باراشوت الحريري يهبط في قبرص

سألني صديقي وهو شيخ معمَّم: “تلقّيت دعوة من بهاء الحريري للقاء في قبرص. بماذا تشير عليّ؟”، فقلت له: “من يراهن على فرس خاسر هو مقامر غبيّ”.

وأضفت قائلاً: “مولانا دعك من السجع ولندخل في حقيقة ما يمكن أن يصير”.

يهوى بهاء الحريري ببنيته وتكوينه النفسي القهر والخيبة والهزيمة، فلا ينتهي من خيبة حتى تراه يبحث عن أخرى، ولا يخرج من هزيمة حتى يسارع إلى التورّط بغيرها.

لم يتعلّم من خيبة الانتظار في أحد فنادق العاصمة السعودية الرياض عام 2017، ولم يرتوِ من هزيمة الانتخابات النيابية في 2022، وما فعله به الصناديقي حين طارت صناديق المال بين أرامل وعوانس طرابلس وبيروت. هذه الصناديق التي تحمل ملايين الدولارات لم تظهر نتائجها في صناديق الاقتراع وبين الناخبين، بل بُعثرت على ملذّات وسيّارات وأتعاب أطبّاء التجميل.

يهوى بهاء الحريري ببنيته وتكوينه النفسي القهر والخيبة والهزيمة، فلا ينتهي من خيبة حتى تراه يبحث عن أخرى، ولا يخرج من هزيمة حتى يسارع إلى التورّط بغيرها

مستشار مطران يدعو مفتياً

كيف لعاقل أن يُرسل مستشار مطران ليدعو مفتياً إلى لقاء في قبرص خارج الحدود خلف البحار؟ وكم لنا من ثارات مع تلك البحار التي غرق فيها الكثير من أبنائنا هرباً من سياسات “التعتير”؟! كيف لصاحب حكمة أن يكلّف ناشطاً ركب الثورة مرّة وتسلّق عليها حتى بات قابعاً “سوا سوا” مع مجموعة من الخائبين؟ كيف يُكَلّف مثل هذا الشخص أن يجمع كوادر سُنّة لبنان في النقابات والجمعيات لكي يستدعيهم إلى قبرص حيث اللقاء العظيم؟!

مسكين بهاء الحريري. فهو مغرم بالهزائم والعذاب وسوء التقدير. الناس لم تكفر عاطفياً من شقيقه، بل اعترضت على إدارته وسوء قراراته وإغفاله ما كان يجب أن يُقرَّر ويصير. الناس هربت من الحريرية السياسية بما هي ممارسة يومية لأنّها تريد أن تصنع مستقبلها وحدها، من دون وصاية أو هيمنة.

من حقّ بهاء الحريري أن يعمل بالسياسة ساعياً إلى السلطة والمناصب والزعامة، لكن ليس من حقّه أن يستدعي طائفة بمشايخها وكوادرها إلى قبرص وكأنّها مجلس إدارة في إحدى شركاته التي ورثها عن أبيه من دون جهد أو كفاءة لم يُعرف بها عند القريب أو البعيد.

كان الأجدى ببهاء أن يحضر إلى بيروت عبر المطار الذي يحمل اسم والده ليتشاور مع الناس طارحاً رؤيته، ولهم الحريّة أن يقتنعوا بما يقول أو أن يعترضوا. هذه صفات الحُرّ، والسُنّة  طائفة الأحرار.

كان الأجدى ببهاء أن يحضر إلى بيروت عبر المطار الذي يحمل اسم والده ليتشاور مع الناس طارحاً رؤيته، ولهم الحريّة أن يقتنعوا بما يقول أو أن يعترضوا. هذه صفات الحُرّ، والسُنّة  طائفة الأحرار

باراشوت الحريري

يهبط باراشوت الحريري اليوم في قبرص لأنّها الأقرب والأقلّ كلفة من حيث ثمن بطاقات السفر. اختارها بهاء الحريري لتكون فيها إطلالته الأولى بعد مسلسل فشله الذريع. سيعقد سلسلة من اللقاءات التشاورية تشمل ما يفوق 200 شخصية، أكثريّتها سنّيّة استُقدمت من كلّ المناطق اللبنانية، وذلك ابتداء من نهار الجمعة المقبل في 13 الجاري حتى 22 منه.

ستكون الجلسات التشاورية دائريّة بشكل يوميّ وفقاً للاختصاصات والتوجّهات، وسيُخصّص بعضها للمفتين (لم يوافق أحد منهم على الحضور سوى من هو محسوب على حزب الله وحلفائه) ورجال الدين، وبعضها الآخر لكوادر نقابية في المهن الحرّة، وبعضها الثالث لطلاب الجامعات وغيرهم بحيث تشمل كلّ القطاعات المجتمعية.

 

احفظوا ذكرى رفيق

من حق السُّنّة في لبنان أن يعيشوا حرّيتهم، وأن يحلموا كيف يكون مستقبلهم. من حقّهم أن يوالوا فلاناً أو علّاناً، وأن يخطئوا أو يصيبوا في خياراتهم السياسية وغير السياسية، لكن ليس من حقّ أيّ كان أن يعتبرهم جزءاً من إرثه الذي حصل عليه إثر وفاة والده.

السُنّة لم يختبروا بتاريخهم الإقطاع والمقاطعجيّين. هم نموذج للحيويّة السياسية، وسبّاقون دائماً إلى إحداث التغيير. هكذا فعلوا في الانتخابات النيابية الماضية، وكرّروا ذلك في انتخابات المفتين. لا أحد يملك الحقّ باختصارهم واعتبار أنّهم تحت الطلب ساعة يريد.

السُّنّة عندما يتجمّعون يكون تجمّعهم في دار الفتوى، أو في ساحات مدنهم العظيمة صيدا وبيروت وطرابلس وعكار وفي البقاع الجميل.

إقرأ أيضاً: سُنّة لبنان والجيش وقيادته.. حكاية ثقة

السُّنّة ليسوا بحاجة إلى أرض الغربة كي يتجمّعوا، فكيف إذا كانت الدعوة لهم إلى التجمّع في قبرص، تلك الجزيرة التي عندما تسأل اللبنانيين عمّا تشتهر به يقولون لك “تجارة الحمير”.

في ختام الكلام دعوة صادقة لأبناء الرئيس الشهيد رفيق الحريري: أوقفوا كلّ هذه الترّهات، واحفظوا ذكرى رفيق.

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…