السعوديّة نجمة منتدى دافوس

هيمنت على الدورة الـ53 من أعمال منتدى دافوس الإقليمي في سويسرا، الذي استمرّت أعماله على مدى 3 أيام، قضايا الحرب في أوكرانيا وتهديدات الركود العالمي، إضافة إلى البحث في موضوعات اقتصادية مهمّة مثل ارتفاع تكلفة المعيشة وتراجع معدّلات النمو وارتفاع التضخّم ومكافحة تغيّر المناخ، وذلك وسط تجمّعات لأنصار البيئة والمنظّمات غير الحكومية الذين يرفضون الجهود المبذولة من أجل المناخ.

شهدت فعّاليّات المنتدى مشاركة أكثر من 2,700 مسؤول بارز من 130 دولة، من بينهم 50 رئيس دولة أو حكومة، واستبعاداً تامّاً لروسيا ومسؤوليها و”هشاشة” في الحضور الصيني، ومشاركة تجارية لأكثر من 370 شخصيّة عامّة من الحكومات والمنظّمات الدولية، وأكثر من 1,500 من قادة الأعمال، و90 مبتكراً. وشهدت الاجتماعات أيضاً حضور 56 وزير مالية، و19 رئيس بنك مركزي، و30 وزير تجارة، و35 وزير خارجية.

تميّزت السعودية بحضور بارز من خلال ما اقترحته من سياسات متعدّدة، سواء ما اتّصل منها بالإقراض والهبات، أو في ما يتعلّق بالدعم المشروط بإصلاحات فعليّة. وقد حاز الحضور السعودي اهتماماً عبّرت عنه رئيسة المنتدى كريستالينا غورغييفا، التي أشادت بالتقدّم الذي أحرزته المملكة لتعزيز مشروعها 2030.

ليس مبالغةً القولُ إنّ السعودية استحوذت على اهتمام المشاركين جميعاً، إذ قدّمت أرقاماً عن قدرتها على مواجهة الركود والتضخّم الذي لن يتعدّى فيها 3.5%، فيما يتخطّى عالمياً 8%

اجتماع الظروف الصعبة

جاء الاجتماع السنوي للمنتدى حضوريّاً هذه المرّة، خلافاً للسنوات الثلاث السابقة التي حالت دون ذلك جائحة كورونا، وعلى خلفيّة توقّعات اقتصادية صعبة، ولذلك ركّز على الضرورات المزدوجة لاتّخاذ القرارات الصحيحة من أجل الاقتصادات وفي الشركات والمجتمعات، لتجاوز هذه الأوقات المعقّدة، التي تحوّل فيها العالم إلى عوالم متنافسة ومتنافرة ومتحاربة عاكساً تضارباً حادّاً في السياسة والاجتماع والاقتصاد.

السعوديّة وحضورها الوازن

شكّلت المملكة العربية السعودية حضوراً فاعلاً من خلال مواقفها وقراءتها للتطوّرات الدولية. وقد رفعت عنواناً سياسياً أعرب عن تمسّكها بـ”المسار الإصلاحي وأيّاً كانت أسعار النفط”، مُشدّدة على أنّ “تبرّعاتها” أو دعمها لهذه الدولة أو تلك، سواء عبر القروض أو الهبات، أصبحا مشروطين بأن تقوم سياسات هذه الدول على اتّخاذ مسارات إصلاحية.

كان الباعث إلى التشديد السعودي على التمسّك بمعايير واضحة في قراءة المسارات الاقتصادية هو حجم التضخّم الكبير على مستوى العالم والصدمات السريعة والشديدة في الأسعار. وثبُت صواب الرؤية السعودية من خلال قدرتها على التحكّم بنسب التضخّم وغلاء الأسعار جرّاء ما اعتمدته من سياسة ماليّة شفّافة.

ما أعلنته السعودية في دافوس كان حصاداً لسياسات مالية واقتصادية ونقدية سلكتها منذ عام 2015، وقامت على مكافحة الفساد وإصلاح وتطوير الإدارة، مع تنمية متوازية من خلال دفع المجتمع السعودي قدماً نحو التطوّر الاجتماعي الذي ينفي التمييز المجتمعي أيّاً كانت أسبابه. وكان هذا المسار محلّ معاينة دقيقة تمظهرت في عرض المملكة لقدراتها على إدارة “التوازن الحسّاس” في العلاقات الاقتصادية مع الدول المختلفة فيما بينها.

تميّزت السعودية بحضور بارز من خلال ما اقترحته من سياسات متعدّدة، سواء ما اتّصل منها بالإقراض والهبات، أو في ما يتعلّق بالدعم المشروط بإصلاحات فعليّة

وكان الأهمّ في تدعيم هذا الحضور هو المبادرات الثلاث التي وقّعتها المملكة العربية السعودية والإمارات:

ـ الأولى تتعلّق بإنشاء مركز لتحفيز الابتكارات يقوم على الجمع بين القطاعين العام والخاص، مع إقرار حزمة سياسات هدفها تحويل المعوّقات إلى فرص.

ـ الثانية قضت باتفاق شراكة بين الدولتين في قمّة المناخ COP28 المقبلة.

ـ الثالثة تتلخّص في رقمنة التجارة العالمية والدولية، مع دعم التكنولوجيات التي تسمح برقمنة المستندات التجارية، واعتماد الإجراءات التي من شأنها تسهيل التبادل التجاري والحدّ من “السياسات الحمائية” في ما يتعلّق بسلاسل التوريد .

ليس مبالغةً القولُ إنّ السعودية استحوذت على اهتمام المشاركين جميعاً، إذ قدّمت أرقاماً عن قدرتها على مواجهة الركود والتضخّم الذي لن يتعدّى فيها 3.5%، فيما يتخطّى عالمياً 8%، وأعلنت توقّعها تسجيل نسبة 3.1% من النموّ، فيما العالم غارق في العجز. ومثل هذا الواقع الاقتصادي يجعلها من ضمن أقوى 20 اقتصاداً في العالم لجهة معدّلات النموّ وزيادة حجم الكتلة الاستثمارية الصناعية لأكثر من 1.3 تريليون مليون دولار.

إقرأ أيضاً: مستقبل السعوديّة مع محمّد بن سلمان (2)

المشاكل والتعقيدات

ما أثّر على الحضور السعودي، أو قل استحوذ على اهتمامٍ موازٍ، كانت الهواجس المتضاربة لدى المشاركين جرّاء الحرب الروسية على أوكرانيا وتأثيرها على العلاقات الدولية والأسواق العالمية وأزمات الطاقة والغذاء وسلاسل التوريد المرافقة لها، وبسبب التضخّم المفرط وارتفاع الدين وخدمته ومشاكل الاقتراض والزيادة العشوائية في تكاليف المعيشة، واتساع قاعدة الطبقة العاملة الفقيرة وحتى العاطلة عن العمل جرّاء الركود الذي ما برح يتواصل منذ أزمة كورونا، وذلك مقابل تعثّر العلاقات التجارية الدولية والغلوّ في “السياسات الحمائية القومية” التي تُنبىء بمزيد من انكماش اقتصادي قاسٍ سيساهم في إضرار البلدان المنخفضة الدخل.

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…