قمم الرياض: الصين ترفض تدخل إيران في لبنان

في نيسان 2021، أعلن وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنّ “المملكة تصنع شراكات استراتيجية للحفاظ على مصالحها”، وتعمل أيضاً على تعزيز تحالفاتها مع شركائها. “العالم واسع وسنعمل مع هذا العالم كلّه”، قال وليّ العهد السعودي يومئذٍ. وتابع: “الولايات المتحدة كانت في الخمسينيات تشكّل 50% من اقتصاد العالم، ويمثّل اقتصادها اليوم 20% من اقتصاد العالم”. في موازاة ذلك أكّد الأمير محمد “العمل على الحفاظ على الشركاء في المنطقة وتعزيز التحالفات، إضافة إلى صناعة شراكات جديدة مع الجميع، سواء روسيا أو الهند أو الصين أو أميركا اللاتينية أو إفريقيا أو غيرها، من أجل مصالح السعودية، وبما لا يضرّ أيّ دولة أخرى في العالم”.

إذاً تتمتّع السعودية بعلاقات ثنائية قويّة مع غالبية دول العالم، لكنّها وقّعت اتفاقات شراكة استراتيجية مع بعض هذه الدول، ولا سيّما الكبرى منها، وآخِرتها الصين، وقبلها في شباط 2019 مع الهند، وفي نيسان 2018 مع فرنسا بقيمة إجمالية تفوق 20 مليار دولار. وفي آذار 2018 تمّ تأسيس مجلس الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وبريطانيا. وفي العام الذي سبق، وتحديداً في أيار 2017، وقّعت اتفاقات عسكرية واقتصادية غير مسبوقة مع الولايات المتحدة قيمتها 380 مليار دولار. تنسحب العلاقات والاتفاقات على ألمانيا واليابان أيضاً (آذار 2017).

حتى واشنطن استفادت من الموقف الصيني الجديد الذي صوّب على إيران، انطلاقاً من الحساسية الصينية من التحالف الروسي الإيراني.

لا تستهدف هذه العلاقات الثنائية والاستراتيجية “دولة على حساب أخرى”، وتحديداً العلاقة مع الصين “لا تستهدف أحداً”، كما تؤكّد الرياض. لكنّ مراقبين يرون أنّ ما يحصل يأتي نتيجة متغيّرات في العلاقات الدولية والنظام العالمي الجديد الذي يُعاد ترتيبه. إذ لا يمكن بعد اليوم لأيّ قوة عالمية تصوُّر النظام الدولي “أحاديّاً”، وأن تفصّل سياسة الدول وفق مصالحها هي حصراً.

أدانت المملكة تدخّل إيران في شؤون الدول المجاورة، وضلوعها في تأجيج حرب اليمن ومدّ الحوثيين بالسلاح والصواريخ التي تستهدف الأراضي السعودية

“الشراكة الاستراتيجية الشاملة” هي عنوان اللقاء السعودي والعربي والخليجي مع الصين. قد يتساءل الغرب ويقول: لماذا هذا التقارب؟ لكنّ الجواب واضح بالنسبة إلى صنّاع السياسة السعودية خصوصاً، والعربية عموماً. يجمع السعودية والعرب والصين “الحياد الإيجابي” في الصراعات الدولية، فيما يُطالب الغرب من كلّ العالم أن يقف معه في مغامراته التي هي لمصلحته أوّلاً. ويظهر الجواب الثاني في تصريح وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي قال للرئيس الصيني شي جين بينغ إنّ “الشراكة السعودية – الصينية تسهم في حفظ السلم والأمن الدوليَّين”. وإذا نظرنا إلى البيان المشترك نرى أنّ الصين تؤكّد وجوب عدم تدخّل إيران بالشؤون الداخلية لدول الجوار، وعدم تدخّل أيّ دولة بالشؤون الداخلية للسعودية، ومنع تهديد أراضي المملكة. موقف الصين هذا (وهي صاحبة الفيتو في مجلس الأمن) مهمّ في العلاقات الجيوسياسية.

