محرقة حوّارة: نهج إسرائيلي باستئناف “المجازر”

“محرقة بلدة حوّارة”، وهجمات المستوطنين الإسرائيليين على بلدات زعترة وبورين بالقرب من نابلس في الضفة الغربية، هو عنف إسرائيلي غير مسبوق في حجمه ومضمونه.

إذ عاث مئات المستوطنين فساداً في حوّارة والقرى الفلسطينية، وأحرقوا عشرات البيوت والسيارات، انتقاماً لمقتل مستوطنَين. فيما أغلقت قوات الاحتلال كلّ الحواجز العسكرية المحيطة بمدينة نابلس ومنعت آلاف المواطنين من الدخول أو الخروج وعطّلت حياتهم وسط كمّ هائل من قنابل الغاز التي أطلقتها.

لم تولد المحرقة في حوّارة يتيمة، فهناك أب وأمّ فكريّان لها سعيا وراءها. فعقب مقتل المستوطنين، تمّ توزيع منشورات دعت المستوطنين إلى الخروج في مسيرة من مستوطنة يتسهار إلى حوّارة، فخرجوا مطالبين بالانتقام، فيما طالب وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بـ”محوها من الوجود”.

“محرقة بلدة حوّارة”، وهجمات المستوطنين الإسرائيليين على بلدات زعترة وبورين بالقرب من نابلس في الضفة الغربية، هو عنف إسرائيلي غير مسبوق في حجمه ومضمونه

ينطوي هذا على مؤشّرات خطيرة، من بينها تشجيع ميليشيات المستوطنين المسلّحين على القيام بدورٍ أساسيّ ومباشر في مهاجمة مدن وقرى الضفة الغربية بحماية الجيش والشرطة الإسرائيليَّين.

بحسب المحلّل الفلسطيني طلال عوكل، يعكس هذا التطوّر توجّهاً حقيقياً لدى السياسة الرسمية الإسرائيلية إلى إظهار أنّ الصراع في الضفة هو صراع داخلي بين سكان يهود وفلسطينيين، وأنّ الجيش يقوم بمهمّاته بحيادية لضبط هذا الوضع. وتؤكّد ذلك أنّ وزير الجيش الإسرائيلي يُؤاف غالانت طالب بـ”تمكين الجيش من القيام بدوره في ضبط الأوضاع”. كما لو أنّه “فوق الجميع”. لكنّ مشاركته في الأحداث وحمايته للمستوطنين تفضحان هذا التوجُّه.

مؤتمر العقبة.. ورفض اليمين

تزامنت محرقة حوّارة أيضاً مع مؤتمر العقبة الدولي، الذي عُقد بمبادرة من الإدارة الأميركية لإحلال الهدوء في الضفة الغربية، وشارك فيه ممثّلون عن إسرائيل ومصر والأردن والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية، واعتُبر لقاءً أمنيّاً لا سياسياً. وكان هدفه بحث طرق التعاون من أجل وقف التدهور الأمني في الضفّة والقطاع، وتعهّد خلاله المندوبون الإسرائيليون بعد ضغط أميركي بأن يقلّصوا بالتدريج النشاطات العسكرية في مناطق “أ” ووقف نشاطات البناء الجديد في المستوطنات لبضعة أشهر.

قبل أن يجفّ حبر الاتفاق هاجم أعضاء الجناح اليميني المتطرّف في الحكومة الإسرائيلية مشاركة تل أبيب في المؤتمر، وأعلنوا أنّ التفاهمات التي تمّ التوصّل إليها في الأردن لا تلزمهم. وعقّب سموتريتش على الاتفاق بالقول: “لن يكون هناك تجميد للبناء وشرعنة البؤر الاستيطانية ولو ليوم واحد”. فيما قال رئيس الوفد الإسرائيلي، إنّه “على عكس التقارير عن قمّة العقبة، لا يوجد تغيير في السياسة الإسرائيلية، ففي الأشهر المقبلة ستتمّ شرعنة 9 بؤر استيطانية والموافقة على بناء 9,500 وحدة جديدة في الضفة، ولا يوجد أيّ قيود على أنشطة الجيش الإسرائيلي في الضفة”.

من جهته، فسّر رئيس المعارضة الإسرائيلية تزامن أحداث حوّارة مع قمّة العقبة بالقول إنّ “ميليشيات سموتريتش خرجت لإحراق حوّارة من أجل إفشال قمّة العقبة”. وبالفعل قال سموتريتش: “أدعو رئيس الوزراء إلى إعادة الوفد الإسرائيلي من العقبة فوراً، فالهدوء لن يتحقّق إلا عندما يضرب الجيش مدن الإرهاب ومرتكبيه بلا رحمة بالدبّابات والمروحيّات، لنوصل إليهم رسالة بأنّنا أُصبنا بالجنون وسنجعلهم يرتدعون عن مهاجمتنا”.

