فلسطين: الرهان على “ضمير” اليهود؟

ماذا بعد وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة في إسرائيل؟ أيّ مصير ينتظر القدس؟ وأيّ مصير ينتظر الضفّة الغربيّة؟

يجيب على هذين السؤالين مشروع جديد سبق أن أعدّه يواف كيش الذي كان عضواً في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) عن حزب الليكود الذي يرأسه حتى اليوم بنيامين نتانياهو.

يقول المشروع بإعطاء الفلسطينيين في الضفّة الغربية “حقوقاً إداريّة” محليّة محدودة، ليس منها حقّ المواطنة. وبموجب المشروع يُعتبر الفلسطينيون مقيمين وليسوا مواطنين، ويتمتّعون بحرّية إدارة شؤونهم المحليّة تحت إشراف السلطة السياسية الإسرائيلية.

ما كان للانتفاضة الإفريقية السوداء أن تؤتي ثمارها لو لم يتضامن معها المجتمع الدولي. وقد أدّى ذلك التضامن إلى مقاطعة الحكومة العنصرية وإلى عزلها، حتى تآكلت من الداخل وانهارت تحت ضربات المقاومة الوطنية

أبارتهايد إسرائيليّ

لم يكتشف كيش في مشروعه البارود. فالمشروع أساساً كان قد اعتُمد لسنوات طويلة في جنوب إفريقيا. كان السود من أهل البلاد الأصليّين ضحاياه المباشرين. وقد أدّى فرضه عليهم إلى الانتفاضة التي قادها من السجن نلسون مانديلا، وأدّت في النهاية إلى سقوط النظام العنصري (الأبارتهايد)، وإلى ولادة الدولة الجديدة اليوم.

لكن ما كان للانتفاضة الإفريقية السوداء أن تؤتي ثمارها لو لم يتضامن معها المجتمع الدولي. وقد أدّى ذلك التضامن إلى مقاطعة الحكومة العنصرية وإلى عزلها، حتى تآكلت من الداخل وانهارت تحت ضربات المقاومة الوطنية.

هل يتكرّر هذا السيناريو في إسرائيل؟

هناك ثلاثة أمور لا تشجّع على الجواب بالإيجاب:

ـ الأمر الأوّل هو أنّ الأميركيين المتحدّرين من أصول إفريقية لعبوا دوراً أساسياً في تحريض الإدارات الأميركية المتعاقبة على فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الحكومة العنصرية في جنوب إفريقيا.

أمّا الآن فثمّة قوّة أميركية داخلية تلعب دوراً معاكساً بالنسبة إلى القضية الفلسطينية. لا تتمثّل هذه القوّة في اللوبي اليهودي الأميركي فقط، بل تتمثّل أكثر بالحركة المسيحانية – الصهيونية التي يشكّل جمهورها 70 مليون مواطن أميركي. وتؤمِن هذه الحركة الدينية – السياسية بالعودة الثانية للمسيح، وبأنّ لهذه العودة شروطاً، أهمّها إقامة إسرائيل وبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى لأنّ المسيح في اعتقادها لن يعود إلا إلى “صهيون” بعد قيامها، ولن يعلن عودته إلا من “الهيكل” كما فعل أوّل مرّة.

في عقيدة هذه الحركة أيضاً أنّ الدفاع عن إسرائيل وعن تهويد القدس ليس دفاعاً عن اليهود لذاتهم أو دعماً لمشروعهم الخاص، بل هو ضرورة مسيحانية – إنجيليّة، لأنّه حسب اعتقادهم عندما يعود المسيح لن تبقى على الأرض عقيدة دينية أخرى سوى المسيحية الإنجيلية. وهذه العقيدة التي تسفّهها الكنائس المسيحية الكبرى الكاثوليكية والأرثوذكسية والإنجيلية، يؤمن بها أكثر من 70 مليون إنجيلي أميركي.

وفي إسرائيل اليوم، ليس نتانياهو وحده هو وليم باكلي الإسرائيلي. إنّه واحد من عشرات من قادة اليمين المتطرّف الذين ما كان ليعود إلى رئاسة الحكومة من دون التحالف معهم والالتزام بعقيدتهم وتبنّي مواقفهم وسياساتهم

ـ الأمر الثاني هو أنّ الأفارقة في جنوب إفريقيا توحّدوا في مواجهة العنصرية (الأبارتهايد) التي كانوا يعانون منها. غير أنّ الفلسطينيين لا يزالون منقسمين بين حركتَيْ فتح وحماس على الرغم من شدّة الاحتلال العنصري، والدول العربية أبعد ما تكون عن الحدّ الأدنى من الاتحاد لمواجهة هذه العنصرية.

ـ والأمر الثالث هو أنّ المجتمع العالمي بهيئاته الرسمية (الأمم المتحدة)، والدينية (مجلس الكنائس العالمي والمجلس الوطني للكنائس الأميركية)، والحقوقية (المنظمة العالمية لحقوق الإنسان)، أدان العنصرية وتبنّى الدفاع عن حقوق أهل البلاد الأصليين من الأفارقة.

غير أنّ هذا المجتمع نفسه لم يحرّك ساكناً حتى الآن في إدانة العنصرية التي تمارسها إسرائيل ضدّ العرب، مسلمين ومسيحيين، في الضفّة الغربية وفي القدس بشكل خاص.

الرهان على “ضمير” اليهود؟

مع كلّ ذلك يتسلّل ضوء من وراء هذا الظلام الدامس، يتمثّل في ارتفاع أصوات يهودية من داخل إسرائيل وخارجها تحذّر من هذا التدهور الإسرائيلي المتسارع نحو العنصرية الدينية ونحو نظام التمييز العنصري (الأبارتهايد). ومن مظاهره استقالة سفيرة إسرائيل في فرنسا رفضاً للنتائج العنصرية التي أدّت إلى تأليف الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ويتسلّح أصحاب هذه الأصوات بالمنطق الذي يقول إنّه إذا كان اليهود قد عانوا من العنصرية الدينية في العديد من الدول الأوروبية شرقاً وغرباً، فكيف يمارسون هم أنفسهم هذه العنصرية، وقد عرفوا المآلات الكارثية التي أصابت أصحابها؟

في عام 1957 سُئل زعيم الحركة العنصرية البيضاء في الولايات المتحدة وليم باكلي: “هل تستطيع قوى اليمين المتطرّف في المناطق الجنوبية من الولايات المتحدة أن تنجح سياسياً وثقافياً في المناطق الشمالية حيث تفقد الأكثرية العددية؟”. وكان ردّ باكلي: “بالتأكيد تستطيع السيطرة بقوّة تفوّقها الحضاري”.

إقرأ أيضاً: إسرائيل والسلطة وأصل الحكاية

وفي إسرائيل اليوم، ليس نتانياهو وحده هو وليم باكلي الإسرائيلي. إنّه واحد من عشرات من قادة اليمين المتطرّف الذين ما كان ليعود إلى رئاسة الحكومة من دون التحالف معهم والالتزام بعقيدتهم وتبنّي مواقفهم وسياساتهم.

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…