14 أيّار التركيّ: ما هو دور “الناخب” الإقليمي؟

“خطاب الشرفة” في ليلة 14 أيّار المقبل هو اللحظة الحاسمة في رسم معالم الحقبة المئوية الثانية في مسار التاريخ السياسي التركي الجديد. فمَن الذي سيطلّ على الجماهير لإعلان بداية هذه المرحلة التي اختارها الشعب التركي: رجب طيب إردوغان أم كمال كيليشدار أوغلو؟

تذهب الأمور في تركيا نحو احتمال أن توصف الانتخابات المقبلة بالأكثر جدلاً من الناحيتين القانونية والسياسية. أيّ قانون انتخابات سيُطبَّق: القديم أم الجديد؟ ما هي قانونية الترشّح وحقوق المرشّحين في تقديم طلباتهم؟ ما هو توصيف الانتخابات وتعريفها؟ ما هي السيناريوهات السياسية التي ستواكبها خطوة بخطوة وفي ضوء كلّ مرحلة؟ هذا إلى جانب آراء رجال القانون وانقسامهم على تفسير الموادّ الدستورية المتعلّقة بالكثير من هذه النقاشات.

أكّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ موعد 14 أيار المقبل هو التاريخ الأنسب لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في البلاد بدلاً من الموعد الدستوريّ في 18 حزيران. من بين أسباب تقديم موعد الانتخابات، حسب إردوغان، موسم الحجّ والأعياد والامتحانات الرسمية في المدارس والجامعات. لكنّ قوى المعارضة تردّ السبب إلى معرفة الرئيس التركي باستحالة ترشّحه في حزيران لأنّ ذلك يخالف الدستور وقانون الانتخابات.

استردّ إردوغان في الأشهر الأخيرة بعض ما فقده من شعبية. لا تنطبق هذه القناعة على حزبه

إنّ الخطوة الأولى التي سيقدم عليها الحزب الحاكم ستكون في العاشر من آذار المقبل، أي قبل شهرين من تاريخ الذهاب إلى الصناديق حسب الدستور أيضاً. الهدف هو الحصول على 360 صوتاً داخل البرلمان تعطيه ما يريد. إذا فشل في ذلك فسيلجأ إردوغان إلى ممارسة حقّه في حلّ البرلمان والذهاب نحو انتخابات مبكرة. لكنّ الاحتمال الثاني هو الأقرب لأنّ أحزاب المعارضة أعلنت مسبقاً أنّها لن تدعم السيناريو الأوّل، بل على العكس من ذلك ستذهب باتّجاه فتح باب النقاش في دستوريّة ترشيح إردوغان لنفسه من جديد، محاوِلةً رمي الكرة في ملعب الهيئة العليا للانتخابات، تاركةً لها أن تتحمّل مسؤوليّة اتّخاذ القرار النهائي.

إذاً بدأ العدّ العكسي مع احتساب 3 أشهر و3 أسابيع تفصلنا عن اليوم المرتقب. وهي فترة زمنية ستمرّ سريعاً بالنسبة إلى البعض، لكنّها ستشهد حراكاً سياسياً وانتخابياً وإعلامياً لا مثيل له في حالات مشابهة عاشتها تركيا بالنسبة إلى الكثيرين أيضاً.

صباح الخامس عشر من أيار سنعرف هل تنجح طاولة المعارضة السداسية في مواصلة ما حقّقته في مطلع نيسان 2019 في الانتخابات المحلية حين حصدت البلديات الكبرى في تركيا، أم يستردّ حزب العدالة ما فقده ويواصل قيادته للمسيرة في السنوات الخمس الأولى من تاريخ المئوية الثانية للجمهورية التركية؟

سيعرف تحالف المعارضة أيضاً هل يحصل على 400 مقعد من أصل 600 في البرلمان يمنّي النفس بها وتمكّنه من تغيير شكل النظام من رئاسي إلى برلماني، أم على أغلبيّة 360 مقعداً تعطيه فرصة الذهاب إلى الاستفتاء العامّ لتحقيق هذه الخطوة؟ قد يحدث العكس وتفشل المعارضة أمام “تحالف الجمهور” في تسجيل أيّ اختراق برلماني أو رئاسي. سيكون كلّ هذا مرتبطاً بأداء الطرفين في الأسابيع القليلة المقبلة وارتكابهما العدد الأقلّ من الأخطاء. لكنّ حجم الاحتقان والاحتباس السياسيَّين يقول إنّ الحملات الانتخابية والوعود التي ستُطلَق ستحلّ في المرتبة الثانية بعد الاصطفافات السياسية والحزبية التي ظهرت إلى العلن قبل 3 أعوام والتي يهمّها أكثر إضعاف الطرف الآخر وإزاحته.

استردّ إردوغان في الأشهر الأخيرة بعض ما فقده من شعبية. لا تنطبق هذه القناعة على حزبه. قد يفوز هو في الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشّح المعارضة كما حدث مرّتين في السابق في عامَيْ 2014 و2018. لكنّ حزبه قد يخسر الرهان. يريد التكتّل المعارض الربح في المعركتين معاً، لذلك سيذهب إلى انتخابات مبكرة في حال امتلك النصاب المطلوب في البرلمان وخسر المنافسة على الرئاسة. وهذا ما لا يستطيع إردوغان فعله لأنّه سيفقد فرصة الترشّح مجدّداً لمعركة الرئاسة. ربّما هذا هو السيناريو الأصعب الذي تعوّل عليه ميرال أكشينار زعيمة حزب “إيي” وترى فيه فرصة سياسية توحّد الجناحين القومي واليمين المحافظ تحت راية حزبها.

