الحزب إن مشى “على البيض”…

الحزب إن مشى “على البيض”…

مدة القراءة 4 د.

“شو عم تمشي ع البيض؟”… مثال بيروتيّ زقاقيّ قديم جدّاً، كنت أسمعه منذ طفولتي ولم أعرف معناه إلّا بعدما نَمَت قدراتي الاستيعابية، وخرجت من سنّ الطفولة إلى المراهقة. فحينئذٍ علمت أنّ المشي “على البيض” يعني أن تسير بحذر وهدوء حتى لا تتعثّر أو تقع فـ”تفكّ رقبتك”.

هو مثل يُستعمل لوصف كلّ بطيء في الحركة أو في اتّخاذ القرارات يحسب خطواته بعناية ويدرسها ويحاذر، يتوجّس شرّاً ضارباً “أخماساً لأسداس”، وهو مثل آخر عربيّ قديم يدلّ على مماكرة وخِداع، إذ يقول الرجل قولاً ويريد غيرَه، ولهذا كانت تقول العرب لِمَن لا يعرف المكرَ والخديعة والدهاء: “لا يعرف ضَرْب أخماسٍ لأسداس”.

وفي المكْر والخداع قال ثعلب إمام الكوفيين (من الكوفة وليس تلك المادّة المنبّهة الموجودة في القهوة):

إِذَا أَرَادَ امْرُؤٌ مَكْراً جَنَى عِلَلاً … وَظَلَّ يَضْرِبُ أَخْمَاساً لِأَسْدَاسِ

والأخماس في “لسان العرب” هي رعي الإبل وإيرادها خَمسةَ أيَّام. أمّا الأسداس فرعيها وإيرادها سِتَّةَ أيام… وهذا حال “حزب الله” اليوم: يسير “على البيض” في مقاربة الملفّ الرئاسي، ويضرب أخماساً لأسداس لإنتاج Version 2 لجلسة الحكومة.

انحدر بنا النقاش من “الاستراتيجية الدفاعية” و”ضبط السلاح” إلى “نقار” باسيل مع برّي أو “نقار” الحزب نفسه مع باسيل وتيّاره… أفلا تسرِّحوهنّ سراحاً جميلاً فيرحمني ويرحمكم الله!

يمشي “على بيض” في الكشف عن مرشّحه الرئاسي، فيتحفنا بغزارة أوراقه البيض (على عكس القمصان السود، فيا سبحان الله) في صندوق المجلس… وكأنّه يقول للمجتمع الدولي: “هيّاها فاضية… تعا نتّفق حتى أكتب الاسم”.

يمشي “على بيض” في مقاربة خلافاته مع رئيس الظلّ الأسبق (رئيس الظلّ الحالي رياض سلامة)، ويحاذر و”يُمَكيِج” ويطلس “حمرا وبودرة” كي لا “يقطم” فيخسر ورقة “مار مخايل” (السلام لاسمه).

يمشي “على بيض” أيضاً في تعاطيه مع ملفّ الكهرباء بعدما “كَهرَبَت” بيئته الحاضنة وشاهدنا على “المِغراد” أناساً من وزن غالب أبو زينب يتذمّرون من انقطاع التيار الكهربائي، ومن فرع سالم زهران يدعو القضاء إلى دكّ الرئيس نجيب ميقاتي وغيره من الحلفاء في السجون نتيجة صعوده 8 طوابق “ع الدرج”، أو من خامة المنشد علي بركات الذي يلوم الحزب في مقاربة هذا الملفّ، مهدّداً بعدم “خوض البحر معه أبداً.

أمّا في الملفّ الحكومي فيضرب الحزب أخماساً لأسداس، ويقول الشيء ونقيضه: يتّفق مع ميقاتي (ساعي البريد) على إنتاج جلسة حكومية جديدة، ثمّ يخرج في إعلامه والإعلام الموالي له محذّراً ذاك “الساعي” من مغبّة “نصب كمين” (كمين على مين؟).

يعود مرّة أخرى إلى ضرب “أخماس لأسداس”، فيعلن أنّه مع توافق الجميع من أجل المشاركة في الجلسة، التي دعا إليها “ساعي البريد”.

بعد ذاك يضرب أخماسه لأسداسه مجدّداً، فيعلن أنّه سيشارك، لكن بشرط أن يتضمّن جدول الأعمال بنداً يتيماً يخصّ الكهرباء.

يضرب الحزب “أخماساً لأسداس” مرّة أخرى وإضافية، فيخبرنا أنّه بريء ولا قدرة له ولا حول، وأنّ “الساعي” ميقاتي “فاحش وما عم يتهدّى”… في حين أنّ عمّتي فوزيّة التي لا تتابع سياسة تعرف أنّ “الساعي” لا يتحرّك إلاّ بضوء أخضر من الحزب الذي يحتار كيف يوزّع “البيض” على الأسلال!

إقرأ أيضاً: تخريجة غضب الأهالي “شي فاشل”!

بين “البيض” الذي يتفنّن الحزب في السير عليه، وبين “الأخماس والأسداس” نقبع نحن في الوسط. بل ننحدر أكثر وأكثر… فبعدما كانت طامتنا مع ذاك الحزب تفلُّت سلاحه داخل الحدود وخارجها، أمسينا أسرى خلافاته مع حلفائه، التي تشبه كثيراً “النقار” بين الزوجات.

انحدر بنا النقاش من “الاستراتيجية الدفاعية” و”ضبط السلاح” إلى “نقار” باسيل مع برّي أو “نقار” الحزب نفسه مع باسيل وتيّاره… أفلا تسرِّحوهنّ سراحاً جميلاً فيرحمني ويرحمكم الله!

لمتابعة الكاتب على تويتر: abo_zouheir@

إقرأ أيضاً

من يجرؤ على مواجهة الحزب.. قبل تدمير لبنان؟

تكمن المشكلة المزمنة التي يعاني منها لبنان في غياب المحاسبة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بقضايا كبرى في مستوى دخول حرب مع إسرائيل بفتح جبهة جنوب…

لماذا لا يرى أتباع إيران الحقيقة؟

لو صدّقت إيران كذبتها فذلك من حقّها. غير أنّ حكاية الآخرين مع تلك الكذبة تستحقّ أن يتأمّلها المرء من غير أن يسبق تأمّلاته بأحكام جاهزة….

حسابات أنقرة في غزة بعد 200 يوم

بعد مرور 200 يوم على انفجار الوضع في قطاع غزة ما زالت سيناريوهات التهدئة والتصعيد في سباق مع الوقت. لو كان بمقدور لاعب إقليمي لوحده…

مقتدى الصدر في آخر استعراضاته المجّانيّة

لا يُلام مقتدى الصدر على استعراضاته المتكرّرة بل يقع اللوم على مَن يصدّق تلك الاستعراضات ويشارك فيها. وقد انخفض عدد مناصري الصدر بسبب ما أُصيبوا…