قضاء البيطار وقدر لبنان؟

استجدّ شيءٌ جعل قاضي التحقيق في قضية انفجار المرفأ يعود إلى جادّة الصواب القضائي والقانوني. لقد ألغى همايونيّاً، كما عادته، مواعيد جلسات الاستماع إلى المدّعى عليهم. وهذا يعني أنّ شهر شباط سيكون من دون “مسرحيّات” اعتادها البيطار الذي يبدو أنّه صار من دون نصير ولا معين، لا من السفارات ولا من الشارع.

أشارت مصادر خاصّة لـ”أساس”، إلى أنّ تأجيل القاضي البيطار لجلسات الاستماع إلى المدّعى عليهم جاء بناءً على تطوّرين:

– الأوّل اتّصال قائد الجيش العماد جوزف عون بالبيطار، بعد لقائه المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، وإبلاغه إيّاه أنّه لا يمكنه الاستمرار في التصعيد ويجب التهدئة ومعالجة القضية بهدوء حرصاً على العدالة ووصول ملفّ تفجير المرفأ إلى ما يصبو إليه أهالي الضحايا.

– الثاني إرسال وزير العدل صباح يوم الجمعة الفائت خطاباً إلى مجلس القضاء الأعلى يدعوه فيه إلى الاجتماع لبتّ ملفّ قضية انفجار مرفأ بيروت، وهو ما استجاب له المجلس الذي ينعقد اليوم الثلاثاء بحضور كلّ أعضائه.

أشارت مصادر خاصّة، في حديث إلى “أساس”، إلى أنّ تأجيل القاضي البيطار لجلسات الاستماع إلى المدّعى عليهم جاء بناءً على تطوّرين

في الشقّ القانوني لم يكن بوسع البيطار الذهاب بعيداً في تنفيذ خطواته من دون العودة إلى النيابة العامّة التمييزية، لكنّ اشتباكه مع المدّعي العامّ التمييزي خرّب عليه أجندته، وكادت الأوضاع أن تنقلب صداماً بين الأجهزة الأمنيّة.

أمّا في الشقّ السياسي فقد كان واضحاً نضوج الاتصالات التي كفّت يد البيطار إلى أمدٍ لن يكون قصير المدى. وكان المسار القضائي بدأ يتوضّح منذ السبت الماضي، فأثمر مسار اتصالات كانت تجري خلف الكواليس يقودها سياسيون وقضاة عنوانها “إسداء النصيحة” إلى المحقّق العدلي بتجنّب المزيد من ارتكاب الأخطاء في التحقيق وتجنيب البلد المزيد من الخضّات.

في هذه الأثناء كان يتمّ تعزيز القوى الأمنيّة المولجة حماية الشخصيات استناداً إلى “تعليمات صارمة وحازمة” مضمونها الحيلولة دون تنفيذ أوامر القاضي البيطار. وقد ترافق هذا مع إبلاغ البيطار بأنّه “يُغامر ولا يُحقّق”. وحصل هذا فيما كان المدّعي العام التمييزي غسان عويدات يستدرك مخاطر “التحقيق السياسي” لا “التحقيق القضائي”.

حينذاك أدرك البيطار، عن وعي أو عن لفت نظر، أنّ عويدات لن يهادن في تطبيق الإجراءات القانونية بحقّه، وأنّ مذكّرة إحضاره ليست مزحة وسيُصار إلى تنفيذها.

كان هذا هو حديث المكاتب والأروقة، لكن على الأرض كان قائد الجيش العماد جوزف عون يبلغ المعنيين أنّ الجيش بإمكانه حماية المحقّق العدلي في منزله أو على الطريق وفي مكتبه بالعدليّة، لكن إذا صدرت المذكّرة بتوقيفه، فإنّ الجيش “مُجبرٌ” وفق طبيعته وعقيدته أن يحترم القضاء وما يسطّره من استنابات وادّعاءات. دفع هذا الواقعُ البيطارَ إلى أن يستشعر أنّه بات وحيداً، ولذا أرجأ قراراته، ومن بينها قراره الظنّي، مع احتمال التغاضي عن الاستماع إلى الشهود وإصدار قراره من دون إفاداتهم، الأمر الذي سيُخرجه عن مساره القانوني نهائياً.

