لماذا تريد إيران امتلاك سلاح نوويّ؟

يجتمع مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا أربع مرّات سنوياً. من عادته في اجتماعاته الفصلية اتخاذ قرارات محدّدة تتعلّق بالنشاطات النووية أو بتلك المرتبطة بحظر التجارب النووية عند حدوثها أو أثناء الإعداد لها. وهو يبحث شؤون تطوير البلدان للأسلحة النووية ويُصدر بيانات بشأنها.

استعداداً لهذه المواقف المتعلّقة بمستقبل الأمن والسلام العالميين وسلامة البشرية، تفعِّل الوكالة الدولية عمل المراقبين والمفتشين وأجهزتها المختصة. توفد من تراه مناسباً من خبراء وتقنيين إلى أي دولة تجد من المناسب الانتباه لنشاطاتها أو للكوارث التي تحدث فيها. هذا حصل مع مفاعل فوكوشيما في اليابان عام 2011 إثر الزلزال المدمّر وما تبعه من تسونامي. كذلك عندما انفجر المفاعل في محطة تشرنوبيل الأوكرانية عام 1986 وأودى بـ93 ألف ضحية. وتنبّهت الوكالة العام الفائت إلى الخطر المستجدّ في محطة زابوروجيا الأوكرانية. وبذلك يكون الشعب الأوكراني قد سدّد ضريبة لروسيا مرّتين:

– الأولى في عهد السوفيت في تشرنوبيل.

– الثانية في مفاعل زابوروجيا المهدّد جرّاء الحرب على أوكرانيا.

تصرّ إيران على امتلاكها السلاح النووي، وتنفق عليه وعلى الصواريخ الحاملة له المليارات المحروم منها الشعب الإيراني، لاعتقادها أنّ ذلك يحمي نظامها من السقوط في لعبة الأمم وميزان القوى

الانقلاب والمراوغة

زار أخيراً مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل غروسي إيران بعد طلبها وساطة كل من مسقط والدوحة، وإثر موافقة طهران على شرط أن يستقبله إبراهيم رئيسي “شخصيّاً”. إثر هذه الزيارة، أعلن غروسي أن مباحثاته أثمرت عن نتائج إيجابية تتمحور حول زيادة عدد المفتشين وإعادة تركيب كاميرات في المحطات والحصول على الداتا من هذه الكاميرات، تاركاً أمر بتّ التفاصيل إلى وفد “تقني” ترسله الوكالة لاحقاً.

لكن قبل أن تحط طائرة مدير وكالة الطاقة في مطار فيينا، انقلبت إيران كعادتها على ما أعلنه غروسي، معلنة أنّ جُلّ ما تم الاتفاق عليه هو “استقبال وفد تقني في مرحلة لاحقة”.

انقلابات طهران والتفافاتها صفتان تلازمان حكم الملالي. فإيران تقدّم تنازلاً شكلياً كلما اقترب موعد اجتماع محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكي لا يصدر عنه قرار بتحويل ملف إيران النووي مجدّداً إلى مجلس الأمن وتفعيل “آلية الزناد” Snap Back. لكنّ غير المفهوم هو استمرار المبادرات الأوروبية تجاه إيران، واستمرار شقّ الباب أمام حكمها “المستبدّ”، بتناغم مع إدارة واشنطن التي ما زالت تفضّل اتفاقاً نووياً سيّئاً مع إيران على حساب تفتيشها عن خطط بديلة لردع نظام الملالي عن امتلاك سلاح نووي.

تصرّ إيران على امتلاكها السلاح النووي، وتنفق عليه وعلى الصواريخ الحاملة له المليارات المحروم منها الشعب الإيراني، لاعتقادها أنّ ذلك يحمي نظامها من السقوط في لعبة الأمم وميزان القوى. فهي دائمة التفكير بالمؤامرات الخارجية، وبأنّ أعداء النظام موجودون في الخارج. فمعارضة الداخل يمكن ضبطها وفق اعتقادها:

– بالقمع الشديد.

– بغضّ الطرف عن جهات أمنية داخلية تسمّم الطالبات في المدارس والجامعات للاقتصاص من المرأة ودورها في الاحتجاجات القائمة (عدد الأجهزة الأمنية الإيرانية 17 جهازاً).

