أوروبا – إيران: حان وقت المواجهة؟

تخطّت إيران (80 مليون نسمة) الصين (1.4 مليار نسمة) في عدد من أعدمتهم، وحلّت في الموقع الأوّل عالمياً في حسبة عدد الإعدامات سنويّاً، بعدما كانت في المرتبة الثانية حسب إحصاءات منظّمة حقوق الإنسان.

لذلك كرّت سبحة الدول الأوروبية التي استدعت سفراء إيران أو القائمين بأعمال البعثات الدبلوماسية الإيرانية لديها، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا التي وجّهت رسائل “شديدة اللهجة” إلى نظام طهران جرّاء قمعه الشديد للمحتجّين، واستخدامه سلاح الإعدام لترويعهم.

من توسّط يوماً وساوى السجّان بالمغلول والجلّاد بالمقموع، لم يعد بإمكانه تبرير وساطته ولا تمريرها. وحزب الله بات يعلم أنّ رياح التغيير التي تهبّ في إيران لن تدعه وشأنه

انفصال عن الواقع

يُعتبر موقف الدول الأوروبية الثلاث الحالي إسفيناً في علاقات النظام الإيراني الخارجية بـ”حلفاء لدودين” خسر “ليونتهم” التي استغلّها سنوات طوالاً على حساب شعبه وحساب شعوب المنطقة، وأبرزها الشعوب اللبناني والعراقي والسوري واليمني.

لم تتدهور العلاقة مع الدول الأوروبية مع بدء الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ استمرّت أوروبا بتقديم صيغ اتفاقات نووية لنظام الخامنئي بواسطة المفوّضية الأوروبية وجوزيب بوريل وزيارات الأخير لطهران. وظلّ الموقف الأوروبي “مائعاً” في اجتماعات محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، فلم تصدر مواقف وبيانات صلبة ضدّ إيران نتيجة تعنّتها في عدم الإفصاح عن المواقع السرّية النووية الثلاثة التي وجد فيها خبراء الوكالة آثاراً لليورانيوم. وتقصّدت أوروبا منع تحويل ملفّ طهران مجدّداً إلى مجلس الأمن وفقاً لآليّة “الزناد” الآيلة إلى إعادة فرض عقوبات مشدّدة عليها، فاستمرّت الدول الأوروبية بـ”محاباة” و”ممالأة” نظام طهران ومحاولة تقريب الفجوات بينه وبين المجتمع الدولي، وخصوصاً مع واشنطن.

لكنّ نظام طهران الملتصق بالمرشد علي خامنئي، المنفصل بدوره عن الواقع، ظلّ يعتبر الاحتجاجات الحالية من صنع “الشيطان الأميركي الأكبر لأنّه يغار من إنجازات ثورتنا”، على حدّ قول المرشد. ويردّد من ورائه كاظم صديقي إمام صلاة الجمعة في طهران: “الجمهورية الإسلامية هي القوّة الأولى في العالم اليوم. والعالم الخارجي ليس على دراية كافية بإنجازاتنا المحيّرة للعقول”. لذا كانت طهران تقرأ أنّ أوروبا تستعطفها عن ضعف لا عن مرونة وعدم رغبتها في إيصال الأمور إلى قمّة التأزّم.

خطآن استراتيجيّان

هنا ارتكبت طهران خطأين استراتيجيَّين:

– شراكتها المباشرة مع روسيا في حربها على أوروبا، وتسيير مسيّرات إيرانية فوق الأراضي الأوروبية، وتهديم بنية أوكرانيا التحتية وإيقاع ضحايا من المدنيين، إضافة إلى استعداد النظام الإيراني لمدّ موسكو بصواريخ أرض – أرض لتضرب أراضي أوروبية.

– تعسّف نظام طهران في ممارسة العنف الشديد على مواطنيه، وتنفيذ أحكام إعدام بحقّ المتظاهرين المطالبين بلقمة العيش والديمقراطية وإسقاط نظام الديكتاتور.

