قمم السعودية: العرب “قطبيّة فاعلة”

2022-12-09

قمم السعودية: العرب “قطبيّة فاعلة”

مدة القراءة 4 د.

حرّرت الكثير من الدول العربية نفسها من قيود الحرب الباردة التي فرضت عليها دفع أثمان باهظة جرّاء استقطاباتها الحادّة. وإذا كانت الحرب الباردة بصيغتها القديمة صارت تنتمي إلى الماضي فإنّ الوضع الراهن للعالم، الذي تختلط فيه الحرب الساخنة مع الباردة والعسكرية مع الاقتصادية، إضافة إلى ما فعلته كورونا، ينطوي، إلى جانب الكوارث، على فرص مؤاتية للإفلات من قبضة القوى التقليدية العظمى، وظهور قوى جديدة تتمتّع بمؤهّلات جدّية تتيح لها أن تكون قطباً فعّالاً في الحياة الدولية. وفي هذه الفترة يزكّي العالم العرب لذلك.

المؤهّلات العربية ربّما يعرفها العالم أكثر ممّا يعرفها أصحابها. وللمرّة الأولى في التاريخ تتسابق الدول العملاقة إلى إقامة علاقات مع العرب بعدما كانت تتسابق إلى استعمارهم والتحكّم بهم، والمؤشّر الأوضح إلى ذلك هو توقيع اتفاقات شراكة وتعاون متبادل بهذا الحجم الضخم وغير المسبوق في كلّ حقبات الحياة الدولية. وهذا الجديد أدخل العرب إلى قلب المعادلات قوّةً أساسيّةً يُحسب حسابها، سواء اتّجهت الأمور نحو تأسيس نظام دولي جديد أو حتى تجديد النظام القديم.

أحسنت السعوديّة صنعاً حين أشركت الدول العربية في المفاصل الأساسية لسياستها تجاه القوى الكبرى التي ما تزال الأكثر فاعليّة في الحياة الدولية: الولايات المتحدة والصين وروسيا، مع انفتاح ذكي على التجمّعات الدولية الأخرى وأحد مراكزها الواعدة قارّتنا الآسيوية.

عالم اليوم الذي يؤسّس لعالم الغد لا مكان فيه لغير الكيانات الكبرى: فهل يجيد العرب فهمهم للواقع الجديد وشروط مكانتهم في ما هو راهن وما سيأتي؟

القمم التي نظّمتها المملكة، وأحدثُها القمّة الراهنة مع العملاق الصيني، تجسّد بلورة عمليّة لتكامل القوى العربية وتعظيم فاعليّتها الاستراتيجية ستجعل الجميع يجبي ربحاً وستضع العالم أمام حتمية التعامل مع العرب قطباً جديداً لا زبوناً استهلاكياً وحسب يأخذ أكثر ممّا يعطي.

غير أنّ الواقع الراهن بتطوّراته المتسارعة واحتياجات القوى الأساسية فيه يرتّب على العرب أن يفعلوا الكثير لتنظيم وترشيد علاقاتهم البينيّة، ذلك أنّ القطبية الدولية التي تنتجها المستجدّات والحاجات تستمدّ مقوّمات استمرارها ورسوخ مكانتها من صلابة الأرض التي تقف عليها وجودة السياسات التي تخدمها، الأمر الذي يتطلّب شرطاً أساسياً هو تنقية العلاقات العربية من أخطر ما يعيق حضورها الدولي الفعّال، أي من الصراعات البينيّة التي لو جرى التدقيق فيها لما كان صعباً اكتشاف هزال دوافعها قياساً إلى المزايا التي يمكن أن تتوافر جرّاء التخلّص منها.

على العرب المتّفقين والمنسجمين، وحتى المختلفين، أن يجيدوا إدارة الاختلافات الموروثة والمستجدّة فيما بينهم بعدما تميّز الواقع العربي الذي اكتظّ بالصراعات البينية بذهاب المتصارعين إلى الحدود القصوى في ممارسة العداء، إلى الحرب، وهو ما بدّد مكانتهم المفترضة وجعلهم نهباً للأجندات الخارجية التي كانت تنافساتها وصراعاتها تجري على أرضهم وليس لهم فيها سوى دفع الثمن، وإلى ما لا نهاية.

العالم كلّه يتطلّع إلى العرب كما لم يتطلّع من قبل: أميركا، بإدارتَيْها، الجمهورية ثمّ الديمقراطية، جاءت إلى قمّتهم في السعودية. وها هي الصين تحذو حذوها. ولا مانع لدى المضيفين والرعاة السعوديين أن يأتي من يشاء لبناء علاقات معهم باعتبارهم كتلةً عربيةً واحدةً متّحدةً ومتكاملة.

إقرأ أيضاً: الصين في الرياض… 72 ساعة تُزعج أميركا

عالم اليوم الذي يؤسّس لعالم الغد لا مكان فيه لغير الكيانات الكبرى: فهل يجيد العرب فهمهم للواقع الجديد وشروط مكانتهم في ما هو راهن وما سيأتي؟

بموضوعية أقول إنّ الظرف بات مؤاتياً، شعبياً ورسمياً ومصلحياً، وحين تتكرّس القطبية العربية في الحياة الدولية سيكون حلّ معضلة الشرق الأوسط وقضيّته المزمنة فلسطين أقرب منالاً.

إقرأ أيضاً

!God Bless America

لم يتركوا تهمة أو صورة سيئة إلّا وألصقوها بهم. بعضهم ركّز على مشاركة المثليين والمتحولين في الحراك. وراح يذكرهم بموقف “الشريعة” منهم. بعض آخر صوّرهم…

باريس – الرياض – واشنطن: استعادة ترشيح أزعور

 جهاد أزعور. غاب الرجل واسمه عن اليوميّات اللبنانية طوال الأشهر الفائتة. لكنّه في المقابل بقي حاضراً على مستوى دوره الأساسي في صندوق النقد الدولي وما…

التهويد في ظلّ الحرب

على الرغم من أنّ إسرائيل أقرّت قانوناً باعتبار اليهودية دين الدولة، فإنّ فيها (أو لا تزال فيها) مجموعات كبيرة من غير اليهود يُفرض عليها أداء…

عراضة “الجماعة” في عكّار.. ومرحلة ما بعد حرب غزّة

بعد العراضة المسلّحة لـ”الجماعة الإسلاميّة” في منطقة عكار الشمالية، بدأت تظهر ملامح مرحلة ما بعد حرب غزّة في لبنان. تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت…