أميركا تعرض على لبنان “الترسيم البرّيّ”

لم يكن خرق الدورية الإسرائيلية للخطّ الأزرق في بلدة عيتا الشعب بمسافة متر واحد تقريباً أمس الأول الأحد الخرق الوحيد الذي يسجّله الجيش اللبناني في حقّ إسرائيل.

فجأة وبلا مقدّمات حاول الجنود الإسرائيليون وضع سياج شائك داخل الحدود، فعمد عناصر الجيش اللبناني إلى منعهم وأُجبرت الدورية العسكرية الإسرائيلية على التراجع. لم يكن الخرق الوحيد الذي تعمّدت إسرائيل القيام به. فمطلع شباط الماضي، دعا الجيش اللبناني إلى إزالة شريط شائك أقامته إسرائيل في منطقة متنازع عليها عند حدود لبنان الجنوبية.

 

تحريك الحدود البرّيّة

تتزامن التحرّكات الإسرائيلية مع معلومات وثيقة تحدّثت عن عودة الجانب الأميركي إلى طرح ملفّ ترسيم الحدود البرّية مع لبنان. مصادر مطّلعة كشفت لـ”أساس” أنّه منذ فترة غير بعيدة فاتح مسؤول أميركي القيادة العسكرية اللبنانية التي راجعت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالأمر للوقوف على موقف لبنان الرسمي والعودة بجواب واضح على محاولة جسّ النبض الأميركية.

لفت مصدر معنيّ مباشرة بملفّ الترسيم البحري إلى أنّ الوسيط الأميركي كان مدركاً خلال المفاوضات أنّ الترسيم البرّي يمكن أن يشكّل ذريعة لإسرائيل لتعطيل الترسيم البحري

في هذا الإطار تضاربت المعلومات حول الردّ اللبناني بين من قال إنّ رئيس الحكومة لم يمانع المبدأ، وإنّه على سبيل المحاولة طلب من الجيش إعادة فتح الملفّ، وقد تبلّغ الجانب الأميركي وجود مرونة تجاه الملفّ. لكنّ معلومات أخرى قالت إنّ ميقاتي اعتبر أنّ الظروف الراهنة غير سانحة لإثارة الموضوع للنقاش حالياً في لبنان.

أكّدت مصادر مطّلعة على أجواء السراي أنّ الموضوع تمّ طرحه، لكن لا شيء جدّيّ ولا نهائي بعد، مذكِّرةً برفض الوسيط الأميركي التطرّق إليه سابقاً خشية تعكير صفو الاتفاق على الترسيم البحري. وعلم “أساس” أنّ وفد لبنان العسكري في اللجنة الثلاثية المشتركة على الحدود لم يتبلّغ بأيّ جديد يتعلّق بالحدود البرّيّة.

بغضّ النظر عن الجواب اللبناني ثمّة علامات استفهام تُطرَح عن مغزى الخطوة الأميركية في ظرف عصيب كالذي يرزح تحته لبنان. وهل المطلوب المزيد من الضغط لإجبار لبنان على تقديم تنازلات معيّنة في الترسيم البرّي لإغلاق موضوع الحدود اللبنانية مع إسرائيل نهائياً، وضمان أمنها على الحدود البرّية والبحرية معاً؟ وهل الهدف من الانتهاكات الإسرائيلية المتكرّرة على الحدود الدفع بهذا الاتجاه وإعطاء ورقة إيجابية لحكومة نتانياهو التي تواجه حركة احتجاجات غير مسبوقة في الداخل الإسرائيلي؟ أم المطلوب الشروع في الترسيم البرّي تمهيداً للوصول إلى الغاية الأميركية التي تتمثّل في فتح ملفّ ترسيم الحدود البرّيّة مع سورية أيضاً؟

 

انفصال الترسيمَين

قبيل الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية كان لبنان مصرّاً على تلازم الترسيم البرّي والبحري. لكن مع تقدّم المفاوضات أبلغ الوسيط الأميركي آموس هوكستين لبنان ضرورة الفصل بين الترسيمين، وقال في حديث صحافي إنّ “ما تحتاج إليه لتنفيذ أحدهما لا ينطبق على الآخر. فلا يجب أن يكونا مجتمعَين. ولقد أصررت على فصلهما كي لا يؤثّر أحدهما على الآخر”.

