لا يزال مسموحاً للّبناني بأن يحلم!

ليس العجز عن انتخاب رئيس للجمهوريّة في لبنان سوى تعبير عن نجاح “حزب الله” في تغيير النظام المعمول به، أي دستور الطائف الذي تعرّض لحرب شعواء منذ ولادته في خريف عام 1989. لم يعد من علاقة لِما يدور في لبنان حالياً بالطائف ودستوره من قريب أو بعيد.

 

إيران تحاور أميركا عبر لبنان

ما بدأه الاحتلال السوري، عندما اغتال رينيه معوّض، أول رئيس منتخب بعد الطائف، من أجل تأكيد رفضه للاتّفاق في حال لم يجعل منه الوصيّ على لبنان والحَكَم بين اللبنانيين، تستكمله في أيّامنا هذه إيران. لم تعد “الجمهوريّة الإسلاميّة” تتردّد في الإعلان صراحة، عبر أداتها اللبنانيّة، أنّها تحكم لبنان وترفض انتزاع هذه الورقة منها.

لا تزال إيران تعتقد أنّ لبنان ورقة مهمّة لها في عمليّة الابتزاز الواضحة لأميركا المستمرّة منذ تشرين الثاني من عام 1979 عندما احتجز النظام الجديد، الذي خلف نظام الشاه، دبلوماسيّي السفارة الأميركيّة في طهران طوال 444 يوماً من دون حصول ردّ فعل أميركي. كان كلّ ما حصل أن فاز الجمهوري رونالد ريغان على الديمقراطي جيمي كارتر بفضل إيران. لم يطلِق محتجزو الرهائن الدبلوماسيين الأميركيين قبل موعد الانتخابات الرئاسية والتأكّد من فوز ريغان الذي كان عقد صفقة سرّيّة مع طهران عبر وليم كيسي الذي أصبح لاحقاً مديراً لـ”سي. آي. إي”.

يبدو لبنان مقبلاً على أيّام صعبة تفوق في صعوبتها تلك التي مرّت عليه في السنوات الستّ التي أمضاها ميشال عون وصهره جبران باسيل في قصر بعبدا

لبنان ساحة إيرانيّة

يبدو لبنان مقبلاً على أيّام صعبة تفوق في صعوبتها تلك التي مرّت عليه في السنوات الستّ التي أمضاها ميشال عون وصهره جبران باسيل في قصر بعبدا. تكفّل الثنائي الرئاسي، الذي لا يزال غير مصدّق أنّه بات خارج القصر الجمهوري، باستكمال بنود دفتر الشروط المطلوب منه تنفيذها بموجب الأجندة الإيرانيّة التي تعمل تحت عنوان عريض هو “لبنان الساحة”. لذلك جهد الثنائي في ضرب كلّ مقوّمات الوجود اللبناني بدءاً بالنظام المصرفي وانتهاء بالتعليم، مروراً بالعلاقات العربيّة للبنان ونظامه التعليمي وكلّ ما له علاقة بالحياة اليوميّة للمواطن مثل الكهرباء والماء.

كرّس الثنائي الرئاسي واقعاً لم يعد في استطاعة لبنان الإفلات منه في ظلّ موازين القوى في الداخل وفي المنطقة. من بين ما كرّسه أنّ “حزب الله” يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة اللبنانية على غرار تمسّكه بوزارة المال بغطاء من حركة “أمل”. من هنا، لا يحقّ لا لميشال عون ولا لصهره الاعتراض على أيّ تصرّف للحزب أو للحركة بعدما قبلا بالوصول إلى قصر بعبدا كمرشّحين لإيران وليس لأيّ طرف آخر.

 

الحزب ورهاناته 

في ضوء الغياب المتعمّد لوجود رئيس للجمهوريّة من نوع مختلف عن ميشال عون، لم تعد في لبنان شخصيّة سياسيّة قدوة في وقت يسعى “حزب الله” إلى “حوار”. هدف “الحوار” انتخاب رئيس “لا يطعن المقاومة في الظهر”، بمعنى تأكيد أنّه من يختار للّبنانيين رئيس جمهوريّتهم.

