“شارلي إيبدو”: خامنئي ديكتاتور.. أو رجل دين؟

نشرت مجلة “شارلي إيبدو” رسوماً كاريكاتورية للسيّد علي خامنئي، فقامت الدنيا في إيران ولدى “المُتأَرينين” ولم تقعد: تهديد المجلّة والدولة الفرنسيّة ووعيدهما!

في إيران، اعتبر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الرسوم “عملاً عدائياً وغير لائق”، وهدّد: “لن نسمح للحكومة الفرنسية أن تتجاوز حدودها”. وفي لبنان أصدر حزب الله بياناً “مطنطناً”، ذهب فيه أبعد من الايرانيين أنفسهم، دعا الحكومة الفرنسية إلى “اتخاذ إجراءات حاسمة لمعاقبة القائمين على هذا العمل بسبب اعتدائهم على مقدّسات وكرامات أمّة بكاملها”.

الرسوم التي تناولت مرشد الجمهوريّة الايرانيّة الأعلى لا توضع في خانة التعرّض للرموز الدينيّة، إنما في خانة الكاريكاتور السياسيّ

فن المبالغة

الكاريكاتور فن ساخر ولاذع. يبالغ في تصوير الشخصيات والأفكار والاحداث. هذا هو معنى الكلمة في أصلها الإيطالي “كاريكاتورا” المشتقّة من كلمة “كاريكاري”، وتعني “تحميل” الشيء أو الفكرة “أكثر مما هي عليه”. وغالباً ما يكون الكاريكاتور أقوى تعبيراً وأقسى من الكلمة، عنواناً كانت أم مقالاً أو صورة أو رسماً.

ربّما لذلك اختار يوسف مكرزل “الدبّور” اسماً لصحيفته الكاريكاتورية الساخرة. فالكاريكاتور “يعقص” كالدبّور. هذا ما كانت تفعله رسوم بيار صادق وستافرو جبرا في الصحف المكتوبة كما في التلفزيون. وكانت تبالغ في “تفاصيل” الشخصيات التي ترسمها، فتكبّر الرأس، أو البطن أو القدمين أو اليدين، بحسب حاجة “الرسالة”.

كذلك في ذاكرة العرب القريبة رسوم السوري علي فرزات قبل أن يعتدي عليه نظام بشّار الاسد ويوسعه ضرباً على أصابعه التي يُبدع بها. وكذا كانت شخصية “حنظلة” للفنان الفلسطيني ناجي العلي.

 

مسابقة للكاريكاتور السياسيّ؟

ليست مناسبة للدفاع عن “شارلي إيبدو” ولا عن سياساتها، خاصّة تلك التي تتناول رموزاً دينيّة حقيقيّة تخدش بها شعور المؤمنين، وغير المؤمنين الذين يحترمون الآخر في رأيه ومعقتداته.وليس المجال للدفاع عن كل الرسوم التي تناولت السيّد خامنئي. لكنّ تناول السيّد خامنئي في الرسوم الكاريكاتورية ليس تعرّضاً لرمز دينيّ إنما انتقاداً لشخصية سياسيّة ولو تخطّت المقبول في بعض منها. وللتذكير، هذه الرسوم هي حصيلة مباراة نظّمتها المجلة وشارك فيها حوالي 300 رسّاماً وفنّاناً إيرانياً معارضاً، وغالبيتهم من المنفيين خارج إيران.

لم يفاجأ أحد بمشاركة الايرانيين برسوم كاريكاتورية تتناول السيّد خامنئي، زعيم النظام الدينيّ الديكاتاتوري في إيران ورمزه. فهو جمع قادة والقوى والأجهزة الأمنيّة بعد أيام على انطلاق الاحتجاجات وأعطاهم أمراً: “افعلوا ما يلزم لوضع حدّ لها”. واعتبرها “أعمال شغب من تصميم أميركا والنظام الصهيوني”. لذلك استهدف الناشطون والمحتجون الأئمة. ونظّموا حملة ضدّهم تمثّلت برمي العمامات عن رؤوسهم في الشوارع، واجتاحت صور العمامات الطائرة مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت شعار الاحتجاجات.

أن يطالب الإيرانيون وحزب الله الدولة الفرنسيّة بالاعتذار ومعاقبة الصحيفة، فهذا قمّة جهلهم بالأنظمة الديموقراطيّة التي نشأت عن ثورات حقيقيّة

من هنا، فإن الرسوم التي تناولت مرشد الجمهوريّة الايرانيّة توضع في خانة الكاريكاتور السياسيّ. لم تتعرّض لرجل دين يؤم مصلّين في المسجد، بل لقائد سياسيّ وعسكريّ أعطى أوامره للحرس الثوريّ الايراني ولقوّات “الباسيج” بقمع المواطنين الأيرانيين وقتلهم. وقد قتل حتى اليوم ما يزيد على 500 بينهم أطفال ونساء.

