هجوم أصفهان: أميركا ترفع العصا في وجه إيران

بدأ فصل جديد من التعاطي الأميركي مع إيران، ولم تعد الدبلوماسية النّاعمة وحيدةً على أجندة الرئيس الأميركي جو بايدن، فقد وجدت الدبلوماسية الخشنة مكانها على هذه الأجندة، خصوصاً مع دخول طهران “حلبة الصّراع الاستراتيجي” الدائر في أوكرانيا عبر توريدها الطائرات المسيّرة الانتحارية التي ضربت وتضرب أهدافاً حيويّة على الخارطة الأوكرانيّة.

لم تكن الطائرات المُسيّرة التي استهدفت مصنعاً “دفاعيّاً” في مدينة أصفهان سوى عصا أميركيّة تضرب بقبضة إسرائيليّة. وهذا توزيع وتكامل في الأدوار بين واشنطن وتل أبيب. فواشنطن ترسل العصيّ عبر إسرائيل، وتُرسل “الجزر” عبر دولة قطر التي حطّ وزير خارجيّتها في طهران بعد ساعات قليلة من ضربة أصفهان.

لقد باتَ واضحاً من فكّ شيفرات الهجوم أنّ واشنطن تريد القول لطهران إنّ التوغّل الإيراني غير المباشر في المجال الحيويّ لحلف النّاتو في أوروبا لن يمرّ بلا عقاب، وإنّها لن تتوانى عن استعمال القوّة لردع برنامج إيران النّوويّ.

يؤكّد مسؤول أميركيّ أنّ إدارة بايدن لا يمكن أن تتسامح مع مسألة دعم طهران لموسكو في حربها ضدّ الغرب

أثر هجوم أصفهان السّياسي

لقراءة ما يعنيه الهجوم على أصفهان في السّياسة، ينبغي التوقّف عند رسائل أرادت واشنطن وتل أبيب إيصالها:

أوّلاً: جدّيّة المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تتكرّر بين الفينة والأخرى، وكانت آخرتها قبل شهر، وهي تحاكي توجيه ضربات للمنشآت النووية في إيران.

ثانياً: جدّيّة واشنطن في دراسة خيار استعمال القوّة ضدّ إيران، وهذا ما قاله الدبلوماسي الأميركي السابق دينيس روس في مقابلته مع محطة “إيران إنترناشيونال” المعارضة من أنّ “الرئيس بايدن مستعدّ للردّ العسكري على برنامج إيران النوويّ”.

ثالثاً: زار رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز إسرائيل تمهيداً لجولة شرق أوسطية ينوي القيام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. وهذا مؤشّر إلى أنّ هجوماً مثل هذا لا يتمّ إلّا بضوء أخضر أميركيّ.

جدير بالذّكر هنا أنّ “بيل” بيرنز كان من المسؤولين الأساسيين في إبرام اتفاق 2015، ومن دعاة العودة إلى الاتفاق النّوويّ.

رابعاً: أراد اختيار مدينة أصفهان القول لإيران إنّ واشنطن وتل أبيب قادرتان على الوصول إلى المنشآت النووية. فأصفهان تضمّ منشأة نووية. ويعني اختيار منشأة عسكرية أنّ مصادر قلق الأمن القومي الإسرائيلي لا تنحصر في البرنامج النّووي، بل تشمل أيضاً برنامج الصّواريخ والمُسيّرات، وهذا تهديد ينبغي معالجته.

خامساً: انطلقت المسيّرات الـثلاث القصيرة المدى التي استهدفت منشأة أصفهان من داخل إيران. وهذا في حدّ ذاته رسالة عن مدى الخرق الإسرائيلي – الأميركي للأمن الإيرانيّ، خصوصاً مع إعلان إيران أخيراً إلقاء القبض على عشرات الشبكات التابعة للموساد الإسرائيلي التي كانت تنوي استهداف “منشآت حسّاسة” في البلاد.

تُعيد عملية أصفهان إلى الأذهان اغتيال العالم النّووي محسن فخري زاده أواخر عام 2020، إذ استورد المهاجمون أدوات الاغتيال من خارج إيران إلى داخلها ونفّذوا عمليّتهم من دون أن يتمكّن الأمن الإيرانيّ من اكتشافهم.

لم تكن الطائرات المُسيّرة التي استهدفت مصنعاً “دفاعيّاً” في مدينة أصفهان سوى عصا أميركيّة تضرب بقبضة إسرائيليّة

الجزرة من قطر

لم تتأخّر الولايات المُتحدة عن إرسال “الجزرة” عبر الوسيط القطري بعد العصا الإسرائيلية. إذ حطّ وزير الخارجية القطري الشّيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رحاله في طهران بعد ساعات قليلة، حاملاً رسائل أميركيّة تتعلّق بالمفاوضات النّووية وأمن المنطقة.

يؤكّد مسؤول في مكتب الأمن القومي الأميركي لـ”أساس” أنّ الولايات المتحدة تتعامل مع قضيّتيْن أساسيّتين في الملفّ الإيراني:

الأوّل: العودة غير المشروطة إلى المفاوضات النّووية، وامتثال طهران لبنود الاتفاق، خصوصاً في ما يتعلّق بتخصيب اليورانيوم، في مقابل أن ترفع أميركا العقوبات المرتبطة بالملفّ النّوويّ.

الثّاني: أن تتوقّف إيران بشكل فوري عن توريد الطائرات المسيّرة لضرب أوكرانيا.

يؤكّد المسؤول الأميركيّ أنّ إدارة بايدن لا يمكن أن تتسامح مع مسألة دعم طهران لموسكو في حربها ضدّ الغرب. وهذه مسألة لا يمكن أن تتجاوزها “أيّ إدارة أميركية”. ويقول: “لم تتسامح واشنطن مع روسيا في ما يتعلّق بأوكرانيا، فهل من مجنون يتصوّر أن نتسامح مع إيران في هذا الأمر؟ قطعاً لا”.

إقرأ أيضاً: مُفاوضات اليمن: 3 نقاطٍ على الطّاولة… وخطّان أحمران لإيران

اختارت إدارة بايدن أن تتعاطى مع إيران وفق سياستها الأخيرة المفضّلة: “حافة الهاوية”. وإلى حين الوصول إلى اليوم الذي يصرخ فيه أحد الطرفين أوّلاً، تكون المنطقة برمّتها قد شرعت ترقص خلف إدارة بايدن وإيران… وللنّوويّ تتمّة.

لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…