هل يعني ذلك أنّ الأمل في استعادة لبنان في يوم من الأيّام بات مقطوعاً، وأن لا حدود للانهيار الذي عمل من أجله، ولا يزال يعمل، الاحتلال الإيراني مستخدماً أداته المسيحيّة المفضّلة، وهي “التيّار الوطني الحرّ”؟

من الصعب الرهان على أنّ انتخاب رئيس الجمهوريّة يمكن أن يصنع فارقاً في غياب للجمهوريّة نفسها. لكنّ المنطق يفرض أيضاً عدم إغلاق كلّ الأبواب والنوافذ التي يمكن أن يدخل منها ولو شعاع أمل. من بين هذه الأبواب والنوافذ انتخاب رئيس للجمهوريّة يكون مثالاً يُحتذى به، رئيس للجمهوريّة يستطيع صنع فارق كما كان عليه فؤاد شهاب وقبله كميل شمعون، إلى حدّ ما.

الرئيس المطلوب 

يبدو مطلوباً وجود رئيس لم تلوّثه صفقات بواخر الكهرباء ولا السدود ولا عقوبات أميركيّة عليه بموجب قانون ماغنتسكي المتعلّق بالفساد. يبدو مطلوباً رئيس للجمهوريّة يعرف كيف تُدار مؤسسات الدولة ومعنى وجود الموظّف الصالح الكفوء والنظيف الكفّ في المكان الصالح، أكان هذا الموظّف مسيحياً أو مسلماً. مطلوب رئيس للجمهورية يحترم القضاء ولا يحتقره على طريقة ميشال عون. مطلوب رئيس يصارح اللبنانيين بحقيقة وضعهم في كلّ مجال من المجالات، وبما يستطيع عمله وما يستحيل عليه عمله… وبما حلّ بأموالهم وأموال العرب والأجانب المودعة في المصارف المفلسة، في معظمها.

الأهمّ من ذلك كلّه، مطلوب رئيس من خارج الطبقة الحاكمة، رئيس يعرف العالم العربي عن ظهر قلب ويعرف ما هي إيران وكيف التعاطي معها ويعرف خصوصاً العالم وكيف يعمل هذا العالم وكيف تعمل المؤسّسات الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، وعلاقتها بالإدارة الأميركيّة وكبار المساهمين فيها، بما في ذلك الجهات العربيّة النافذة.

هل الحلم بمثل هذا الرئيس ما زال مسموحاً به في غياب شخص مثل نسيب لحّود، حلّ مكانه في البرلمان، إذا استثنينا سامي الجميّل، نواب موارنة وغير موارنة من سقط المتاع من الجناح الانتهازي، وليس من الجناح الآخر الغبيّ، في “التيّار الوطني الحر”؟

إقرأ أيضاً: خارطة طريق 2023 من “البلطجيّ” إلى الأحفاد…

بانتظار المعجزة 

مع انتهاء “العهد القويّ” وفي ظلّ الاحتلال الإيراني، لم يبقَ أمام اللبنانيين سوى الحلم. لكن من يدري؟ ربّما تحدث معجزة في عالم لم يعد فيه متّسع للمعجزات. أليس ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل معجزة اضطرّت إيران إلى اللجوء إليها في وقت كانت لديها حاجة إلى توجيه رسالة حسن نيّة إلى الإدارة الأميركيّة وإلى إسرائيل في الوقت ذاته. من يدري ما الذي يمكن أن يحصل في المنطقة كلّها وليس في لبنان وحده في ضوء الأحداث الداخلية في “الجمهوريّة الإسلاميّة”، وهي أحداث مرشّحة لأن تطول ولأن تُسقط النظام… وفي ضوء خسارة فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا ودخوله في حرب استنزاف ستغيّر كثيراً في هذا العالم؟

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: khairallahkhai5@

إقرأ أيضاً

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…

“حصانة” إيران أم “الحصن” الإسرائيليّ؟

لماذا تعمّدت طهران ليلة السبت المنصرم الكشف عن كلّ تفاصيل خطة الهجوم الذي أعدّته ضدّ تل أبيب انتقاماً لاستهداف قنصليّتها في دمشق قبل أسبوعين والتسبّب بسقوط قيادات…

بايدن الرابح الأكبر من الضربة الإيرانيّة لإسرائيل

 ربح جو بايدن مزيداً من “المونة” على إسرائيل يمكّنه من لجم اندفاعها العسكري ضدّ إيران بعد توظيفه الدفاع عنها في المشهد الانتخابي. اكتسبت طهران موقع…