رفض تدخل إيران في لبنان

انتهت القمم الثلاث الناجحة في الرياض بعدما استقطبت أنظار العالم وإعلامه. تجلّت عظمة قمم الرياض بجمعها لفيفاً من الدول مع الدول العربية كافّة، ما عدا النظام السوري، تحت القبّة السعودية. برز وليّ العهد شخصيّةً دوليّةً مؤثّرةً في المسارات الاستراتيجية العالمية، بعدما كانت المملكة قد تبوّأت موقعها بين الدول العشرين وتفوّقت بين أقرانها ووصلت إلى الموقع 17 بين أكبر اقتصادات العالم مع احتمال وفق الإحصاءات أن تقفز إلى الموقع الـ15 في نهاية العام المقبل.

لقد أدّت رؤية المملكة إلى نموّ اقتصادها في المجالات كافّة، وشهدت نهضة جعلتها قبلةً للاستثمارات الدولية في البنى التحتية، ومحطّ أنظار شركات التكنولوجيا الحديثة الراغبة ببناء شراكة مع الدول المقتدرة، ووجهةً للجهات الملتمسة تحقيق أهدافها الصناعية والزراعية والتجارية وتطوير أنواع الطاقة التقليدية والمستقبلية. فإذا بالصين، صاحبة ثاني اقتصاد بالعالم، تتطلّع نحو المملكة.

صدر عن القمم الثلاث ثلاثة بيانات تتناول العلاقة الاستراتيجية بين المملكة والصين ورؤيتهما لقضايا العالم. فمن ناحيتها أكّدت الصين تميّزها عن الموقف الروسي في ما يتعلّق بحرب أوكرانيا، مشدّدة على “الحلّ السلمي ورفضها الحلول العسكرية”، معلنة ما كانت قد تمنّعت عن إعلانه سابقاً، وهو رفضها ما أقدمت عليه موسكو واستنكارها الإقدام على التهديد باستعمال السلاح النووي وإصرارها على عدم التدخّل بشؤون الدول الداخلية.

أمّا المملكة فقد أدانت تدخّل إيران في شؤون الدول المجاورة، وضلوعها في تأجيج حرب اليمن ومدّ الحوثيين بالسلاح والصواريخ التي تستهدف الأراضي السعودية وتهدّد المضائق البحرية والملاحة التجارية، وتستنزف قدرات دول الخليج لكي لا تستعملها في نموّ اقتصاداتها.

انتهت القمم الثلاث الناجحة في الرياض بعدما استقطبت أنظار العالم وإعلامه. تجلّت عظمة قمم الرياض بجمعها لفيفاً من الدول مع الدول العربية كافّة، ما عدا النظام السوري، تحت القبّة السعودية

بهذه الوثيقة الاستراتيجية مع الصين، حرصت المملكة على تأكيد تشابه أوضاع العراق وسوريا ولبنان وقطاع غزّة مع أوضاع اليمن، أو ما تسمّيه طهران “وحدة الساحات” للتدخّل في شؤون هذه الدول الداخلية لزعزعة أمن واستقرار المنطقة. وقد تكون الرسالة وصلت إلى طهران التي استدعت السفير الصيني للاحتجاج على مخرجات قمم الرياض، وفق ما نقلت وكالة تسنيم.

تضمّنت الوثيقة الختامية المشتركة رفض أيّ تدخّل إيراني في لبنان، وحرص الدولتين على استقرار لبنان ووحدة أرضه، وإجراء الإصلاحات الضرورية لنهوضه، ودعت إلى تفادي أن يكون منطلقاً لأيّ “أعمال إرهابية” أو حاضناً للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، وألّا يكون منتجاً أو مصدّراً أو ممرّاً لتهريب المخدّرات.

يعاني لبنان بشدّة بسبب التدخّل الإيراني في شؤونه الداخلية، الذي منع الاستقرار والسكينة، وزجّه في حروب سوريا والعراق واليمن وقطاع غزّة، وحوّله إلى ترسانة صواريخ مدمّرة لبناه التحتيّة ولشعبه قبل أن تضرّ بأيّ جهة أخرى.