منذ استيلاء الخميني على الحكم عام 1979، تتشبّث إيران لأسباب إيديولوجية وهمية بضرورة امتلاك سلاح نووي لحماية هذا النظام من دون الاستفادة من تجارب الآخرين

خطورة النوويّ

منذ استيلاء الخميني على الحكم عام 1979، تتشبّث إيران لأسباب إيديولوجية وهمية بضرورة امتلاك سلاح نووي لحماية هذا النظام من دون الاستفادة من تجارب الآخرين والدول التي تمتلك هذا السلاح. فالدول التي تملكه تعاني من مساوئ الترسانة وخطرها على دولها وشعوبها قبل أن تكون خطراً على الآخرين. والترسانات الضخمة التي تمتلكها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وكل من الهند وباكستان وإسرائيل، تنهك هذه البلدان، وقد تسبّب مضاعفات كارثية على شعوبها قبل أعدائها.

الرؤوس الحربية النووية غالباً ما تبقى في صوامع التخزين تحت الأرض لمدة زمنية طويلة جداً من دون تحريك، ومن دون القدرة على تجريبها، فيما لا أحد يدري هل هي صالحة للاستعمال وأنّها لن تحدث ضرراً في مواقعها، أو يمكن استعمالها على النحو المنشود بعدما أصبحت قديمة وغير موثوقة الصلاحية.

لذا أثار ذوو الاختصاص التساؤل حول مدى الوثوق بهذه الأسلحة، لا سيما أن الدول النووية لم تُجرِ أيّ تجربة حيّة لصواريخ تحمل رؤوساً حربية نووية منذ عقود (عام 1962 – 1966)، فيما لم تقُم أيّ دولة على الإطلاق بتجربة رأس حربي نووي محمول على صاروخ باليستي. وهذا يغيّب أي إجابة دقيقة حول فعالية الصواريخ البالستية وعدم انفجار أحدها على منصة الإطلاق. ولدى المختصين عدة أمثلة، منها الرأس الحربي W-47 الذي طوّره البنتاغون عام 1957، والمحتوي على سلك داخلي يجب سحبه عند التجهيز، فاكتشف الجيش الأميركي أنّ السلك يتلاشى أو يصبح هشاً أو ينقطع عند التجهيز. (فالمعادن الموجودة داخل الرؤوس الحربية تصبح بالية أو هشة بمرور الزمن نظراً للإشعاعات الشديدة التأثير عليها). كما أنّ مادة التريتيوم، نظيرة الهيدروجين، المستعملة في الرؤوس الحربية، تنضب بمرور الزمن، ممّا يقتضي استبدالها.  

 

تهاون مع طهران

إصرار طهران على امتلاكها السلاح النووي، وعملها على تطوير الصواريخ البالستية لحمل رؤوس نووية يدعوان إلى الاستهجان. ففيما وقّعت أميركا وروسيا على اتفاقيّتي “سالت 1 و2” وقامتا بتجديد اتفاقية “ستارت” مرّتين (وما زالتا في طور التفاوض، اجتماعات القاهرة، على تخفيض الرؤوس النووية لدى البلدين)، تتمسّك طهران بالسلاح النووي على الرغم من خطره على الشعب الإيراني قبل غيره، خاصة أن بعض الصواريخ الإيرانية انفجرت وهي على منصة الإطلاق.

إقرأ أيضاً: “صحون طائرة” ومنطاد.. يسقطان حمامة

على الرغم من تجربة مأساة حادثة تشرنوبيل وانعكاسها على أوروبا، لا تزال دول الوحدة الأوروبية مصرّة على إبقاء الباب مشرّعاً أمام ايران من دون الخوف من امتلاكها السلاح النووي، على الرغم من خطره على شعوبها وعلى الشعب الإيراني وشعوب دول الجوار. سياسة الشد والجذب لا تزال مستمرة والنظام الإيراني يتلاعب ويناور منذ سنوات “نووياً”، فيما هو يقض مضاجع الأوروبين بمسيّراته، والقارة العجوز عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم من هذا النظام.

فعلاً هناك من يهوى أن يُلدغ من الجُحر عدّة مرات من غير أن يكترث!

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: BadihYounes@

*كاتب لبناني مقيم في دبي

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…