أبناء المستنقعات يهدّدون أثرياء طرابلس!

استيقظ سكّان أحياء بساتين طرابلس المعروفة بالضمّ والفرز وسكّان شارع المعرض على ورقة “نعوة” معلّقة على الجدران أمام أبنيتهم ممهورة باسم “أبناء المستنقعات كما تسمّوننا”. حملت سلسلة من التهديدات ضاربة موعداً لتلك التهديدات في شهر رمضان، قائلةً للسكّان إنّهم إذا لم يبذلوا المال والمساعدات، فلن ينعموا بالراحة والأمان “لا في منازلكم، ولا مكاتبكم، ولا في سيّاراتكم، ولا في المطاعم التي تتردّدون إليها، ولا في المقاهي التي تجلسون فيها أنتم وأبناؤكم وزوجاتكم، ولا حتى في مدارس أبنائكم الفخمة”.

من يسعى إلى تهجير الطبقة المتوسّطة من طرابلس؟ هل بدأت الحرب على أثرياء الشمال؟ من يقف خلف هذه الأجواء السوداء؟

 

نعي مشبوه

رئيس مجموعة “حرّاس المدينة” أبو محمود شوك بحكم عمله وتعاطيه اليومي مع الناس وتلمّسه التغيّرات على أرض الواقع، يشير لـ”أساس” إلى “ارتفاع منسوب الطبقيّة بشكل هائل في طرابلس في الأشهر الأخيرة، ووجود تقسيم جغرافي طبقيّ نظريّ يمتدّ من مدخل طرابلس الشمالي عند البحصاص وصولاً إلى البدّاوي، وحدّه الفاصل “بولفارد فؤاد شهاب”، ويقسّم المدينة إلى فسطاطين: العوائل الفقيرة التي تعاني بشدّة من تأثير الأزمة المعيشية إلى يمين البولفارد، والعوائل المقتدرة والثريّة إلى يساره”. وهذا التقسيم معروف ومتداول في الأوساط الطرابلسية. وعطفاً على هذا التقسيم يبدي شوك تخوّفه ممّا يسمعه من الناس في ظلّ تصاعد النقمة على الطبقة الغنيّة، وبالتحديد المستفيدة من الأزمة الاقتصادية.

يشي توقيت النعي المريب، بالتزامن مع انكشاف خيوط جريمة “القرقف” المهولة، بأنّ هناك محاولة لاستغلال مشاعر الفزع والذهول التي سادت واستثمارها لإحداث أكبر تأثير ممكن

يلفت أبو محمود شوك إلى أنّه لم يلمس أيّ جدّيّة في التعاطي مع القضية من قبل الأجهزة الأمنيّة التي “لم يصدر عنها أيّ بيان يفيد بمتابعة الموضوع”، ويدعوها إلى متابعة القضيّة وكشف الفاعلين، فهذا “تهديد خطير وتحريض للفقراء على الأغنياء. هناك من تعب وكافح لسنوات طويلة من أجل تحسين ظروف عيشه وتجميع بعض المال، بينما هناك أناس اتكاليّون، وبينهم مدمنون وبطلجيّة، يريدون استغلال الظروف الحالية لتحصيل المال على الجاهز”.

بالمقابل ينظر النائب أشرف ريفي ببرودة إلى هذه التهديدات واصفاً إيّاها بأنّها من عمل “مجموعة صغيرة جدّاً تريد الحثّ على توزيع مساعدات. هي صرخة تعبّر عن واقع اجتماعي صعب لا أكثر ولا أقلّ، وهذا واضح من تركيزها على شهر رمضان المبارك وطلب المساعدة والعطاء”.

لا يتوقع النائب ريفي حصول فوضى اجتماعية قائلاً: “لا شكّ أنّنا نعاني من واقع اقتصادي ومعيشي مأزوم، وهذا ما يؤدّي إلى ازدياد السلوكيّات الإجرامية والسرقات وأعمال الخطف مقابل فدية، وهو أمر متوقّع في مثل هذه الظروف، لكنّ الأوضاع ما تزال مقبولة. وحتّى لو فقدت الدولة القدرة على ضبط الأوضاع، فإنّ تربيتنا وديننا، سواء كنّا مسلمين أو مسيحيّين، والترابط الاجتماعي الذي يميّزنا، تشكّل رادعاً يمنع انفجار الفوضى الاجتماعية”.