في سياق متّصل يرى المحلّل العسكري في صحيفة “معاريف” طال ليف رام أنّ قطار التصعيد الأمني خرج عن السيطرة ومن الصعب كبحه. ويعتبر أنّ مقتل المستوطنين في حوّارة، و”أعمال الشغب” التي قام بها المستوطنون عقب ذلك في القرية، هما حادث آخر في سلسلة الحوادث والتصعيد الأمني المستمرّ منذ سنة تقريباً، ويمكن أن تشكّل هذه الحوادث المهمّة حافزاً لتصعيد آخر على الأرض لن يوقفه لقاء العقبة الأمنيّ.

بحسب المحلّل الفلسطيني طلال عوكل، يعكس هذا التطوّر توجّهاً حقيقياً لدى السياسة الرسمية الإسرائيلية إلى إظهار أنّ الصراع في الضفة هو صراع داخلي بين سكان يهود وفلسطينيين، وأنّ الجيش يقوم بمهمّاته بحيادية لضبط هذا الوضع

غير أنّ اجتماع العقبة يتجاوز بالنسبة إلى عمّان بعده الأمني بأشواط، ويعكس خوفاً مزمناً لدى القيادة الأردنية من المخطّطات الإسرائيلية، كالترانسفير والوطن البديل. ويرى الأردن في استقرار الضفة الغربية وقيام دولة فلسطينية حائطَ صدٍّ لأيّ مطامع توسّعيّة إسرائيلية على حساب الدولة الأردنية وأراضيها.

مشروع ضمّ الضفة يتقدّم

إلى ذلك عكس مؤتمر العقبة الاستثنائي محاولة أميركية لإعادة القليل من الاستقرار للمنطقة التي تمّ إبقاؤها في الخلف فيما كانت واشنطن منشغلة بالملفّين الروسي والصيني.

يرتبط خوف أميركا من التصعيد في الضفة الغربية بالانقلاب النظامي الذي تحاول حكومة بنيامين نتانياهو إخراجه إلى حيّز التنفيذ، وبالتداعيات المترتّبة على توزيع الصلاحيات في الضفة الغربية بين وزير الجيش يوآف غالنت وسموتريتش.

عمليّاً، يدور الحديث عن صفقة كبيرة اضطرّت غالنت، بعد ضغط كبير من نتانياهو إلى قبول الأغلبية العظمى من طلبات سموتريتش. وميدانيّاً، أصبح في يد سموتريتش جزء كبير من صلاحيات الإدارة المدنية في الضفة بما يمكّنه تشكيل خارطة البناء في الضفة وترسيخ منظومتين منفصلتين للقانون، إحداهما للإسرائيليين والأخرى للفلسطينيين. بذلك سيتمّ وقف الصورة الشكليّة التي تختفي خلفها إسرائيل منذ سنوات، وسيتعمّق الإدراك في المجتمع الدولي بأنّ إسرائيل تتوجّه نحو ضمّ الضفة إلى أراضيها.

بعد الاتفاق على توزيع الصلاحيات، غرّد سموتريتش على تويتر: “يسعدني قبول المسؤولية المدنية عن الاستيطان للتأكّد كما وعدنا أنّ مواطني يهودا والسامرة لن يعودوا مواطنين من الدرجة الثانية في ظلّ حكومة عسكرية، وفي الوقت نفسه سنعمل بتصميم كبير على وقف الاستيلاء العربي غير الشرعي على الأراضي المفتوحة في يهودا والسامرة وإقامة دولة فلسطينية في المنطقة”.

خطة الحسم: الترانسفير الجديد

هذا بالضبط جوهر مشروع سموتريتش السياسي، المسمّى “خطّة الحسم” التي تقوم على فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وتكثيف الاستيطان وحلّ السلطة الفلسطينية وتشجيع الفلسطينيين على الهجرة إلى خارج فلسطين التاريخية. وخطّة الحسم مستوحاة من “الإنذار” الذي بعثه يهوشع بن نون إلى أهالي أريحا عشيّة اقتحامه مدينة أريحا قبل ألفَيْ عام، وقال فيه: “من هو مستعدّ للتسليم بوجودنا هنا فليسلم بذلك، ومن يريد المغادرة فليغادر، ومن يختار القتال فعليه أن ينتظر الحرب”.

إقرأ أيضاً: أسئلة وأجوبة عن مكانة القدس ومصيرها

تقترح “خطة الحسم” على الفلسطينيين ثلاثة بدائل: الأوّل أن يتنازل الفلسطينيون عن تطلّعاتهم الوطنية والقومية وحقوقهم الديمقراطية مع السماح لهم بالعيش في دولة اليهود، لكن من دون السماح لهم بالتصويت في الانتخابات والمشاركة السياسية في الكنيست، والثاني هو الرحيل إلى الدول العربية وقبول الترانسفير، والتوطّن هناك، أمّا البديل الثالث فهو من نصيب مَن يرفض من الفلسطينيين، إذ سيواجهون القمع والتصفية من قبل قوات الأمن الإسرائيلية في حال قرّروا مواصلة مقاومة الاحتلال.

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…