كانت مراهنة نظام طهران على أزمات “القارّة العجوز” لتحسين موقعه التفاوضي، قد حملته على التدخّل سرّاً إلى جانب روسيا قبل أن تصبح شراكته في الحرب علنيّة عبر المسيّرات الإيرانية التي صارت سلاحاً أساسيّاً ضدّ أوكرانيا.

يُعتبر موقف الدول الأوروبية الثلاث الحالي إسفيناً في علاقات النظام الإيراني الخارجية بـ”حلفاء لدودين” خسر “ليونتهم” التي استغلّها سنوات طوالاً على حساب شعبه وحساب شعوب المنطقة، وأبرزها الشعوب اللبناني والعراقي والسوري واليمني

خرجت أيضاً انتهاكات النظام الإيراني ضدّ شعبه إلى العلن مع دخول الانتفاضة الشعبية شهرها الرابع. وبات عرّابو الديمقراطيات والحرّيات في العالم غير قادرين على “تليين” موقفهم من نظام طهران، أو السماح بتقاربٍ و”محادثاتٍ” معه، فيما الرأي العامّ الأوروبي والعالمي في حال شجب وتنديد بوحشيّة نظام طهران.

لا تستطيع بريطانيا الديمقراطية التعامل مع نظام لا يحترم الحقّ في التجمّع والتظاهر والتعبير وإبداء الرأي والدفاع عن النفس. أمّا ألمانيا التي لا تزال تعيش عقدة النازية وسمحت للحرس الثوري وحزب الله وجماعة الإخوان بأن تسرح وتمرح على أراضيها تحت مظلّة شعاراتها وقيمها الديمقراطية والدستورية السامية، فوجدت أمنها القومي في خطر بسبب ممارسات الحرس والحزب والجماعة ونشاطاتهم، فحظرتهم وصنّفتهم في خانة الإرهاب بعدما تمادوا في تهديد أمنها القومي، وصولاً إلى محاولة إيرانيّ تفجير قنبلة بيولوجية سامّة تحت ستار محاباته داعش، لكنّه في الحقيقة والواقع مرتبط بالنظام الإيراني. لذا خسر النظام الإيراني ليونة دول أساسية كانت ملعباً لنشاطه المشبوه طوال سنوات، بعدما قدّم مسيّراته لروسيا كي تدمّر بلداً أوروبياً، وبعدما علّق مشانق الإعدام علناً لشبّان يريدون الحياة والحرّية.

حزب الثقب الأسود

أمّا حزب الله في لبنان فيشنّ عبر وسائل إعلام مقرّبة منه هجوماً على وفد قضائي أوروبي جاء إلى لبنان لتقصّي معطيات ماليّة سوداء في الثقب الأسود اللبناني. يخاف الحزب الإيراني أن يتوسّع التحقيق المالي فيطال تفجير المرفأ، كما كشف موقع “أساس” قبل أيّام.

إقرأ أيضاً: برلمان أميركا “اللبناني”: أسباب العجز عن انتخاب رئيس

يرتبط هذا الخوف بتغيّر الموقف الفرنسي – البريطاني – الألماني من النظام الإيراني، وخسارة الأخير ليونة هذه الدول الموصوفة، ومرونة أوروبا عموماً. قد يدفع حزب الله في لبنان ثمن مسيّرات إيران الروسيّة في أوروبا وكلفة قمع الملالي لشعبهم. والثمن قد يكون باهظاً في السياسة الدولية.

من توسّط يوماً وساوى السجّان بالمغلول والجلّاد بالمقموع، لم يعد بإمكانه تبرير وساطته ولا تمريرها. وحزب الله بات يعلم أنّ رياح التغيير التي تهبّ في إيران لن تدعه وشأنه.

*كاتب لبناني مقيم في دبي

لمتابعة الكاتب على تويتر: BadihYounes@

 

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…