رجل الدين والقائد العسكريّ

لطالما شكّل الخلط بين وظيفة رجل الدين والقيادة السياسيّة والعسكريّة إشكالية، لمسلمين أم غير مسلمين: كيف لرجل دين رسالته التبشير بالدين وتعاليمه السمحة مثل المحبّة والمغفرة التسامح، أن يكون قائداً سياسياً وعسكرياً، يخطّط للحروب، يأمر بالقتل، ليس أعدائه فحسب، بل أيضاً أبناء وطنه وأبناء جلدته ممّن يخالفونه الرأي أو لا يخضعون له؟ ولائحة الاغتيالات التي ارتكبها النظام في إيران وحزب الله في لبنان طويلة. وبالتالي يكون المسؤول عن تعرّض البعض، كلاماً أو كتابة أو كاريكاتوراً، لرجال الدين الذين يتعاطون السياسة، هم رجال الدين أنفسهم، لأنّهم يمارسون العمل السياسي والحكم.

اللافت أن وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان يطالب الدول الاسلاميّة بالرد قائلاً: “على الدول الاسلامية ألا تسمح للغرب بإهانة المقدّسات”، فيما السيّد خامنئي هو من يقود منذ عقود سياسة التدخّلات السياسيّة والعسكريّة الإيرانيّة في تلك الدول وغيرها ويهدّدها ويزعزع أنظمتها.

ولىّ زمن التهديد بالإرهاب

أما أن يطالب الإيرانيون وحزب الله الدولة الفرنسيّة بالاعتذار ومعاقبة الصحيفة، فهذا قمّة جهلهم بالأنظمة الديموقراطيّة التي نشأت عن ثورات حقيقيّة. فالحريّة في فرنسا وأوروبا هي المقدّسة، خاصّة حريّة التعبير. لذلك لم تولِ الحكومة الفرنسية وسواها تهديدات طهران وحزب الله أي اهتمام. وهي تقول إنّهم ما زالوا يعيشون في ثمانينيات القرن الماضي، زمن ما ارتكبوه من تفجير وخطف رهائن غربيين. وثورتهم التي ادّعوا أنّها ثورة لتحرير الإيرانيين من دكتاتوريّة الشاه، لم تكن سوى انقلاباً أرسى نظاماً ثيوقراطيّاً ديكتاتوريّاً كبح تقدّم البلاد الإيرانيّة، وريثة الحضارة الفارسيّة العريقة، وعزلها عن العالم، وحبسها في دائرة مذهبية، وأبقاها خارج العولمة والثورة التكنولوجيّة والتطوّر الصناعيّ والتجاريّ، ما خلا صناعة الصواريخ والمسيّرات التي يبيعها اليوم النظام الإيراني لروسيا لقتل الشعب الأوكرانيّ، أحد شعوب أوروبا.

إقرأ أيضاً: البابا الراحل: حوار وتسامح طوال نصف قرن

لهذه الأسباب قامت الاحتجاجات في إيران، وهي مستمرّة. وليس أكيداً أنها ستتوقّف قبل أن يستعيد الشعب الإيراني ماضيه وحاضره ومستقبله الذي خطفته الثورة الإسلاميّة وقتلته كما قتلت مهسا أميني. ورسوم خامنئي الكاريكاتوريّة ليست سوى إحدى وسائل النضال.

إقرأ أيضاً

باسيل بعد جعجع: دفع الثمن مرّتين!

ثمّة خصامٌ شديدٌ بلغَ أحياناً حدّ العداء الشرس، بين سمير جعجع وجبران باسيل، بصفة الأخير وريثاً لميشال عون. مع أنّه لا دمَ مباشراً بين الاثنين….

يحيى جابر يفتح جرح جمّول: بيّي… حارب وانهزَم بِعَنجَر

في حين يبحث الحزب عن شرعية وطنية بين رميش والهبّارية، ليقول إنّ إسرائيل تقصف كلّ الطوائف… يفتح يحيى جابر جرح اغتيال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية…

أزمة المعارضة اللبنانية… السياسة دون أهلها

في لبنان معارضات كثيرة. معارضات لا تجتمع تحت سقف أو تتوحّد حول هدف معيّن أو مطلب محدّد. على الرغم من ذلك تنادي كلّها بالأهداف وبالمطالب…

اجتياح رفح: الخلاف “التكتيكي” بين بايدن ونتنياهو

واشنطن ترفع بطاقة صفراء في وجه إسرائيل. لكنّ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو مستمرّ في المناورة والمماطلة في المفاوضات والتهديد بمواصلة الحرب واجتياح رفح. يراهن…