الفلسطينيّون أمام سؤال الأسئلة الأصعب؟

لا أحبّ استخدام المصطلح المتداول “الوقوف على مفترق طرق” لأنّ الأفضل منه والأكثر منطقية هو الوقوف أمام أسئلة لا إجابة يقينية عن أيٍّ منها.

والسؤال الأكبر: ماذا بعد انهيار أوسلو؟

بداية لم تكن أوسلو مجرّد محاولة فلسطينية إسرائيلية دوليّة لحلّ القضيّة الفلسطينية، بل إنّها فوق ذلك كانت مرحلة جديدة تحتوي متغيّرات شاملة في حياة الفلسطينيين السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكلّها بُنيت على فرضيّة أن تنجح اتفاقية أوسلو في أن تكون مرحلة قصيرة تهيّئ للانتقال إلى الدولة، وإلى حلّ جميع ما سُمّي بقضايا الوضع الدائم التي هي أركان القضية الفلسطينية، كاللاجئين والحدود والاستيطان والقدس والمياه، وما يتفرّع عن هذه الأركان من قضايا تفصيلية تفضي كما كان مأمولاً إلى نهاية النزاع بجوهره الفلسطيني وامتداداته العربية.

لم تكن أوسلو مجرّد محاولة فلسطينية إسرائيلية دوليّة لحلّ القضيّة الفلسطينية، بل إنّها فوق ذلك كانت مرحلة جديدة تحتوي متغيّرات شاملة في حياة الفلسطينيين السياسية والاقتصادية والاجتماعية

خيارات الفلسطينيّين والبديل الأصعب

بنى الفلسطينيون حياتهم على هذا الأساس، وأقاموا سلطتهم ومؤسّساتهم الجديدة وقوامها برلمان منتخب لأهل الضفّة وغزّة، وحكومة منبثقة عن البرلمان، وأجهزة مدنية وأمنيّة عديدها عشرات الألوف. كلّ ذلك جرى بتنسيق كامل مع إسرائيل التي كان من المفترض أن تنسحب بعد خمس سنوات، وكلّ ذلك الجديد غطّاه إنفاق دوليّ سخيّ.

في فترة زمنية قياسية تجمّد أو انتهى كلّ هذا، ووجد الفلسطينيون أنفسهم يعيشون البديل الأصعب وهو الحرب: معارك كبرى تُستخدم فيها الطائرات للهجوم على غزّة، بالإضافة إلى معارك دامية متقطّعة في الضفّة، بالتوازي مع قيادة أرباب الحرب في إسرائيل لكلّ إجراءات الخنق والحصار التي لم تسلم منها أصغر قرية فلسطينية.

استغرقت رحلة انهيارات أوسلو سنوات حفلت بمحاولات عديدة لوقفها عند حدّ يمكن أن يُعيد الحياة إليها. لكن في السباق بين محاولات وقف الانهيار ووقائع ما كان يجري على الأرض كانت النتيجة محسومة تماماً، وهي وصول الأمور إلى الانهيار الشامل الذي نراه الآن. فقد جاءت حكومة إسرائيلية برنامجها المعلن محو بقايا أوسلو وإلغاء أيّ إمكانية لقيام دولة فلسطينية. ليس هذا وحسب، بل هناك إحجام من قبل عرّابي أوسلو الأميركيين والأوروبيين عن بذل أيّ جهد يتجاوز التنقيط في حلق السلطة الفلسطينية لإبقائها على قيد الحياة ولو في الرمق الأخير.

استغرقت رحلة انهيارات أوسلو سنوات حفلت بمحاولات عديدة لوقفها عند حدّ يمكن أن يُعيد الحياة إليها

الخشية من إعلان وفاة أوسلو

لم يجرؤ أحد من أطراف اتفاقية أوسلو المباشرين والعرّابين على الجهر بوفاتها خشية المضاعفات الكارثية التي لا بدّ أن تنجم عن إعلان كهذا، وخشيةً من استبداد حالة الفراغ التي تنتج مزيداً من العنف وفقدان السيطرة.

اليمين المتشدّد الذي يحكم الإسرائيليّين قصير النظر. يعتبر هذا اليمين أنّ انهيار أوسلو وانهيار السلطة الفلسطينية معها هما الإنجاز السياسي الأهمّ الذي يسعى إليه ويجدّد ولايته من خلاله.

أمّا الفلسطينيون فيعتبرون الانهيار نهايةً لحلم تحقيق دولة من خلال التفاوض والدعم الدولي، وخصوصاً الأميركي. وحتى الآن لم يحصلوا على أكثر من جملة لا معنى لها يصدرها الأميركيون، وهي تفضيل حلّ الدولتين مع إقرار بأنّه ليس في متناول اليد بل وأبعد البعيد.

والحالة هذه يقف الفلسطينيون أمام سؤال: ماذا بعد الانهيار؟ وماذا بعدما حدّد نتانياهو أسقف الحلّ: “حكم ذاتي أبدي وسمّوه ما شئتم، وسيطرة أمنيّة أبدية، وتحت هذه الأسقف تعالوا لنتفاوض”؟

لدى الفلسطينيين توجّهات متعدّدة ومتعاكسة. السلطة الفلسطينية تتبنّى مواصلة التحرّك السياسي على الصعيد الدولي وحثّ العرّابين القدامى لعملية أوسلو كي يتدخّلوا للجم إسرائيل في حربها المتمادية عليهم. وعلى الساحة الفلسطينية أجندات أخرى مغايرة تتبنّاها قوى جدّية ومسلّحة أوجدت لنفسها حاضنة شعبية تزداد اتّساعاً كلّما ظهر ضعف السلطة في العديد من المناطق.

إقرأ أيضاً: هل يكون عبّاس الرئيس الأخير؟

أمّا ما يُسمع من دعوات إلى التوحّد فلم يجد حتى الآن سبيله إلى التحقّق ولو بخطوات أوّلية. وهذا يعني في الخلاصة أنّ الفلسطينيين يقفون أمام شبكة من أسئلة لا إجابة محدّدة عليها. وبقدر ما هم بحاجة إلى جواب موحّد يمليه التحدّي المصيري الماثل أمام أعينهم وفي أعمق أعماق حياتهم ومصيرهم، فهم ما يزالون يتحدّثون عن الخطر ويختلفون على كيفية مواجهته، وهنا يكمن المأزق الذي لم تظهر بعد بوادر الخلاص منه.

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…