للجماعة الإسلامية: خطوتان إلى الوراء من أجل خطوة إلى الأمام!

حفلت وسائل الإعلام بأخبار العلاقات المتجدّدة بين الجماعة الإسلامية (= الإخوان المسلمين في لبنان) وحزب الله وجبهة الممانعة والمقاومة (أي طهران وسوريا). وهذه الأخبار ليست جديدة، ولها علاقة بتطوّر صِلات حركة “حماس” بـ”الجماعة” في لبنان، أكثر من كونها تعكس تطوّراً في العلاقة بالحزب ومقاومته.

ولاءات ومساعدات

كانت الجماعة الإسلامية في لبنان دائماً عضواً في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وعندما كان الشيخ فيصل مولوي أمينها العامّ، بلغت منزلةً مؤثّرةً في القرار وفي الإعانات المادّية التي تحظى بها مؤسّساتها ومتفرّغوها من التنظيم الدولي ومن الشيخ يوسف القرضاوي ومن قطر، إضافة إلى علاقاتها بتركيا – إردوغان وبالتنظيمات الإسلامية التي لجأت إليها على وقع الفشل في مصر والثورة والهجرة في سورية والعراق وليبيا والسودان والتراجع في تونس. وقد كان ذلك (أيّ العلائق مع قطر وتركيا) مخرجاً لها بعدما تردّت علاقاتها بالتدريج مع حزب الله في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري 2005 وغزو بيروت 2008، ثمّ قيام الثورة السورية عام 2011.

تتحرّك كلّ الجبهات في شتّى الاتّجاهات، وأبرزها الجبهة التركية التي تريد الخروج من سورية في مقابل إبعاد الأكراد عن حدودها، وإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم

بين عامَيْ 2011 و2015 حدثت قطيعةٌ بين النظام السوري وحركتَيْ الجهاد الإسلامي وحماس. ويرجع ذلك إلى أنّ التنظيمين، وكانت لهما مكاتب وجماهير في سورية، أرادا البقاء على الحياد، مع ميلٍ إلى الثورة من جانب حماس كما ظهر في قتالها بمخيّم اليرموك في دمشق ضدّ نظام الأسد. وأبى النظام السوري عليهما ذلك وطرد قياداتهما واغتال بعضهم. ولأنّ الإخوان المسلمين المصريين الذين كانوا يقودون التنظيم الدولي انقسموا في النهاية بين إسطنبول ولندن والدوحة، ثمّ في إسطنبول، صار “الحماسيون” عماد الحركة الثورية الإسلامية في تركيا وقطر ولندن وتونس. وصارت التنظيمات الصغيرة، مثل الجماعة الإسلامية اللبنانية، تابعةً لهم، وتتلقّى المساعدة منهم حتى اليوم. وقد سوعِدوا في انتخابات البرلمان اللبناني لعام 2022، فحصلوا على نائبٍ واحدٍ من أصل 128 مقعداً، للسُّنّة منهم 27 عضواً.

بين الأسد وتركيا

في عام 2018 صار ثابتاً أنّ النظام السوري باقٍ. وعلى الرغم من تعدّد زيارات الحماسيّين لبيروت ولحزب الله رجاء السيطرة على المخيّمات الفلسطينية بدل فتح، تبيّن لهم أنّه لا بدّ من استعادة العلاقات مع الحزب وإيران، واستطراداً استعادة العلاقات بالنظام السوري(!). وبالفعل مضوا إلى طهران، وكان تنظيم الجهاد قد مضى قبلهم، وبواسطة حسن نصر الله والإيرانيين رضي النظام السوري باستقبالهم. وخلال ذلك كانت خطابات إسماعيل هنيّة تتوالى مادحةً إيران، بل ومادحةً الحوثيين الذين “أعانوا” حماساً على الانتصار في فلسطين.

