إيران تدفع ثمن حروبها على الآخرين

في كلّ الضربات التي وجّهتها إلى المنشآت النووية والحربية الإيرانية حرصت إسرائيل على أن تقتصر الخسائر على المادّة من دون البشر. لم تعلن إيران عن سقوط قتلى، إلا في ما ندر. غير أنّها في الوقت نفسه ظلّت متكتّمة على حجم خسائرها المادّية، وهي بالتأكيد كبيرة جدّاً.

على العكس من ذلك كانت الضربات الإسرائيلية، التي توجَّه إلى مخازن الأسلحة الإيرانية أو معسكرات حزب الله (الإيرانية أيضاً) في سوريا، لا تضع حدّاً فاصلاً بين ما هو مادّي وما هو بشري. وقد سبق لإيران أن شيّعت جنائز عدد من جنرالاتها الذين قُتلوا في سوريا.

وإذا ما كان العدوّ واضحاً في الحالة الثانية، فإنّه لم يكن كذلك في الحالة الأولى إلا تكهّناً. وفي الحالين كانت إيران لا تهدّد بالردّ إلا عن طريق وكلائها الذين لا يملكون سوى أن يقوموا بعمليات إزعاج لإسرائيل مع حرصهم التامّ على أن لا ينتج عن تلك العمليات قتلى في الجانب الإسرائيلي. وهذا ما تخصّصت به حركة حماس.

في كلّ الضربات التي وجّهتها إلى المنشآت النووية والحربية الإيرانية حرصت إسرائيل على أن تقتصر الخسائر على المادّة من دون البشر

حقّ الردّ على إيران

في كلّ الأحوال لم يعتبر أحد في العالم أنّ الضربات الإسرائيلية الموجّهة في العمق الإيراني أو الأراضي السورية، هي نوع من التصعيد. فالدولتان إسرائيل وإيران، وإن لم تخوضا حرباً مباشرة في تاريخهما المعاصر، فهما في حال حرب تتقاطع فيها المصالح وتتضارب فيها الأهداف.

استفادت إسرائيل من حال الحرب عن بُعد. أضفت قدراً عظيماً من الشرعية على ضرباتها العنيفة في العمق الإيراني، وحرصت على ألّا تؤدّي تلك الضربات إلى سقوط قتلى مدنيّين. فما من دولة في العالم، حتى تلك الدول الصديقة لإيران مثل روسيا أو الصين، سبق لها أن احتجّت على ما صارت إسرائيل تعتبره حقّها في الدفاع عن النفس.

لم يكن النظام الإيراني غبيّاً إلى درجة التورّط في ردّ مباشر تجسيداً لمبدأ التعامل بالمثل، كأن توجِّه إيران ضربات إلى منشآت شبيهة بمنشآتها المتضرّرة داخل العمق الإسرائيلي. لكنّ إسرائيل في نظر العالم ليست إيران، وليست مثل إيران. وليس السبب أنّ الدولة العبرية لم تعلن رسمياً حتى اللحظة أنّها دولة نووية، بل لأنّها من وجهة نظر الغرب دولة عاقلة في المجال النووي، فيما أثبتت إيران أنّها دولة يديرها مجانين لا يتورّعون عن ارتكاب الحماقات الصغيرة والكبيرة.

تدافع إسرائيل عن نفسها. وهذا أمر واقعي إلى حدّ كبير. وما يحقّ لإسرائيل يحقّ لكلّ دول المنطقة المهدّدة بالخطر الإيراني. ولو كانت تلك الدول تمتلك قدرة الردع التي تمتلكها إسرائيل لكان عليها أن تفعل ما تفعله إسرائيل بضمير مرتاح ومن غير أن يلومها أحد.

الخطر الإيراني حقيقي. فليس لدى إيران أيّة رغبة في أن تكون شريكاً في تدعيم السلام والأمن في المنطقة

يقظة دول الخليج على خطر إيران

الخطر الإيراني حقيقي. فليس لدى إيران أيّة رغبة في أن تكون شريكاً في تدعيم السلام والأمن في المنطقة. ولا تُخفي إيران رغبتها في الهيمنة على دول ذات سيادة من خلال مصادرة قرارها السياسي والسيطرة على اقتصادها، بل وبالتدخّل في صياغة المضمون الاجتماعي فيها. فعلت ذلك في لبنان والعراق واليمن على نطاق واسع، ولم يعد الشكّ في ذلك إلا نوعاً من البلاهة. وها هي تزحف في سورية لإقامة محميّات تابعة لها.

هذا ما فعلته وتفعله. غير أنّها لمّا تكتفِ بذلك. ولولا يقظة دول الخليج العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لكانت إيران اليوم تفاوض العالم بلغة إمبراطورية تؤهّلها لتركيع الغرب وإجباره على القبول بها عضواً في النادي النووي الذي يمكن أن يفجّره حضورها من الداخل. الخطر الإيراني حقيقي. وهو ما صارت دول العالم كلّها على بيّنة منه. وليست روسيا والصين بعيدتين عن فهم المعاني المصيرية التي ينطوي عليها ذلك الخطر. 

 

كابوس الإرهاب الإيرانيّ

لم يصمت العالم في مواجهة الضربات الإسرائيلية، إلا لأنّه يدرك مدى أهميّة إجهاض الحلم الإيراني الذي يمكن أن يتحوّل إلى كابوس في أيّة لحظة. وليس نوعاً من المبالغة القولُ إنّ ذلك الكابوس خلاصته الإرهاب الذي تسعى البشرية جمعاء إلى اجتثاثه من الجذور.

إقرأ أيضاً: إيران وروسيا وإسرائيل: هكذا تقاسمت سوريا

كان يمكن للشعوب الإيرانية أن تعيش متمتّعة برفاهية لا مثيل لها وترف مثاليّ، لو لم ينفق نظام الملالي الجزء الأكبر من ثروات إيران في مجال التصنيع العسكري وتطوير أسلحة الدمار الشامل، ومن ضمنها المشروع النووي. وهذا ما يصحّ على العراق الذي نُهبت أمواله لتمويل مشروع الموت الإيراني الذي يجسّده الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والميليشيات الأفغانية والباكستانية والعراقية في سورية.

تلك حقيقة لا يمكن إغفالها حين ننظر إلى مستقبل المنطقة.

 

*كاتب عراقي

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…