العرب 2022: سقوط مدن المشرق… ونهوض لآلىء الخليج

إذا كان من عنوان يصلح للعام 2022، فهو إعلان السقوط الكامل لدول المشرق العربي ومدنه، وإعلان نهوض مدن الخليج، وتحوّل الرياض وجدّة ودبي والدوحة ونيوم إلى لآلىء عربية، تمسك الزمن من أطرافه، اقتصاداً وسياسةً وانفتاحاً اجتماعياً ومركزيةً ماليةً…

وإذا كان كأس العالم قد جعل قطر مثالاً حيّاً على كيف يمكن أن تتحوّل إمارة عربية صغيرة إلى قصّة نجاح كبرى، بالتنظيم والإدارة والتقديم والإخراج، فإنّ الحرب الروسية على أوكرانيا ذكّرت العالم كلّه بأنّ المملكة العربية السعودية هي “مركز العالم” النفطي، وبأنّ “خروج” أميركا من المنطقة وتسليمها لميليشيات إيران ومجانينها، كان خطأً فادحاً، ستتعب أميركا، ومعها أوروبا، وهي تحاول استدراكه والاعتذار والتراجع عنه. وفي الوقت نفسه صنعت الإمارات من “إكسبو دبي” مناسبةً لتقول إنّها مدينة المستقبل، من التقنيات إلى السياحة، مروراً بتأسيس الشركات واحتضان المبدعين والرجال الآليين… 

 

آخر مدن المشرق

كانت بيروت “آخر ساموراي” واقف في المشرق، بعدما زحفت ميليشيات إيران إلى بغداد وأخرجت الرابحين بالانتخابات النيابية، بعد ثورة شعبية شيعية ضدّ إيران، وعيّنت رئيس مجلس وزراء جديد تابع لها، بالأقلية النيابية التي حقّقها حلفاؤها، وبعدما بات مسلّماً به أنّ دمشق باتت ضاحية من ضواحي طهران الفقيرة والمتروكة لحكم بشّار الأسد وداعميه على الأرض، ونهباً لطائرات إسرائيل التي تدكّ حصون إيران وميليشياتها من السماء.  

لبنان كان يصل الشرق بالغرب بمرفئه ومطاره وموقعه بين سوريا والبحر الأبيض المتوسط. اليوم لا مرفأ له. مطاره تحتلّه إيران وطائرات حرسها الثوري

هي آخر الواقفين، بيروت، قبل أن يدهمها تفجير مرفئها بخليط من “نيترات الممانعة” وصاعق تفجير من بارود الفساد الإداري والسياسي والمالي. تفجير توّج مسار انهيار بدأ باغتيال رفيق الحريري بطنّ من الحقد والمتفجرات في شباط 2005، ولم توقفه ثورة شعبية في نهاية 2019، ولا انتخابات في 2022 أعادت التجديد لطبقة الفاسدين السياسية، ولحكم القناصل، بين “أن جي أوز” الغرب، ونواب الصدفة، وبين نواب المذاهب والدول الذين استعادوا التفويض الشعبي.

وبين لحظة التفجير في 4 آب 2020، وبين 2022، بات أكيداً ونهائياً أن لا أحد سيعرف كيف تفجّر المرفأ، وكيف استحال مرفأ شرق المتوسّط إلى رماد يشهد نهاية دور بيروت كمدينة جامعة وكصلة وصل بين الشرق والغرب.

 

صعود مدن الخليج

في هذه الأثناء لم تكن دبي وحسب قد استقرّت كمدينة عربية بديلة عن بيروت، بتنظيمها “إكسبو دبي” تنظيماً عالمياً جمع كلّ تجّار العالم وشركاته الكبرى في يضعة كيلومترات مربّعة، تحمل أحلاماً لا تنتهي بالمستقبل… كانت أحلام الأمير السعودي الشاب قد جعلت الرياض وجدّة والمدن السعودية قبلة ترحال رئيسي أكبر دولتين – إمبراطوريتين في القرن الـ21: أميركا والصين. جاءها الرئيسان يطلبان العون والمال والحلف الاقتصادي، ويطلبان القربى من زعماء الخليج طلباً للنفط. وكان قادة المملكة يصرّون على أنّهم يحالفون من يريدون، من موسكو إلى بكين إلى واشنطن، من أوبك إلى أوبك بلاس إلى G20، ويرفضون الانضمام إلى القافلة الأميركية العمياء، التي كان بعض العرب من روّادها في الأعوام الخمسين الفائتة.

