح قانون حول تأمين التمويل، واقترح آخرون تأمين المبلغ من SDR، أي المليار التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي (1.2 مليار دولار). هنا تدخّل نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب وقال إنّ المجلس النيابي غير معنيّ بتأمين مصدر الأموال من هذا الباب وأبلغ اللجان: “نحن مجلس النواب لسنا معنيين بمنح الحكومة صكّ براءة على الصرف من SDR من دون رقابة. واتفقنا على هذا الأساس”.

ردّ علي حسن خليل: “لا يمكن أن نمشي بموضوع SDR. هناك أحد رؤساء الأحزاب الكبرى يدعو إلى هذا حتّى لو كان مخالفاً للقانون، لكنّه يعترض على عقد جلسة نيابية عامة. حقّه أن يقول رأيه، لكن في المجلس النيابي لن نقبل السماح للحكومة أن تتصرّف بهذه الطريقة”.

قال سامي الجميّل: “بالنظام أطلب الكلام لأنّه تعرّض لي”.

– حسن خليل: “لم آتِ على ذكرك”.

– الجميّل: “قلت “رئيس حزب”، وأنا الوحيد هنا رئيس حزب”.

– حسن خليل: “عم احكي عن سمير جعجع. ونائبه موجود في القاعة فليتحدّث. والله لم آتِ على ذكرك”.

– الجميّل: “معليه الزميل صار بدّو يعلّمنا نحكي بالدستور والقانون. خاصّة أنّه صار له سنة لا يعرف كيف يتعاطى بالقانون”.

ينسى المتعاركون تحت قبّة البرلمان أنّ الوضع المعيشي والاقتصادي يشهد حالة انهيار متفلّت من دون أي مكابح أو سوابق،  آخذاً البلاد في نفق المجهول

هنا بدأ علي حسن خليل بالتوتّر.

ردّ غسان حاصباني قائلاً لخليل: “أنتَ مجرم هارب من العدالة”.

اعتقد حسن خليل أنّ الجميّل هو من توجّه له بهذا الكلام، ففقد أعصابه وبدأ يصرخ متوجّهاً إلى رئيس الكتائب: “أنا مجرم؟ أنتَ مجرم ابن مجرم وعائلة مجرمين”.  

عندئذٍ تدهور الوضع، وساد هرج ومرج. وبدأت المزايدات. وبينما كان علي يصرخ، كان حاصباني يومئ له بيده أن “اسكت”.

ردّ عليه حسن خليل: “أنتّ وقرعتك وحزبك ورئيس حزبك مطلوبون للعدالة في قضية الطيونة”.

هنا “ولّعت الدنيا”، يقول أحد النواب، وخرج نواب حزبَيْ الكتائب والقوات وعلي حسن خليل.

بوصعب يحاول “لملمة” الخلاف

رفض بوصعب رفع الجلسة قبل أن يطلب من وزير الداخلية العودة باقتراح تمويل الانتخابات وإلا فلا يمكن دعوة الهيئات الناخبة.

بعد رفع الجلسة استدعى بو صعب سامي الجميّل وقال له: “أنتَ ردّيتَ على الشخص الخطأ، وأنتَ لست مخطئاً، لكن أتمنى أن تحافظ على هدوئك” .

– الجميّل: “أرجو منك أن توصل ما حصل للرئيس برّي وأنتظر منك اتصالاً”.

بعدها أرسل بوصعب في طلب لقاء علي حسن خليل وقال له: “أنتَ أخطأتَ بحقّ سامي وهو لم يخطىء معكَ. من تحدّث هو غسان حاصباني” .

– علي حسن خليل: “لم أسمِّ سامي ولا والده”.

– بوصعب: “لكن كل الناس سمعتكَ تتوجّه إليه، وأبلغك أنّني سأتصل بالرئيس برّي وأخبره حقيقة ما حصل وأنّ من تحدث ليس الجميّل بل غسان، وأنت تقول الرواية كما حصلت وأنّك اعتقدت أنّ سامي تحدّث ولذا هاجمته”.

