الصالونات الأدبيّة في طرابلس “تقاوم الفراغ”…

في زمن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حيث ينشط الكتّاب والمثقّفون وينشرون إبداعاتهم ويتناقشون في القضايا الثقافية والأدبية والفكرية، يتوقّع البعض انقراض “الصالونات الأدبية”. في طرابلس التي لا يتجاوز عدد “الصالونات الأدبية” فيها عدد أصابع اليد الواحدة، يُصرّ أصحابها على الاستمرار في فتح بيوتهم لـ”الأدب والثقافة” في أوقات مختلفة. وهو إصرار مبنيّ على قناعة التأسيس الأولى التي أطلقت كتّاباً وشعراء.

تذهب هذه الصالونات الثقافية، إلى جانب انغماسها في مناقشة النتاجات الأدبية، إلى معاينة السياسة بمعناها الثقافي وليس من حيث المضمون السياسي اليومي. فقد حرصت على إرساء العيش المشترك والتطرّق إلى قضايا الناس من منطلق متانة الدولة. تناولت الاستضافات الدورية العلم والدين والأدب والفكر والسياسة والفلسفة والشعر والفنّ والبيئة والصحّة والحياة والمرأة. هذه الصالونات هي عن حقّ حكاية لها تاريخ، وأصحابها يؤكّدون أنّ لها مستقبلاً وستستمرّ.

يُصرّ أصحاب الصالونات على الاستمرار في فتح بيوتهم لـ”الأدب والثقافة” في أوقات مختلفة. وهو إصرار مبنيّ على قناعة التأسيس الأولى التي أطلقت كتّاباً وشعراء

صالون فضيلة واصف فتّال

أُسّس صالون فضيلة واصف فتّال الأدبي في شهر كانون الأول عام 1988، في طرابلس، وهو من أقدم الصالونات. ينظّم ندوة شهرية مفتوحة يرتادها أهل الفكر والفنّ والثقافة والتربية وغيرهم من الشخصيات اللبنانية والعربية بغية خلق مناخ فكري ملائم منفتح على جميع التيارات والاتجاهات والطوائف وتعزيز دور السلام والعدل في لبنان على أسس واضحة من الثقافة والفكر.

كان حلم تأسيس صالون أدبي يراود السيدة فضيلة فتّال منذ أن كانت في الرابعة عشرة من العمر. فقد كانت تقرأ الكثير عن صالون مي زيادة والصالونات الأدبية في فرنسا حين كانت طالبة على مقاعد الدراسة. وعندما ترسّخ الحلم في نفسها ترجمته إلى واقع، فأفردت له مكاناً واسعاً في منزلها، وقد ساعدها في تحقيقه كلّ من الشاعرة ناديا نصّار والأستاذين يوسف مارون ونضال أبو حلقة.

يعقد الصالون ندواته وجلساته ومحاضراته مساء السبت الأول من كلّ شهر، ما عدا شهور تموز وآب ورمضان. وهي تدور حول العلم والدين والأدب والفكر والسياسة والفلسفة والشعر والفنّ والبيئة والصحّة والحياة والمرأة وغيرها. وبعد المحاضرة تنطلق المناقشات الموضوعية بروح رياضية هادئة.

تقول السيدة فضيلة عن صالونها الأدبي لـ”أساس” إنّه “ملتقى فكري حضاري أو منبر حرّ أسعى من ورائه إلى تحقيق بعض الأهداف من خلال دعوة أشخاص إلى المحاضرة فيه، فنقول في هذه المحاضرات ما نريد ونناقش ما نقول، ويكون ذلك وسيلة تواصل وارتقاء. وقد حقّقنا بعض أهدافه، ألا وهي الانفتاح التامّ، وهذا ما كنّا نفتقر إليه في لبنان، على جميع التيارات الفكرية والدينية والسياسية والثقافية وعلى الصالونات الأدبية الأخرى، فلسنا متقوقعين ضمن منطقة معيّنة”.

أمّا عن اختيار المحاضرات فتقول: “يأتي بعد درس دقيق للمحاضِر واتّجاهه الفكري، وتُوجَّه الدعوات إلى الناس عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة التي تغطّي نشاط الصالون على أكمل وجه”.

وتتابع كلامها: “استهلّ الصالون نشاطه الأدبي الأوّل بمحاضرة للأستاذ أنطوان شدياق عنوانها “المرأة الرائدة ودورها في الحياة الأدبية” تحدّث فيها عن أهميّة الصالونات الأدبية وأهدافها وأبرز من أقاموها، وعن ماري هاسكل التي لعبت دوراً مهمّاً في حياة جبران خليل جبران، ثمّ توالت المحاضرات والندوات. يقصد الصالونَ روّادٌ دائمون من كلّ أنحاء لبنان”.

صالون ناريمان الثقافي

صالون “ناريمان الثقافي” يأتي في المرتبة الثانية بعد صالون “فضيلة فتّأل” الذي توقف فترة عن النشاطات بحسب ما روته رئيسة منتدى “صالون ناريمان الثقاقي لـ”أساس” فقالت: “جاءت فكرة تأسيس الصالون بعد توقف صالون مدام فضيلة فتاّل عن النشاطات لفترة، زرتها وقلت لها: “بدي أسس صالون وأول لقاء سيكون معك”.

