المسيحيّون ينتظرون باسيل.. فهل يجرؤ؟

في عظته يوم الأحد الفائت قال البطريرك الماروني بشارة الراعي: “إذا كان جزء من مسؤولية الشغور الرئاسي يتحمّلها القادة المسيحيون، فالمسؤولية الكبرى تقع على غيرهم لأنّ المسيحيين مختلفون على هويّة الرئيس بينما الآخرون مختلفون على هويّة الجمهورية”.

حزب الله المعطِّل

أراد البطريرك في عظته استباق رمي مسؤولية فشل انتخاب الرئيس على المسيحيين بسبب عدم اجتماعهم في بكركي الأسبوع الماضي للتشاور. صحيح أنّ الدعوة رُفضت قبل أن توجَّه. ولكنّ الاجتماع، لو حصل، لم يكن ليضمن انتخاب رئيس. في أحسن الأحوال كان من شأنه إحراج الآخرين لأنّ من يعطّل انتخاب الرئيس يستمرّ في تعطيله حتى لو اتّفق المسيحيون، كلّ المسيحيين، على تقديم مرشّح واحد للرئاسة. وهو نفسه الذي عطّل إجراء الاستحقاق في موعده منذ عام 2007. وهو معروف الهويّة. إنّه حزب الله وفريقه السياسيّ. وهو نفسه من أخّر تشكيل الحكومات وعطّل عملها عدّة مرّات. في الماضي كان التعطيل بمقاطعة جلسات الانتخاب. واليوم بانتخاب “الورقة البيضاء” وبتطيير نصاب الدورة الثانية من الاقتراع. والهدف معروف. أعلنه الأمين العام للحزب بنفسه. فهو قال: “نريد رئيساً لا يطعن المقاومة بالظهر”. بمعنى آخر، يريد رئيساً يُكمل انهيار هذه الجمهوريّة من أجل قيام جمهوريّة أخرى لا نعرف عنها شيئاً. ولا أحد من المرشّحين يُقنعنا بأنّه قادر على التحالف مع حزب الله وإنقاذ الجمهوريّة في آن. فلا إنقاذ من دون دعم عربيّ ودوليّ. والمواقف العربيّة والدوليّة الأساسيّة والفاعلة في لبنان والمنطقة تؤكّد أنّها لن تساوم في هذه المسألة. هذا ما أكّده فشل الاجتماع الخُماسي الباريسيّ. فالمملكة العربية السعودية على موقفها. لن تدعم رئيساً حليفاً لحزب الله، ولن تدعم حكومة يُهيمن على قراراتها. والولايات المتحدة الأميركيّة، بعد ترسيم الحدود البحرية وضمان أمن الحدود الإسرائيليّة البرّية والبحريّة مع لبنان، لن تمدّ أيّ يد لحزب الله. وبالتالي لا دعم للبنان لإخراجه من أزمته، لا من الدول المانحة ولا من المؤسّسات الدوليّة، إذا ما وصل مرشّح حليف لحزب الله إلى سدّة الرئاسة.

ليست ممارسة نبيه برّي السياسيّة بريئة من تغيير هويّة الجمهوريّة اللبنانيّة التي نشأت بعد الطائف. فهو يتصرّف في الحكم منذ أكثر من ثلاثة عقود على أنّ المثالثة واقع في البلد

هويّتا الرئيس والجمهوريّة

لكنّ القول إنّ “المسيحيين مختلفون على هويّة الرئيس بينما الآخرون مختلفون على هويّة الجمهورية” هو كلام يحتاج إلى تدقيق لسببين رئيسيَّين:

1- خلاف المسيحيين على هويّة رئيس الجمهوريّة اليوم له علاقة مباشرة بهويّة الجمهوريّة اللبنانيّة. فالاستحقاق اليوم لا يشبه مثيله في عام 2016 ولا في عام 2008 ولا أيّ استحقاق قبلهما. فالدولة مدمّرة بمؤسّساتها وقطاعاتها وشعبها. والجمهوريّة مهدّدة. والكيان في خطر. ومهمّة الرئيس، مع الحكومات التي ستشكَّل في عهده والمجلس النيابي، إنقاذ الجمهوريّة وإعادة بناء الدولة ومؤسّساتها وقطاعاتها. وهذا يتطلّب رئيساً قادراً على طمأنة المجتمعَين العربيّ والدوليّ لمساعدة لبنان على إعادة البناء. خلاف ذلك سيكون رئيس يُكمل تدمير لبنان وعزله عن العالم. وعهده سيكون عهد تدمير ما بقي من هويّة للجمهوريّة.