تتحرّك كلّ الجبهات في شتّى الاتّجاهات، وأبرزها الجبهة التركية التي تريد الخروج من سورية في مقابل إبعاد الأكراد عن حدودها، وإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم. وإذا كان هذا التغيير مفاجئاً وقد يحتاج نجاحه إلى بعض الوقت، فإنّ غير المفاجئ ثبات علاقات تركيا بإسرائيل، ومساعي إردوغان لتحسين العلاقات مع مصر. ويعني ذلك أنّه ما عاد ممكناً لحركة حماس وللإخوان الاعتماد على تركيا.

يتزامن ذلك مع الحملة التي تقوم بها إيران لجمع كلّ الحركات السنّيّة المعارِضة تحت رايتها باسم فلسطين بالطبع، كما سبق لها أن جمعت كلّ الحركات الشيعية التي وجدتها والتي أوجدتها. وما تزال الجبهات قائمةً بين إيران والدول العربية، وأوضح دليلٍ على ذلك البيان السعودي/المصري قبل أيام.

الأهمّ من موقف الجماعة المستجدّ هو الجبهة الجديدة التي تقيمها إيران لتشهرها في وجه العرب وأميركا من لبنان، وربّما من بلدانٍ عربيةٍ أُخرى

على أعتاب نصرالله

يبدو الموقف بين إيران والغرب مسدوداً لجهة الاتفاق النووي والعلاقات الدبلوماسية، فيما زادت تهديدات الحكومة الإسرائيلية الجديدة لطهران، ولذلك جاء وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت لثلاثة أيامٍ للتفاوض على إقامة جبهة عريضة مع الإسلاميين السُّنّة بزعامة حزب الله، وبالطبع يكون العنوان هو فلسطين. وكان أُعلن عن جبهةٍ مشابهةٍ عام 2008 من طهران. لكنّ هذه الأخيرة ما عادت ملائمة الآن وسط التظاهرات فيها، ولا دمشق عادت ملائمة بعد عام 2011، “فلم يبقَ في الميدان غير حديدان”، كما يقول المثل اللبناني.

لكن ماذا تفيد الجماعة الإسلامية في نطاق جبهة المقاومة ومن ضمن نشاطاتها العظيمة الذهاب إلى سورية الأسد؟!

بالطبع لا تفيد شيئاً، وستزيدها هذه الخطوة عزلةً عن الجمهور السنّيّ. وهناك تحليلات لا أدري مدى صحّتها تقول إنّ انتخابات مجلس شورى الجماعة الأخيرة نصرت التيار الإيراني في الجماعة على تيار خالد مشعل. وصحيح أنّ الجماعة تتلقّى المساعدة على الدوام، لكنّها ضعيفة شعبياً وغير مؤثّرة، وربّما لا يزيد جمهورها على مئاتٍ معدودة.

فحتى الأحباش أهمّ منهم. والحزب المسلّح لا يعتمد على هؤلاء أو أولئك، بل على مجموعات فتيان الشوارع الذين يسمّيهم: “سرايا المقاومة”. وخلاصة الأمر أنّ كلّ المسألة خسائر على الجماعة. لكن لماذا ينجحون في لبنان وقد فشلوا في كلّ مكان؟

إقرأ أيضاً: الجماعة الإسلاميّة في محور “المقاومة”

سمعتُ سوريّاً غير حزبي يقول: “إذا لم يتمسّحوا بأعتاب نصر الله والأسد تنقطع عنهم المساعدة”. هي خدمةٌ صغيرةٌ مطلوبة من حركة حماس. ويستطيعون الحديث عن العقائديّات والمقاومة والتحرير وهم جالسون في بيوتهم.

الأهمّ من موقف الجماعة المستجدّ هو الجبهة الجديدة التي تقيمها إيران لتشهرها في وجه العرب وأميركا من لبنان، وربّما من بلدانٍ عربيةٍ أُخرى. على أيّ حال هما خطوتان إلى الوراء، من أجل خطوةٍ واحدةٍ مرجوّة إلى الأمام، وعلى غير طريقة فلاديمير لينين الكفاحيّة.

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…