التقسيم الطبقيّ

تبرز عدّة ملاحظات في شأن هذا النعي، من بينها انتشارها وتعليقها في منطقة الضمّ والفرز والمعرض. وهي منطقة تحفل بالمطاعم والمقاهي، ويسكن فيها الأثرياء والميسورون. وهذا ما يذكِّر بالأتاوات التي حاول بعض قطّاع الطرق فرضها على أصحاب تلك المطاعم والمقاهي في الهزيع الأخير من أحداث “التبّانة – جبل محسن” عبر رسائل تهديد مباشرة، إضافة إلى أعمال الشغب المفتعلة التي حصلت مطلع عام 2021، وأُحرق خلالها القصر البلدي والمحكمة الشرعية، وتعرّضت بعض المطاعم والمقاهي الشهيرة للاعتداء مثل “ملك الطاووق” و”شاورما أبو صبحي”، ونالت مطاعم الشارع 32 في الضمّ والفرز حصّة منها. كلّ ذلك يشير إلى أنّ هذه المنطقة برمزيّتها ومرافقها وُضعت هدفاً لصراع طبقي.

يلاحظ أيضاً أنّ أسلوب النعي ينمّ عن ذائقة أدبية لدى من أعدّه، إذ يتجاوز المصطلحات والمفردات وطرائق الكتابة التي يستخدمها في العادة محدودو التعليم والثقافة. وحسب شوك فإنّ “أسلوب الكتابة يوحي بأنّ من أعدّه رجل محترف، وهذا ما يشير إلى وجود أصابع خفيّة تقف خلف هذا العمل”.

يشي توقيت النعي المريب، بالتزامن مع انكشاف خيوط جريمة “القرقف” المهولة، بأنّ هناك محاولة لاستغلال مشاعر الفزع والذهول التي سادت واستثمارها لإحداث أكبر تأثير ممكن. وهو تزامن أيضاً مع اعتراض بعض الجهات على نقل سوق الخضار من موقعه الحالي عند مدخل التبّانة إلى موقعه الجديد على الطريق البحري عند مدخل طرابلس الجنوبي، وهو ما سيكون له تأثير على سكّان المنطقة وأهلها ومحلّاتها وبسطات القهوة والكعك فيها، والاتّهامات التي وُجّهت إلى مخابرات الجيش بالذات بأنّها تفرض هذا الانتقال بالقوّة محاباة لعدد من المستفيدين من السوق الجديد وأهل السلطة والنفوذ، الذين هم الأطراف نفسها التي كانت وراء إقالة رئيس بلدية طرابلس رياض يمق لرفضه تمرير ما تريد في سوق الخضار الجديد. وهو ما بدا مفاجئاً بعض الشي لأنّ المخابرات كانت تنفّذ قراراً رسمياً من البلدية والحكومة. وقد عُهِد إليها هذا الأمر لأنّ الجيش هو من يتولّى فعليّاً وعمليّاً أمن المدينة ومعالجة يوميّاتها، بما لا يُقاس مع باقي الأجهزة، انطلاقاً من هيبة الجيش والإجماع السياسي والشعبي اللذين يحظى بهما.

إقرأ أيضاً: طرابلس القتيلة (1): لبنان يلتحق بفقرها وخرابها

سبق ذلك بأيّام محاولة إقفال عدد من الطرق والأسواق بالقوّة من قبل مجموعات لديها ولاءات سياسية وارتباطات أمنيّة متعدّدة ومتداخلة، بما يُصعّب التكهّن بحقيقة من يقف خلفها.

لكنّ أوساط الشارع الطرابلسي تعتبر دائماً أنّ بعض “الأجهزة الأمنية تعتمد على بعض المجموعات من الغوغاء والبلطجيّة لتنفيذ بعض المهمّات القذرة وافتعال الشغب، ويندرج ذلك ضمن إطار صراعات الأجهزة فيما بينها، أو لتحقيق أهداف سياسية لأحدها. وقد يكون أبناء المستنقعات إحدى هذه الأدوات”.

إقرأ أيضاً

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…

نقابة المهندسين: لماذا تعاقب طرابلس تيار المستقبل؟

عقب عودة الرئيس الحريري النسبية إلى الأجواء السياسية في ذكرى 14 شباط، أراد تيّار المستقبل تدشين عودته إلى الملعب السياسي عبر بوّابة انتخابات نقابة المهندسين،…

الحزب لباسيل: الكلمة للميدان!

لم تلقَ رسالة النائب جبران باسيل إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن أيّ ردّ علني حتى الآن من الحزب في شأن الدعوة إلى صدور “قرار…

ماذا يحدث في “القنوات الخلفيّة” بين واشنطن وطهران؟

لا تتعلّق حسابات واشنطن فقط بشكل الرّدّ الإيرانيّ على قصف قنصليّة طهران في دمشق. إذ ترتبط أيضاً بشكلِ الرّدّ الإسرائيليّ على الضربة الإيرانيّة ليل السّبت…