2- “غير المسيحيين” لا يختلفون كلّهم على هويّة الجمهوريّة. الطائفة السنّيّة حسمت موقفها من هويّة الجمهوريّة اللبنانيّة بميثاقها وصيغتها والمناصفة فيها. وهذا موقفها منذ اتّفاق الطائف مروراً بتسعينيّات القرن الماضي ووصولاً إلى اليوم. وقد خاض السُّنّة بقيادة رفيق الحريري وبعد استشهاده صراعاً كبيراً ضدّ حزب الله للحفاظ على “لبنان عربيّ الهويّة والانتماء” (مقدّمة الدستور اللبناني، الفقرة “ب”). وهو صراع كلّف الحريري حياته. وكلّف السُّنّة خسارة زعامة تاريخيّة. كما كلّف لبنان خسارة قامة وطنيّة ذات بُعدَين عربيّ ودوليّ.

أراد البطريرك في عظته استباق رمي مسؤولية فشل انتخاب الرئيس على المسيحيين بسبب عدم اجتماعهم في بكركي الأسبوع الماضي للتشاور. وهو على حقّ

أمّا الطائفة الشيعيّة، أو الثنائي الذي يمثّلها مع الفارق بينهما، فهما اللذان يختلفان مع غالبية اللبنانيين على هويّة الجمهوريّة. غنيّ عن القول إنّ حزب الله بوجوده، كميليشيا، يناقض هويّة الجمهوريّة اللبنانيّة ولا مكان له في دستورها ولا في قوانينها ولا في تركيبتها. وهو مفروض عليها وعلى اللبنانيين بقوّة السلاح. وممارسته السياسيّة المرتكزة على سلاحه تناقض ميزة الديمقراطية في الجمهوريّة اللبنانيّة، وصيغة التوافق التاريخيّة بين مكوّناتها المجتمعيّة. ومشروعه السياسيّ، المرتبط عضويّاً بالجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، يناقض هويّتها العربيّة وانتماءها إلى جامعة الدول العربيّة، كما يخالف انتماءها إلى منظّمة الأمم المتّحدة والتزامها مواثيقها وقراراتها (كما جاء في مقدّمة الدستور، الفقرة “ب”).

أمّا ممارسة نبيه برّي السياسيّة فليست بريئة. فهو يتصرّف في الحكم منذ أكثر من ثلاثة عقود على أنّ المثالثة واقع في البلد.

إقرأ أيضاً: باسيل – الحزب: آخر المعارك؟

يوم الأحد الفائت أيضاً، وفي تغريدته على التويتر، أعلن جبران باسيل مقاطعته الجلسة التشريعيّة في المجلس النيابيّ. فخلافه مع الحزب يكبر يوماً بعد يوم. ولا يبدو أنّ هناك مراجعة أو تجديداً لتفاهمه معه. لكنّ هذا لا يكفي. المطلوب من التيار العوني إعلان واضح وصريح بإنهاء هذا التحالف. المطلوب منه العودة إلى الجمهوريّة وأن لا يستمرّ شريكاً في تغيير هويّتها. حينها ستجلس معه باقي الأطراف المسيحيّة في حضرة بكركي من أجل التفاهم حول هويّة رئيس الجمهوريّة العتيد. وستتواصل معه الأطراف غير المسيحيّة الحريصة على هويّة الجمهوريّة. الظرف تاريخيّ. يتطلّب موقفاً تاريخياً. هل يجرؤ جبران باسيل على اتّخاذه من أجل إنقاذ الجمهوريّة وهويّتها؟

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…