عبد اللهيان في لبنان للردّ على السعوديّة ومصر

لم تمضِ ساعات قليلة على صدور بيان لجنة المتابعة والتشاور السياسي على المستوى الوزاري بين السعودية ومصر حتى هبط وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في بيروت في زيارة

مفاجئة للّبنانيين حكومةً وشعباً، الأمر الذي يجعل من غير المنطقي عدم ربط حضور رأس الدبلوماسية الإيرانية إلى بيروت ببيان لجنة المتابعة. هذا البيان، الذي صاغه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله ووزير الخارجية المصري سامح شكري أول من أمس، اقتضى حضور عبد اللهيان إلى بيروت من أجل ردٍّ لا يعبّر عنه بيان صادر عن الخارجية الإيرانية أو عن حلفاء إيران في لبنان.

إنّ قراءة هادفة لمضمون البيان السعودي المصري والتمعّن في المفردات التي ساقها يؤكّدان ما أثار ردّة الفعل الإيرانية. فقد استعاد البيان تعابير ومفاهيم من الزمن العربي الجميل، كانت أضحت طيّ النسيان بعد انكسارات وتراجعات حادّة عاشها مسار العروبة في محطّات عديدة منذ انطلاقته في خمسينيات القرن الماضي. وإذ يستعيد البيان هذه المفاهيم فإنّ طهران تقرأها من خلال موازين قوى جديدة تتشكّل في المنطقة وتتبلور بوتيرة متسارعة في ظلّ صعود واضح لدول الخليج العربي على المستويين الدولي والإقليمي، وامتلاكها عناصر القوة اللازمة الاقتصادية والعسكرية، وتحالفها المتوازن مع مصر الدولة التي يضيف حضورها إلى أيّ منتدى عربي ثقلاً وازناً وبُعداً إقليمياً تتفرّد به من دون منازع.

مفاجئة للّبنانيين حكومةً وشعباً، الأمر الذي يجعل من غير المنطقي عدم ربط حضور رأس الدبلوماسية الإيرانية إلى بيروت ببيان لجنة المتابعة

محوريّة السعوديّة ومصر مقابل إيران

استُهلّ البيان بالتأكيد على محوريّة الدولتين (مصر والسعودية) في محيطهما، ودورهما القيادي في تحقيق استقرار المنطقة سياسياً واقتصادياً، نافخاً الحياة في تعبير الأمن العربي بمفهومه الكلّيّ الذي لا يتجزّأ، ومؤكّداً رفض”محاولات أطرافٍ إقليمية التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية، أو تهديد استقرارها وتقويض مصالح شعوبها”. وإذ يفنّد البيان مصادر التهديد عبر أدوات التحريض العرقي والمذهبي، أو أدوات الإرهاب والجماعات الإرهابية، أو عبر تصوّرات توسّعية لا تحترم سيادة الدول أو ضرورات احترام حسن الجوار، فإنّما يشير بكلّ وضوح إلى الدور الإيراني في المنطقة العربية من دون أيّة مواربة.

أعادتنا بقعة الاهتمام العربية التي شملها البيان إلى خطاب افتقدناه منذ معاهدات السلام المنفردة مع إسرائيل. وكان مضمون البيان ينطلق من حماية نقاط القوّة والميزات التي يستند إليها جيوبوليتيك المنطقة العربية من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي مروراً بأمن الممرّات المائية وحرّية الملاحة فيها. عبّرت كلّ فقرات البيان صراحة عمّا يمكن توصيفه بالمخاطر الإيرانية على الأمن القومي العربي، متناولةً “أمن وسلامة الملاحة في الخليج العربي ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، واستمرار الميليشيا الحوثية الإرهابية في استهداف أمن ممرّات الملاحة الدولية”، وأكدّت على الدور العربي في حفظ أمن الطاقة العالمي واستقرار إمداداته.

لقد حظي كلّ من العراق وسوريا ولبنان بمواقعهم في البيان، وكان القاسم المشترك في ما يعني الدول الثلاث هو التشديد على استعادة الدولة الوطنية ومؤسّساتها والسير في تحقيق الإصلاح السياسي ورفض كلّ أشكال التدخّل ومكافحة الإرهاب والميليشيات المسلّحة. لقد اعتبر البيان أنّ عودة العراق إلى مكانته الطبيعية هي أحد مرتكزات الاستقرار في المنطقة العربية. وأكّد دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلّة استناداً إلى مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وإلزامية سلميّة المشروع النووي الإيراني، ودعا إلى إطلاق العملية السياسية في سوريا من خلال مفاوضات سورية – سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254 (المتعلّق بوقف إطلاق النار والتوصّل إلى تسوية سياسية). وفي هذه الدعوة إعلان شراكة مع القوى الدولية تحت سقف الالتزام بقرارات مجلس الأمن ورفض سائر المنتديات التي اعتُمدت من آستانة حتى اللقاءات الثلاثيّة التي تجمع تركيا وإيران وروسيا لابتكار مخارج مؤقّتة للأزمة.

