برلمان أميركا “اللبناني”: أسباب العجز عن انتخاب رئيس

في مشهد تاريخي لم يتكرّر منذ عام 1923، أخفق مجلس النواب الأميركي في انتخاب رئيس له إثر 14 جولة اقتراع على مدى 4 أيام متتالية، بعدما فشلت الأغلبية الجمهورية في حشد الأصوات اللازمة لانتخاب مرشّحها كيفن مكارثي رئيساً للمجلس، وفاز هذا الأخير في الجولة الـ15.

وفّر حيثيّات هذا النجاح الرئيسُ الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي دعا بشكل واضح الجمهوريين إلى دعم ترشيح مكارثي، وكتب على شبكته الاجتماعية “تروث سوشيال”: لقد “حان الوقت الآن لكي يصوّت النواب الجمهوريون العظماء في مجلس النواب لمصلحة كيفن (مكارثي).. لا تحوّلوا نصراً عظيماً إلى هزيمة عملاقة ومحرجة”.

لم ينجح مكارثي، النائب عن ولاية كاليفورنيا، خلال جولات الاقتراع الـ14 المتتالية في إقناع مجموعة من زملائه من مؤيّدي الرئيس السابق دونالد ترامب بانتخابه خلفاً لنانسي بيلوسي. فهؤلاء تمسّكوا بموقفهم القائل إنّه “معتدل أكثر ممّا ينبغي”، وهذا ما عكس الخلافات في قلب حزب الجمهوريين المعارض الذي فاز بالأغلبية في مجلس النواب بعد الانتخابات النصفية التي جرت في تشرين الثاني الماضي.

في مشهد تاريخي لم يتكرّر منذ عام 1923، أخفق مجلس النواب الأميركي في انتخاب رئيس له إثر 14 جولة اقتراع على مدى 4 أيام متتالية بعدما فشلت الأغلبية الجمهورية في حشد الأصوات اللازمة لانتخاب مرشّحها كيفن مكارثي رئيساً للمجلس، وفاز هذا الأخير في الجولة الـ15

الحزب الجمهوريّ: مشاكله وأجنداته

عكس تعثُّر انتخاب مكارثي في 14 جولة اقتراع وجود أزمة في الحزب الجمهوري عبّرت عن نفسها بعدم الالتفاف حول مرشّح واحد وانتخابه منذ الجولة الأولى، رغم أنّ عديد الجمهوريين كان أعلى من الديمقراطيين. وعرف هذا الحزب انقسامات غير معهودة، كانت بدايتها مع ظهور الخلل في الحالة الديمقراطية الأميركية مع تأخّر اعتراف ترامب بهزيمته الرئاسية أمام الرئيس الحالي جو بايدن منذ عامين.

تعاظم الخلل في ممارسة حزب الجمهوريين الديمقراطية خلال إدارته النظام السياسي في الولايات المتحدة الأميركية بدءاً من أحداث الكابيتول الشهيرة في 6 كانون الثاني 2021، حين اقتحم مناصرون لترامب المبنى احتجاجاً على هزيمته الانتخابية. ومن يومها راحت الكتلة الجمهورية في مجلسَيْ الشيوخ والنواب تمارس نوعاً من العرقلة لمشاريع القوانين حتى بدا في أحيان مختلفة وكأنّ المشهد “مسروق” من لبنان.

جعل فوز مكارثي مسألة إدارة بايدن للبلاد محلّ تمحيص وتدقيق، ومرهونة بمدى توافق مقترحاته مع أجندة الجمهوريين. ذلك أنّ رئيس الكونغرس يتمتّع بصلاحيّات وسلطات واسعة بصفته رئيساً للبرلمان وأعلى مركز تشريعي في بلاد العمّ سام. وهو الثالث على رأس النظام في الترتيب حسب الدستور الأميركي. ويتحمّل مسؤولية تمرير التشريعات التي يدعمها حزب الغالبية في مجلس النواب، ويختار 9 أعضاء يؤلّفون ما يُعرف بـ”لجنة القواعد” النيابية المعنيّة بتقديم مشاريع قوانين، وله الحقّ في المشاركة والتصويت، ولو أنّ العادة جرت بحكم العُرف أن يكتفي بالتصويت على المسائل والتعديلات الحسّاسة.

ما بلغه الجمهوريون من إرباك في انتخاب مكارثي هو نتيجة تحوّلات في طبيعة الحزب نفسه، منذ العقد الأخير، إلى كتلة سياسية تعبّر عن مصالح القوميين والطبقة العاملة، وقبلهم “المحافظون الجدد”. متغيّرات متتالية لم يستوعبها الحزب فعليّاً على مستوى الممارسة السياسية، فراح يغطّي الخلل بـ”خطاب سياسي شعبوي” يستثير الغرائز ضدّ كلّ ما هو مختلف.