وتابعت: “بدأ المشوار منذ حوالي 8 سنوات في منزلي مع أول ضيف وكانت السيدة فضيلة فتّال وآخر ضيف في الصالون كانت الاعلامية سمر أبو خليل. هذا الصالون استقبل ما يقارب الـ 70 ضيفاً من خارج مدينة طرابلس والهدف فقط كان تسليط الضوء على هذه المدينة.

منتدى العلّامة الرافعي

الشاعرة فلك مصطفى الرافعي رئيسة منتدى العلّامة الرافعي الثقافي ورئيسة مركز النهوض الإعلامي الثقافي الاقتصادي، تقول لـ”أساس” إنّ “فكرة الصالونات الأدبية جاءت عفوية في بدايتها. وهي قديمة في طرابلس، وقد بدأت منذ حوالي 20 سنة. ويبلغ عددها 5، وأقدمها صالون فتّال، وهي:

1- صالون فضيلة فتّال.

2- صالون ناريمان الثقافي.

2- منتدى العلّامة الرافعي.

3- لقاء الأحد الثقافي.

4- صالون إطار”.

أمّا عن تأثير هذه المجالس في المجتمعات فتؤكّد الرافعي أنّ “لها أهميّة كبيرة بفضل دورها الكبير في إنشاء التواصل وإتاحة النقاش وطرح الآراء المختلفة. تختصّ كلّ ندوة بموضوع معيّن يكون حديث الساعة. وكما قال عنها عميد الأدب طه حسين: المجالس الأدبية على مرّ العصر قد أثّرت في حركة الأدب والشعر تأثيراً كبيراً”.

تاريخ بداية الصالونات عند العرب

عُرِف الصالون الأدبي عند العرب منذ القدم. وهو مجلس يُعقَد في منزل إحدى الشخصيات البارزة في المجتمع، ويشهده عدد من الأدباء والسياسيين والفنّانين ليتناولوا معاً القضايا الأدبية والسياسية والفكرية المختلفة. تذكر بعض المراجع أنّ صالون “عمرة” هو أقدم صالون عربي عرفه العرب.

لم تكن الصالونات الأدبية في الماضي وقفاً على الرجال فحسب، بل شاركت المرأة العربية في مختلف بلاد العرب في هذه الصالونات التي سعى إليها الشعراء والأدباء ورجال الفكر، وكانت بذلك سبّاقة إلى تأسيس الصالونات الأدبية.

في العصر الأمويّ كثرت الصالونات الأدبية، مثل صالونات سكينة بنت الحسين في الحجاز، وعائشة بنت طلحة، وجميلة وغيرهنّ. وكانت المرأة في هذه الصالونات تجالس الرجال وتناقشهم في القضايا الفكرية والأدبية.

إقرأ أيضاً: بيروت: ازدهرت في قرن النكبات… وانفجرت بعده

في العصر العبّاسي اشتُهر صالون فضل العبيدية التي كان بيتها في بغداد ملتقى الأدباء والشعراء.

في القرن العشرين برز صالون مي زيادة، وهو أشهر من أن يعرَّف. ولدت مي عام 1886 في قرية شحتور في لبنان، وتوفّيت في مصر عام 1941. بقي صالونها في الطليعة. فقد كانت هذه الأديبة تمتاز بحلاوة الحديث، وتحيط بالثقافتين العربية والأجنبية إحاطة تامّة. ظلّ صالونها مجمع الأدباء ورجال الفكر والسياسة وملتقى جميع الطوائف والأديان من دون استثناء. وكان يتردّد عليه طه حسين ومصطفى صادق الرافعي.

إقرأ أيضاً

لا حظوظ للمحاولة القبرصيّة.. وعودة النازحين لم تحِن بعد

لا أرقام موحّدة لعدد اللاجئين السوريين في لبنان. مركز الدولية للمعلومات أشار في إحصاء له إلى أنّ عدد النازحين يقارب مليوناً وستمئة ألف سوري. في…

نامَت بيروت على حرب واستفاقت على Hiking العاقورة!

أتت استجابة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للزلزال العسكري الذي ضرب خطّ طهران-تل أبيب متأخّرة بالدعوة إلى عقد جلسة طارئة اليوم لمجلس الوزراء تحوّلت مساءً إلى…

الخبير العسكري خليل الحلو: الحرب الواسعة مازالت ممكنة

بعد أيام عاشها العالم متأهّباً في انتظار إيران، ردّت على الضربة الإسرائيلية لقنصليّتها في سوريا، التي ذهب ضحيّتها قادة في الحرس الثوري. مئات المسيّرات والصواريخ…

الحزب قَلِقٌ.. ويعتبر “حرب الإعلام” بخطورة “حرب الأمن”

في موازاة الحرب العسكرية التي تخاض في قطاع غزة وعلى الجبهات اللبنانية والعراقية والسوريّة واليمنيّة. والتي قد تنضمّ إليها إيران لاحقاً… هناك حروب أخرى تخاض…