يطرح كثيرون أسئلة عن “الحريات السياسية” في الخليج. في وقت بدأ الغرب يطرح أسئلة عن أزمة الديمقراطية، التي جاءت بقافلة حكّام شعبويين، أبرزهم دونالد ترامب وليس آخرهم الرئيس البريطاني السابق بوريس جونسون الذي أخرج بريطانيا من “العائلة” الأوروبية واتّحادها. جرّب العرب والغرب الديمقراطية “المتسرّعة” في العراق بعد سقوط صدام حسين، وجرّبوها في مصر بعد سقوط حسني مبارك، فجاء الإخوان هنا، وانفجرت العصبيات المذهبية هناك. ليظلّ السؤال معلّقاً: هل الانتخابات هي الداء لكلّ دواء؟ وهل يصلح في سويسرا ما يصلح في لندن؟ وهل تحتمل أميركا ملكاً مثل بريطانيا وإسبانيا؟ وهل تحتمل فرنسا “فدرالية” مثل سويسرا؟

الأهمّ أنّ شعوب الخليج تشهد نهضة اجتماعية واقتصادية وسياحية وثقافية لا مثيل لها في أيّ مدن التاريخ الحديث ودوله. شعوب تتقدّم نحو رفاهية غير مسبوقة، بوفرة مالية تاريخية، وقيادة على اتّصال استثنائي بالمستقبل وأسبابه وسبل التربّع على أعلى درجاته بين بقية الشعوب والدول.

شعوب الخليج تشهد نهضة اجتماعية واقتصادية وسياحية وثقافية لا مثيل لها في أيّ مدن التاريخ الحديث ودوله

تاريخ جديد.. وجغرافيا جديدة

إنسوا كتب التاريخ والجغرافيا أيها اللبنانيون: بدءًا من 2023، الخليج بات هو “صلة الوصل بين الشرق والغرب”. مشروع نيوم يربط ثلاث قارات: آسيا وأوروبا وأفريقيا.. حرفياً يربط الشرق بالغرب، و”يمكن لـ70% من سكان العالم الوصول إليه خلال 8 ساعات كحدٍّ أقصى”.

لبنان كان يصل الشرق بالغرب بمرفئه ومطاره وموقعه بين سوريا والبحر الأبيض المتوسط. اليوم لا مرفأ له. مطاره تحتلّه إيران وطائرات حرسها الثوري وأجهزة أمنية إما تتبع لها أو تخاف منها. وسوريا مقفلة أمامه، وإسرائيل واليونيفيل من خلفه.

الشام قتيلة، بين أنياب إيران، وأظفار الأسد، ومخالب الدب الروسي وأحلام السلطان التركي.

بغداد مذبوحة بشبابيها وشيبها والاغتيالات التي سرقت أزهار ثورتها في تشرين 2019، ويرأس حكومتها أحد أزلام إيران.

إقرأ أيضاً: 2022: عام تفكُّك العالم

وفيما تتنافس دبي مع الدوحة، وتتنافس الدوحة مع الرياض، وتتنافس نيوم مع أبو ظبي، في سباق سريع نحو المستقبل، تتسابق بيروت مع دمشق، وبغداد مع بيروت، أيّهما يصل قبل الآخر إلى القرون الوسطى، أو 1400 عام، لنعيد طرح أسئلة زيد وعمر، والحسين ويزيد…

يرحل العام 2022 وندخل 2023 متأسّفين على مدن المشرق العربي، التي سوّتها العصبيات والميليشيات الإيرانية بالأرض، وجعلتها مراكز لتفشّي الكوليرا والأمراض المعدية، ومدن الطوابير والجوع ونقص الأدوية وانهيار التعليم، وسواحل الهروب بمراكب البحر والموت طلباً للهجرة غير الشرعية… ونستقبل العام الجديد فيما تغار الدوحة من إكسبو دبي، وتغار دبي من كأس العالم، وتغار دبي والدوحة من نيوم… مدن تهرول إلى الغد، ومدن ترتحل إلى ماضيها… مدنٌ صنعت من رمال صحرائها ذهباً، ومدنٌ حوّلت ذهبها إلى رمال.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: mdbarakat@

إقرأ أيضاً

شينكر لـ”أساس”: الحزب قد “يَقتُل”.. عون هو الرئيس وبايدن أساء للسعودية

حاضر دائماً في التفاصيل اللبنانية. داخل الادارة الاميركية أو خارجها يبقى فاعلاً ومؤثراً إنّه ديفيد شينكر المُساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى. يعرفُ…

عام المرأة الإيرانية… ثورة نساء إيران: من الخميني إلى أدونيس والأسد

في نهاية عام 2022 يكون قد مرّ أكثر من مئة يوم على ثورة “المرأة، الحياة، الحرّية” المستمرّة في إيران. صحف، مجلّات، ومواقع صحافية إلكترونية عالمية…

فرنسا 2022: الفشل الكبير في “لبنان الكبير”

الفشل الفرنسي الكبير هو في “لبنان الكبير”. وهو فشل ملازم للسياسات الفرنسيّة منذ سنوات. فهي لا تحمل العصا، ولا تملك الجزرة. لنبدأ من الآخر. 1-…

رحلة الدولار مستمرّة صعوداً: 75 ألفاً نهاية 2023؟

تُظهر العودة إلى أرقام سعر الصرف في السنوات الثلاث المنصرمة أنّ الدولار كان يقفز كلّ سنة بين 17 و20 ألفاً، وهذا يعني أنّ وصول الدولار…