التهدئة من البيطار مقابل تهدئة مماثلة من عويدات، وقد توسَّط لذلك كثيرون، إلا أنّ المدّعي العام التمييزي أصرّ على التمسّك بالنصوص القانونية

خيبة البيطار وأحلامه

منذ يوم الجمعة الماضي، أدرك البيطار هول أوهامه. جاء إدراكه هذا بعدما انقطع “السفراء” عن محادثته، فتلمّس باليقين أنّه صار وحيداً. وما أضعف موقفه أكثر فأكثر هو تمسّك عويدات بالأصول القانونية، ذلك أنّه يوم الجمعة الماضية تمّ تعزيز المواكبة الأمنيّة للمدّعى عليهم.

على المستوى القانوني كان يجب أن تتمّ التبليغات بواسطة النيابة العامّة التمييزية، لكنّ المدّعي العامّ التمييزي غسان عويدات اعتبر منذ البداية أنّ عودة البيطار غير قانونية وأنّ قرارات الأخير منعدمة الوجود، وعمّم على الضابطة العدلية عدم تسلُّم أيّ قرار من البيطار أو تنفيذه “لأنّ الأصول القانونية تفترض به مراسلة المدّعي العامّ التمييزي، وفي حال امتنع فلا يستطيع المحقّق العدلي أن يقرّر “ما يريده” لصقاً على ديوان المحكمة”.

بعدما أصدر البيطار اجتهاده الذي تمّ التعاطي معه على أنّه غير قانوني كان يفترض به أن يكمل تدابيره ويتخطّى مسألة التبليغ ومطالعة النيابة العامّة وأن يصدر القرار الظنّي. هنا تبرز الأسئلة الآتية: لماذا تراجع؟ وهل تخلّى عنه من وضع له أجندة العمل؟ وهل كان منذ البدء ارتجالياً تحرِّكه الأهواء لا القانون؟ وهل هذه الأسئلة هي التي دفعته إلى للتراجع إذ أرجأ مواعيد الجلسات قبل حلول موعدها؟

من وجهة نظر قضائية لم يكن ممكناً أن يُكمل البيطار مسار عمله، خاصة أنّه سبق أن تعرّض لانتقادات بسبب الانتقائية في خطواته التي كادت تهدِّد بتفجير البلد.

إنّ مُضيّ البيطار في التحقيق من دون مراعاة أصول التبليغ وفقاً لأصول المحاكمات الجزائية عرّض التحقيق للبطلان. فقد وضع نفسه في “مصافّ القدّيسين”، ثمّ تبيّن لاحقاً أنّه امتثل لقرارات عويدات الذي تقدّم عليه بالقانون.

لخّصت مصادر قضائية لـ “أساس” خلفيّات ما آلت إليه الأمور بالتالي:

1ـ التهدئة من البيطار مقابل تهدئة مماثلة من عويدات، وقد توسَّط لذلك كثيرون، إلا أنّ المدّعي العام التمييزي أصرّ على التمسّك بالنصوص القانونية.

إقرأ أيضاً: ... جارٍ الإعداد لإقالة البيطار؟!

2- عدم تحديد البيطار تاريخاً جديداً للاستماع إلى المستجوَبين خلال شهر شباط الجاري “وربطه بعدم تعاون النيابة العامّة” يعنيان أنّ المسألة ذهبت إلى تأجيل طويل يُرجَّح أن يمتدّ إلى العهد المقبل مع انتخاب رئيس جديد وتشكيلات قضائية جديدة تشمل النيابة العامّة والمحقّق العدلي ورئيس المجلس العدلي.

هذا قضاء البيطار.. وقدر لبنان على حالهما إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

إقرأ أيضاً

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…

نقابة المهندسين: لماذا تعاقب طرابلس تيار المستقبل؟

عقب عودة الرئيس الحريري النسبية إلى الأجواء السياسية في ذكرى 14 شباط، أراد تيّار المستقبل تدشين عودته إلى الملعب السياسي عبر بوّابة انتخابات نقابة المهندسين،…