ما هو دور السياسة الخارجيّة؟

التصويت واختيار من سيفوز هما شأنان تركيّان داخليّان حتماً، لكنّ البعد الخارجي في خيارات الناخب التركي سيكون حاضراً أيضاً. هل يتخلّى المواطن عن طروحات حزب العدالة التي ترسم سياسة تركيا الخارجية أم يفتح الطريق أمام تحالف المعارضة ليقوم بتغيير جذري في كلّ الملفّات المرتبطة بتركيا وعلاقاتها مع الخارج كما ردّد أكثر من مرّة؟

يقول الخارج إنّه شأن تركي داخلي حتماً، لكنّه سيرصد عن قرب ما يجري استعداداً لرسم السياسات المحتملة. من بين ما يقلق الكثير من العواصم، وفي مقدَّمها موسكو، طريقة تعامُل العواصم الإقليمية مع الخطوات السياسية والدستورية الجديدة التي ستقدِم عليها قوى المعارضة التركية في حال فوزها بالانتخابات.

ستحتدم النقاشات إبّان الحملات والمهرجانات الانتخابية مثلاً في الاختيار بين الدعم الروسي للاقتصاد التركي وعروض الطاقة الاستراتيجية التي أغضبت الغرب، وبين “الجزرة” الأميركية التي لم تعد تعني الكثير في تركيا، خصوصاً بعد تزايد أسباب الخلاف والتباعد بين أنقرة وواشنطن.

ستكون أنقرة بعد 14 أيار المقبل قد حسمت موقفها في ما يتعلّق بالخيار بين مواصلة التعاون مع روسيا السخيّة في المواقف السياسية والدعم وعروض الطاقة الاستراتيجية، وبين الحفاظ على العلاقات مع واشنطن الدائمة الانتقاد والاعتراض ورفض المطالب التركية التي لا تنتهي ويتعارض الكثير منها مع حسابات ومصالح واشنطن الإقليمية.

سيؤدّي بقاء حزب العدالة على رأس السلطة إلى إطلاق يده في مواصلة السياسات الخارجية المعتمدة حتى الآن والتي أسعدت البعض وأقلقت وأزعجت آخرين، وسيفرح بوتين ببقاء إردوغان وعدم تغيير أنقرة لسياساتها المنفتحة على روسيا في ملفّات ثنائية وإقليمية كثيرة، لكنّ بايدن الذي أعلن باكراً أنّه غير راضٍ عن الخيارات والمواقف التي اتّخذتها تركيا في ملفّات تتّصل بمصالحهما المشتركة في سوريا والعراق وشرق المتوسط ولا عن سياسة تركيا الإيرانية والروسية، سيكون هو الطرف الذي سيخيب ظنّه في الرهان على قوى المعارضة التركية، وسيكون عليه أن يعتمد أسلوباً جديداً مغايراً في العلاقة مع الرئيس التركي وحزبه.

تصالحت أنقرة مع أكثر من دولة إقليمية في العامين الأخيرين واختارت التخلّي عن لغة التصعيد والتحدّي من أجل التهدئة والتطبيع. بقيت مشكلة أنقرة مع “الصديق اللدود” الأميركي. أفما زال بايدن على موقفه بعد زيارة وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو لواشنطن قبل 10 أيام؟

ستتحوّل نتائج الانتخابات التركية المرتقبة إلى مفترق طرق سياسي واقتصادي داخلي بالنسبة إلى الأتراك الذين يريدون الخروج من أزمات تكاليف المعيشة والتضخّم وسعر صرف العملات. لكنّها ستكون مفصلاً استراتيجيّاً في علاقات تركيا وسياساتها مع الخارج وطريقة تعاملها مع ملفّات سياسية وأمنيّة واقتصادية عديدة.

إقرأ أيضاً: من سينافس إردوغان على الرئاسة؟

اتّفقت قبل 50 عاماً في بيروت، وبعد نقاشات طويلة مع ابن عمّ لي على استخراج ما جمعناه في القجّة (الحصالة) والشراكة مناصفة في شراء صندوق من الشوكولاته بسعر الجملة  كي نبعه بسعر المفرّق. وقد اصطحبنا أحد الشبّان الذي التقيناه صدفة إلى مبنى فخم يسكنه ثريّ في حيّ القنطاري ببيروت، واعداً إيّانا أن يبيعه كلّ صندوق الحلوى بسعر المفرق إضافة إلى البخشيش، قبل دخوله المبنى قال لنا: “أعطوني ما في جيوبكم من عملة معدنية قد أحتاج إليها لأردّ له بقيّة المبلغ”. فعلنا كلّ ما أراد وجلسنا ننتظره. اقترب منّا حارس المبنى الذي بعد ان شاهدنا نحدّق في الطوابق لفترة طويلة، سأل عن سبب كل هذا الانتظار والتحديق فأخبرناه، فضحك ساخراً وقال: “للمبنى مدخل ومخرج خلفيّ”. انتهت مغامرتنا التجارية قبل أن تبدأ، وضاع المال ورأس المال. سيكون الأمر كذلك مع أحد الطرفين المتنافسين في تركيا الذي سيجد نفسه وهو ينتظر إعلان النتائج في المأزق عينه عشيّة الرابع عشر من أيار المقبل.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: profsamirsalha@

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…