مصادر مطّلعة كشفت لـ”أساس” أنّه منذ فترة غير بعيدة فاتح مسؤول أميركي القيادة العسكرية اللبنانية التي راجعت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالأمر للوقوف على موقف لبنان الرسمي والعودة بجواب واضح

خلال اجتماع هوكستين مع الرؤساء الثلاثة في بعبدا فاتحه ميقاتي بإمكانية إنجاز الترسيم البرّي لتكتمل حلقة الترسيم دفعة واحدة، فكان جوابه أنّه في لبنان لأجل الترسيم البحري، وأمّا الترسيم البرّي فله تفاصيلة الخاصة المنفصلة.

لفت مصدر معنيّ مباشرة بملفّ الترسيم البحري إلى أنّ الوسيط الأميركي كان مدركاً خلال المفاوضات أنّ الترسيم البرّي يمكن أن يشكّل ذريعة لإسرائيل لتعطيل الترسيم البحري. وقال المصدر “توجد في الترسيم البرّي الكثير من النقاط المستعصية التي لا يمكن بتّ أمرها بسهولة في ظلّ حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة ميقاتي وحكومة بنيامين نتانياهو في إسرائيل التي تواجه ظروفاً بالغة التعقيد في الداخل. وأيّ حراك في هذا الاتجاه سيكون ضربة في المجهول”. وجزم المصدر أنّه من المؤكّد أنّ أمراً كهذا لن يحظى بموافقة حزب الله.

 

اجتماعات دوريّة

الجدير بالذكر أنّ هناك لجنة ثلاثية مؤلّفة من ممثّلين عن الجانبين اللبناني والإسرائيلي لا تزال قائمة وتجتمع دوريّاً بحضور ممثّل عن قوات حفظ السلام في الجنوب، وقد وصلت في مباحثاتها إلى خلاف على نقاط عدّة على الحدود البرّية، من بينها نقطة مسكاف عام وB1 عند الناقورة، لم يتمّ التوصّل إلى حلّ بشأنها على الرغم من محاولة الوسيط الأميركي آنذاك التوفيق بين الطرفين، إذ كان لبنان مصرّاً على عدم التنازل عن حقوقه ولو بمقدار شبر واحد. وعادة تتداول اجتماعات اللجنة الخروقات التي سجّلها كلّ طرف بحقّ الثاني وتوضع في عهدة الأمم المتحدة.

بحسب المصدر عينه، ليست سهلةً العوائق الموجودة على الحدود البرّية المشتركة، وإن كان ممكناً حلّها، ويلزمها تدخّل أميركي للضغط على إسرائيل وحثّها على التراجع إلى حدود الخطّ الأزرق الذي سبق أن حدّدته الأمم المتحدة لانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان عام 2000، والذي تحفّظ لبنان على بعض النقاط التي يمر بها.

بعد مفاوضات شاقّة مرّ ترسيم الحدود البحرية بسلاسة من دون حكومة ولا مجلس نواب. يومها احتجّ الأميركيون على مطالبة حلفائهم في لبنان بعرضه على مجلس النواب، وكان المطلوب تقطيعه بسرعة قصوى في ظلّ ظروف سياسية ملائمة في لبنان وإسرائيل. وهو ما عبّر عنه هوكستين للوفد اللبناني في المفاوضات، معتبراً أنّ الفرصة سانحة لتمريره في كلا البلدين.

إقرأ أيضاً: الحزب والمحور يستعدّان للحرب.. والتسويات

هل ثمّة من يعتقد أنّ ظروف لبنان الراهنة تساعد على تمرير الترسيم البرّي من دون حكومة ولا مجلس نواب؟ الجواب سلبيّ بالنظر إلى غياب رئيس الجمهورية الذي تعود له وحده صلاحيات إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

خلال خطابه في حفل تكريم الجرحى والأسرى المقاومين أمس، أثار الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله موضوع ترسيم الحدود البريّة ما يؤكّد عودة الحديث عن الملف مجدداً ولو من باب الإعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، وفي موقفه بدا نصر الله حاسماً في جواب حزب الله على أي فكرة مطروحة في هذا الإتجاه بقوله: “لن نتخلى عن أيّ شبر أو متر في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ولن نتخلى أبداً عن حبة تراب أو نقطة مياه في بحرنا” لتصل بذلك الرسالة إلى من يعنيهم الأمر.

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…