لن تختلف طبيعة ومهامّ الوزير عبد اللهيان في بيروت عن التعبيرات الحادّة والسافرة للدبلوماسية الإيرانية خلال الأسبوعين المنصرمين ليس أقلّها الاحتجاج على استخدام مسؤولين عراقيين

الردود الإيرانيّة من “ساحاتها”.. العراق ولبنان

لن تختلف طبيعة ومهامّ الوزير عبد اللهيان في بيروت عن التعبيرات الحادّة والسافرة للدبلوماسية الإيرانية خلال الأسبوعين المنصرمين ليس أقلّها الاحتجاج على استخدام مسؤولين عراقيين، ومنهم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني خلال بطولة “خليجي 25″، مصطلح “الخليج العربي”، وتلاه استدعاء السفير العراقي لديها وإبلاغه احتجاجها على عدم تسمية الخليج بـ”الفارسي” بما يتنافى مع أبسط الأصول الدبلوماسية، علماً أنّ هناك سبع دول عربية مطلّة على الخليج ودولة فارسية وحيدة، إضافة إلى إرسال وفد إيراني إلى بغداد للضغط على حكومة محمد شياع السوداني لإصدار وثيقة رسمية تعترف بأنّ سليماني كان ضيفاً رسمياً في العراق لدى اغتياله فجر 3 كانون الثاني 2020.  

إقرأ أيضاً: إيران لا تتدخّل في لبنان؟!

تأتي ردود الوزير عبد اللهيان التي يستكملها من بيروت في إطار الردّ على خطاب عربي متجدّد جسّده اللقاء المصري السعودي ويستند إلى تبنّي قضايا دول المنطقة واعتبارها شأناً عربياً ينبغي حلّه في إطار عربي، ويُعيد الحياة إلى مسارات سابقة لا بدّ من إحيائها. إنّ التصريحات المقتضبة للوزير الإيراني، التي دعت إلى حوار سياسي لإنهاء الشغور الرئاسي واعتبرت الأمن اللبناني جزءاً من أمن إيران وكرّرت “معزوفة” مساعدة لبنان في مجال الطاقة، هي رسالة اعتراضية موجّهة إلى السعودية ومصر من إحدى الساحات التي تسيطر عليها إيران، وهي استعراض للقوّة للتأكيد أنّ هناك محوراً ثالثاً لا يمكن القفز من فوقه، وهناك دولاً لا يمكن تعريب أزماتها.

فهل تُحوّل زيارة عبد اللهيان الدعوة للحوار إلى استدعاءٍ للحوار؟ وهل هناك إملاءات جديدة لم تتّضح تفاصيلها؟ وهل تخضع عروبة لبنان لاختبار مماثل لذاك الذي تعرّض له الخليج العربي؟

 

* مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات

إقرأ أيضاً

ساعات الخيارات الصّعبة

“غد بظهر الغيب واليوم لي   وكم يخيب الظنّ بالمقبل” (عمر الخيّام) بالبداية، ليس لواحد مثلي مرتبط بشكل لصيق بقضية فلسطين ومبدأ مواجهة الاستعمار ومكافحة الظلم…

أين العرب في اللحظة الإقليميّة المصيريّة؟

الوضع العربي مأزوم. العرب في عين العاصفة. لا يحتاج الأمر إلى دلائل وإثباتات. سوريا كانت لاعباً إقليمياً يُحسب له ألف حساب، صارت ملعباً تتناتش أرضه…

ضربة إسرائيل في أصفهان وصفعة الفيتو في نيويورك

هل نجحت أميركا بـ”ترتيب” الردّ الإسرائيلي على طهران كما فعلت في ردّ الأخيرة على قصف قنصليّتها في دمشق؟ هل نجحت في تجنّب اتّساع المواجهة بين…

غزة: العودة من الركام إلى الركام

احتلّت الحرب على غزة منذ انطلاق شراراتها الأولى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إلى أيّامنا هذه، أوسع مساحة في المعالجات الإعلامية المرئية والمقروءة…