الملالي في القفص أخيراً

صارت وزارة الخارجية الإيرانية تستدعي سفراء الدول الغربية بزعم أنّ دولهم تتدخّل في الشأن الداخلي الإيراني. وهي كذبة يُراد من خلالها التغطية على موقف الرأي العامّ الدولي الذي دفع تضامنه مع الشعب الإيراني ألمانيا وإيسلندا إلى تقديم مشروع قرار أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة نتجت عنه لجنة للتحقيق في قمع الاحتجاجات في إيران.

ما يُريح النظام الإيراني أن يكون مستهدفاً بالمؤامرات. تلك رواية تسلّيه وتملأ فخراً صدور وكلائه في المنطقة، حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين. فمن خلالها يشعرون أنّهم صاروا مرئيين بالنسبة إلى قوى “الاستكبار العالمي”. تلك واحدة من أكبر الأكاذيب التي يُراد من خلال تمريرها وضع النظام الإيراني في مكان افتراضي، هو المكان الذي يكون فيه عدوّاً للغرب، وهو ليس كذلك إلّا صوريّاً.

أمّا حقيقة توجّهات النظام الإيراني الذي يقوده مرشد الثورة فهي أنّه لا يسعى إلا إلى إقامة ولايات شيعية في المناطق التي يفرض عليها نفوذه. وهي ولايات شبيهة بالولايات العثمانية السابقة. ويبدو أنّ هذا الأمر لا يشكّل خطّاً أحمر بالنسبة إلى القوى الغربية التي يهمّها أن تستمرّ إيران في أداء دور “فزّاعة” تهدّد أمن وسلام دول بعينها في المنطقة. غير أنّ وضع حقوق الإنسان في إيران هو ما يشكّل نقطة إحراج لتلك القوى في مواجهة الرأي العامّ الأوروبي.

ما يُريح النظام الإيراني أن يكون مستهدفاً بالمؤامرات. تلك رواية تسلّيه وتملأ فخراً صدور وكلائه في المنطقة، حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين

ولأنّ أوروبا غير مستعدّة للتفريط بأمنها الداخلي فقد سعت إلى تهدئة الرأي العامّ فيها الغاضب من آليّة القمع السائدة في إيران التي يمارسها نظام ما تزال المجموعة الغربية تتفاوض معه من أجل إنجاح اتفاق نووي يجنّبه أضرار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه. لكنّ لدى الرأي العامّ شعوراً بأنّ مكيدةً دُبّرت من أجل أن يخرج سالماً ذلك النظام القمعي الذي يتزعّمه رجل متخلّف ينتمي إلى عصور ظلامية، مع الإبقاء على سياساته العدوانية التوسّعية التي أنهت استقلال ثلاث دول في منطقة الشرق الأوسط.

“مرونة”… مع “دولة مارقة”

في وقت سابق كان الحديث يدور عن إيران باعتبارها دولة مارقة. وعلى الرغم من أنّها أكثر خطراً من كوريا الشمالية أظهر الغرب مرونة في التعامل معها وظلّت قنوات الاتصال بينه وبينها مفتوحة على الدوام.

في ظلّ ذلك الانسجام الملتبس استمرّت إيران في القبض على أشخاص غربيين من أصول إيرانية ومحاكمتهم بدعوة قيامهم بأعمال تجسّسية. ولولا تسريبات وسائل الإعلام لَما قال الغرب شيئاً عن مصير أولئك الأشخاص. لا يمكن تفسير ذلك الموقف الصامت إلا من خلال العودة إلى استراتيجية أميركية ضحّت بالعراق من أجل أن تعمّ الفوضى المنطقة. وهي خطّة محكَمة يُراد من خلالها تطويق المنطقة بالخطر.

فهل كان ذلك السلوك لحماية المصالح الغربية في منطقة ذات أهمية قصوى على مستوى إنتاج وتصدير الطاقة؟

لطالما اصطدمت الدول المهدَّدة بالخطر الإيراني بغموض الموقف الغربي، والأميركي بشكل خاص، من السياسات الإيرانية المزعزعة للأمن والسلام في المنطقة. حتى حين أُصيبت المنشآت النفطية السعودية بصواريخ إيرانية لم يرتقِ ذلك الموقف إلى مستوى إيجابي تشكّل صرامته نوعاً من الردع للنظام الإيراني الذي لم ينفِ مسؤوليّته عمّا جرى.

على مستوى الداخل الإيراني كان الموقف الغربي مخيّباً لآمال الشعب الإيراني الذي صار يعوّل على الرأي العامّ في أوروبا أكثر ممّا ينتظر موقفاً من حكومات، يعرف أنّها بشكل أو بآخر متواطئة مع الرغبة الأميركية في أن يكون الاتفاق النووي غطاء لحماية النظام الإيراني وحائطاً يستند إليه للاستمرار في سياساته العدوانية التوسّعية.

إقرأ أيضاً: تمرّد “بنات الملالي”: مرادخاني ورفسنجاني.. وأخريات

كان لإيرانيّي الشتات دور كبير في توعية الرأي العام في أوروبا لِما يشكّله وجود نظام الملالي من خطر على السلام العالمي، إضافة إلى ما يُرتكَب داخل إيران من جرائم ضدّ الإنسانية وخرق مستمرّ لأبسط حقوق الإنسان، وبالأخصّ في ما يتعلّق بحقوق المرأة. وكان ذلك ما دفع عدداً من الحكومات الأوروبية إلى الخروج عن صمتها المريب، فصارت تشير بإصبع الاتّهام إلى نظام الملالي الذي اتّخذ من ذلك ذريعة للحديث عن مؤامرة دولية ضدّ جمهوريّة ظلامه. 

على الرغم من كلّ شبكات الحماية الأوروبية والأميركية، بات الملالي ونظامهم في القفص… أخيراً.

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…