صحيح أنّ لبنان بحاجة إلى دعم اقتصادي واستثمارات في بنيته التحتية من أجل تطوير مرفأ بيروت المدمّر ومطاره (أو مطاراته)، وتحسين طرقاته غير المعبّدة، وتطوير النقل العامّ وقطاع الكهرباء المستعصي على طبقته الحاكمة الفاسدة، وإيصال المياه إلى كلّ بيت، غير أنّ المدخل إلى هذه الاستثمارات، إن أتت من الصين، يستوجب من هذه الأخيرة الضغط على طهران لفكّ أسر لبنان وانتخاب رئيس له، والحدّ من تسلّطها على سياستَيْه الداخلية والخارجية، ووقف مدّ تنظيماتها بالسلاح والصواريخ، وعدم هبوط طائرات الحرس الثوري المحمّلة بالسلاح وقطع الصواريخ في مطار بيروت واستدراجه إلى أن يكون هدفاً للعدوّ.

ما يحتاجه لبنان من الصين التي خرجت بشراكة استراتيجية في قمم الرياض، هو كفّ يد نظام طهران عن التدخّل في الشؤون الداخلية لهذا البلد، ومنع طهران من التلاعب بمكوّنات الشعب اللبناني وتحريض فريق على التنكّر لوطنيّته اللبنانية والتعصّب المذهبي البعيد عن العروبة وعن الحضن الطبيعي لشعب لبنان.

حاجة لبنان الاقتصادية ملحّة، بيد أنّ الحاجة السياسية أكثر إلحاحاً، فهي مفتاح الحلول ومبعث الثقة التي تأتي بالاستثمارات.

شهدت المنطقة زيارة كلّ من الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن قبل أن يصلها الرئيس شي جين بينغ. ولاقى كلّ منهما الترحيب والحفاوة اللذين يستحقّهما، ووعدا بكفّ يد إيران ومنعها من زعزعة أمن واستقرار دول الجوار، إلا أنّ الوعود التي أُطلقت في المنطقة سرعان ما محتها الإدارة في واشنطن.

بيروت وعواصم العالم العربي تحتاج إلى أن تكون تطلّعات بكين على قدر المصالح المشتركة. فللصين مصلحة عميقة في استقرار المنطقة واستمرار حرّيّة الملاحة في مضيق هرمز وباب المندب والبحر الأحمر، وأن تصل بواخرها وتجارتها إلى مرافئها في البيراوس باليونان وتارنتو جنوبي إيطاليا ومرفأ الحمدانية في الجزائر، حيث استثمرت شركة النقل الصينية cosco مئات المليارات في هذه المرافئ، لمدّ طريق الحزام ولإيصال تجارة الصين إلى مقصدها النهائي. عسى أن تُترجّم هذه التطلّعات المبدئية إلى مواقف فعليّة عمليّة تنقذ المنطقة ولبنان من عواقب التدخّل الإيراني.

إقرأ أيضاً: قمم السعودية: العرب “قطبيّة فاعلة”

تفادت بكين اتّخاذ موقف مؤيّد لموسكو في حربها على أوكرانيا تجنّباً لخسارة تبادلها التجاري مع أوروبا البالغ 400 مليار دولار في العام. من جهة أخرى، كشفت وزارة التجارة الصينية أنّ التبادل التجاري مع العالم العربي بلغ هذا العام 390 مليار دولار، مقابل أقلّ من 20 ملياراً مع إيران. انطلاقاً من هذه الأرقام، سيكون الأحرى بالصين أن تتعمّق في حقيقة مصالحها مع الدول العربية، إن كانت بكين ككلّ الدول ترعى مصالحها، وأن تلبّي مطلب بيروت الأساسي بتحرير اللبنانيين من مقصلة نظام المرشد وحرسه الثوري لا بناء مبنى للكونسرفاتوار على ساحل المتن الشمالي أو تصدير ألواح الطاقة الشمسية وحسب.

*كاتب لبناني مقيم في دبي

لمتابعة الكاتب على تويتر: BadihYounes@

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…