بدأ الجمهوريون تأسيس لجان خاصّة معنيّة بالتنافس مع التنّين الصيني، ووضع حدّ لمعدّل تمويل أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا

الجمهوريّون… أحزاب في حزب

أبعد من ذلك، كشفت جولات الاقتراع الـ15 خلافات الجمهوريين بين بعضهم البعض. فإلى انقسامهم حول شخصية ترامب ووجود كتلة محافظة جدّاً، بدا أنّ هناك صراعاً داخل الحزب على من يقوده فعليّاً ومن هي الشخصية التي تترشّح لانتخابات رئاسة الجمهورية المزمعة بعد سنتين. وفي ظلّ انقسام كهذا قد يستفيد الديمقراطيون من انقسام الجمهوريين من خلال النجاح في استمالة الكتلة الأقلّ يمينيّة ومحافظة.

ما حصل كان كارثيّاً على الحزب الجمهوري، وأظهر ضعفاً شديداً حتى بدا أنّ هناك أحزاباً داخل الحزب الواحد. أعاد هذا الواقع إحياء “اللاثقة” بالحزبين الرئيسيَّين الجمهوري والديمقراطي في العقل الأميركي، فأدّت إلى حالة شديدة من عدم ثقة الشعب الأميركي بمؤسّساته وأحزابه الكلاسيكية، إضافة إلى الارتياب شبه المستمرّ برجالات السلطة، على ما كشف الإعلام الأميركي.

أميركا بين الجمهوريّين والديمقراطيّين

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: إلى أين أميركا في ظلّ خلافات مستحكمة ومعقّدة بين الجمهوريين والديمقراطيين تتعلّق بأساس الدولة؟

الحزب الجمهوري أجندته ومخطّطاته طموحة جدّاً ومغامِرة لدرجة المقامَرة، ووجهته الفعليّة هي عرقلة مشاريع بايدن عبر طرح شعارات رنّانة هي أساساً محلّ تباين جذري بين الحزبين.

ومع فوز الجمهوريين في مجلس الشيوخ، بدا هؤلاء وكأنّهم يستعدّون للانتخابات الرئاسية بعد سنتين. تجلّى ذلك من خلال إعادة الاعتبار لشعارات عدة:

– خفض السياسة الضريبيّة، والإنفاق الحكومي.

– مكافحة ارتفاع معدّل الجرائم.

– تقديم مشاريع قوانين للحدّ من الهجرة غير الشرعية.

إقرأ أيضاً: العنف مزمن في الكونغرس الأميركيّ

هذا في الشأن الداخلي البحت. أمّا على مستوى حضور أميركا الدولي فقد بدأ الجمهوريون تأسيس لجان خاصّة معنيّة بالتنافس مع التنّين الصيني، ووضع حدّ لمعدّل تمويل أوكرانيا في حربها ضدّ روسيا. وهذا موضع معارضة من كلا الحزبين. وذلك إضافة إلى فتح تحقيقات في الانسحاب من أفغانستان الذي فتح شهيّة بوتين على غزو أوكرانيا، وفق رأي الجمهوريين.

إقرأ أيضاً

هل يسير لبنان على خطى غزّة.. نحو التدمير الكامل؟

لا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو أيّ إدارة يمكن أن تخلفها، ولا أيّ حكومة إسرائيلية، بقي رئيسها بنيامين نتنياهو أو رحل، يمكن أن تقبل…

الانتخابات التركيّة: معركة إردوغان – إربكان أيضاً؟

إلى أين ستتّجه أنظار الناخب التركي مساء الأحد المقبل، وهو يتابع نتائج الانتخابات التركيّة المحلّية عبر الشاشات؟ نحو أرقام وحصّة حزب “الرفاه من جديد” الذي…

الجماعة الإسلاميّة: أوقفوا المخالفة الشرعيّة

مثَلُ الأمين العامّ للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقّوش كمثل عبد الله بن مرثد الثقفيّ. الذي عمد إلى قطع حبال الجسر بسيفه في موقعة الجسر بين…

هجوم موسكو: بوتين فاز بـ11 أيلول روسي

ربّما المجزرة، التي نُفّذت في مجمع “كروكوس سيتي هول” الموسكوفي، هي الجرح الأكبر الذي يصيب فلاديمير بوتين منذ جلوسه في الكرملين سيّداً مطلقاً لروسيا. لكنّ…