ربما تكون هذه الأيام هي الأصعب بين المسلمين والمسييين منذ توقيع اتفاق الطائف. خصوصاً أنّ مرحلة “8 و14” لم تكن وفق هذه القسمة وبقيت ضمن الخلاف السياسي الحادّ حول خيارات كبرى

وفعلاً اتصل برّي بنائبه مستفسراً عمّا حصل فروى له بوصعب .

– بري: “هل أنتَ تضمن أنّ هذه هي الرواية”.

– بوصعب: “طبعاً دولة الرئيس”.

– برّي: “إذا لم يتحدّث سامي بهذا الكلام فيجب أن يعتذر منه علي”.

وبعد نصف ساعة اتصل برّي بنائبه وقال له: “حكيت مع علي، اجمعهم وصالحهم وراح كلّفك بالمهمة”. حينئذٍ طلب بوصعب من  الجميّل إنهاء الموضوع، فاشترط الجميل اعتذاراً علنياً من علي حسن خليل الذي اتصل به، لكنّ سامي لم يجِب على الاتصال.  

– بوصعب: “وهل أنتظر كي نحدّد موعداً لجلسة مقبلة؟”.

هنا بدأت مرحلة الاتفاق على البيان الذي يجب أن يصدر كشرط ليقبل سامي الحديث مع علي حسن خليل.

فأعدّ بو صعب نصّ البيان وأبلغ برّي بما جرى وفتح بوصعب اتصالاً مشتركاً بين علي حسن خليل وسامي الجميّل .

وبالاتفاق صدر البيان “وعفا الله عمّا مضى”.

 

حزب الله منزعج

في الجلسة ذاتها عبّر نواب حزب الله عن انزعاجهم من الجو الطائفي الذي ساد، وتساءل أحدهم: “كيف يمكن أن ندخل انتخابات في ظل هذا الجوّ؟”. وأكمل غامزاً من قناة جبران باسيل: “صرنا متخلّفين”.

نجح بو صعب في إنجاز “الصلحة” بين الفريقين. لعب دور المصلح الطائفي بعدما رأى استحالة السماح بانتشار هذا الانقسام الطائفي بين النواب: “نجحتُ في أن أحلّ الأزمة. لكن ماذا لو استمرّ الحال متوتراً وصرنا أمام مشكل طائفي في كلّ جلسة؟ كيف سنكمل إذاً؟ وإلى أين يتجه البلد؟”.

يجيب بوصعب: “الآتي غير مطمئن أبداً”.

هكذا ما بدأ خلافاً على “التوقيت الصيفي” و”التوقيت الشتوي”، تحوّل في البرلمان أمس إلى تصعيد ارتدى حلّة تأزيم يستعيد لغة التحريض الطائفي ويعيد النفخ في جمر العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.

إقرأ أيضاً: “عقارب” الساعة.. “لدغت” حظوظ فرنجيّة

ربّما تكون هذه الأيام هي الأصعب بين المسلمين والمسيحيين منذ توقيع اتفاق الطائف، خصوصاً أنّ مرحلة “8 و14” لم تكن وفق هذه القسمة وبقيت ضمن الخلاف السياسي الحادّ حول خيارات كبرى.

أمّا ما يجري اليوم فهو عودة عدم المتّعظين من الحرب الأهلية ومن نتائجها المأساوية على لبنان، في ظل تهميش دولي حقيقي، إلى لغة العنف الكلامي الطائفي  واستخدام التحريض لشدّ عصب الجمهور الجائع خلف منطق عشائريّ يقتات من أحقاد الماضي، دون أي رادع أخلاقي أو وطني. وينسى المتعاركون تحت قبّة البرلمان أنّ الوضع المعيشي والاقتصادي يشهد حالة انهيار متفلّت من أي مكابح،  قائداً البلاد في نفق المجهول.

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…