ميشال معوّض مثل الخط 29.. للتفاوض دون الرئاسة

غالباً ما تكون الأسماء التي تُطرح علناً وفور انطلاق المعركة الرئاسية أسماءً للحرق. أسماء تلتهمها نيران المعركة المتّقدة. أسماء للحرق ولأشياء أخرى أيضاً، منها اليوم ما يُطرح للتذكير برجال معيّنين أو مراحل محدّدة أو أزمنة سياسية تشكّل رمزيّةً بعينها للمرشِّحين. في ذروة الكلام عن الدستور وتعديله والتمسّك به أو التملّص منه، يستذكر السياسيون رينيه معوّض، الرئيس اللبناني المنبثق من اتفاق الطائف، وشهيده. وعليه، يكون ابن رينيه معوّض مرشّحاً جدّياً حين تكون النيّة صادقةً في العودة إلى الطائف، وإلى تطبيقه، والابتعاد عن صفوف المنقلبين عليه. غير ذلك، هو مرشّح لجسّ النبض، للوصول إلى رئيس آخر في أحيان كثيرة يكون نقيض المعلَن.

ميشال رينيه معوّض، المرشّح لرئاسة الجمهورية اللبنانية مدعوماً من أحزاب الاشتراكي والقوات والكتائب، والساعي في غفلةٍ من فريق “8 آذار” وانقساماته إلى حفر موقعٍ له في نادي المرشّحين علّه ينتقل فيما بعد إلى منتدى الرؤساء. يُشبِهُ ترشيحه المُطالبة بالخط 29 على أمل  الحصول على أفضل المُمكن، الخطّ 23.

لا يحبّ ميشال معوض السير عكس التيار، إلا أنّ انتفاضة 17 تشرين جعلته ينكث بوعده لجبران باسيل ويخرج عن طاعته، ويخرج على التيار الوطني الحرّ ليسير بعكسه

كانَ يأمل  أن يُواجه غريمه “الزّغرتاويّ” سليْمان فرنجيّة في صندوق الاقتراع، إلّا أنّ منافسه طيلة الجلسات الماضية كانَ “الورقة البيضاء”. يبدو أنّ الوقتَ لم يحن بعد  ليُطلِقَ حزب الله مُسيّراتٍ انتخابيّة ترفع من حظوظ مُرشّحه، وتجعل الخطّ 29 من الماضي.

ليسَ ميشال المُرشّح سرّ رينيه الرّئيس. الأخير كانَ ذا  خبرةٍ سيّاسيّةٍ عميقة. تمرّسَ في السّياسة اللبنانيّة بأوج الصّدامات والانقسامات  الدّاخليّة والخارجيّة.  راكَمَ معوّض الوالد خبرة  نيابيّة قليلة النّظير، مُتنقّلاً بين اللجان ومُتقناً لدور النّائب المُشرّع. لا بد من الاعتراف هنا بأنّ المرشح الشاب قطع شوطاً في مسار مناقشات اللجان النيابية.

ميشال معوّض مرشّح براغماتيّ بامتياز، ينتقل من ضفّة إلى أخرى لدواعٍ وأسباب عدّة، منها ما يضيق وينحصر في زغرتا نفسها، حيث القاعدة الرئيسية والبيت والمناصرون والمرشّح القويّ المنافس (سليمان فرنجية) على كلّ الجبهات، ومنها ما يتّسع ليلامس حدود الوطن العربي وآفاقه. لميشال معوّض صور على كلّ الضفاف: مع التيار الوطني الحرّ وضدّه، في صلب 14 آذار وعلى النقيض منها، مع سوريا وضدّها، وهنا وهناك وهنالك وفي كلّ مكان وزمان. المشكلة مع ميشال معوّض أن لا أحد يستطيع التنبّؤ بسياساته وتحالفاته وتموضعه السياسي لا غداً ولا يوم يصير رئيساً إذا صار.

اللافت في هذه الشخصية التي فقدت العاطفة الأبويّة باكراً بالاستشهاد، أنّها تلقّفت الرئاسة على صغر عمر، وعاشرت كبار القوم منذ حينه، وكان لدور الوالدة التي تجرّعت ألم الموت قتلاً، الأساس في تنشئة ميشال الفتى، وتربيته وتعويضه غياب الأب، ليصبح ذلك الفتى رجلَ اليوم، والرافع بين يديه حوافز انشطارية بين رجولة مبتكرة وباكرة وبين سعي دؤوب إلى إخفاء المراهقة ببعض الترقع الأرستقراطي التي لا يشعر بها إلا المقرّبون أو الناس العاديّون.

معوّض هو مرشّح من الدرجة الثالثة لرئاسة الجمهورية تفوّق على من هم في صفّه وضمّ إليه أشرف ريفي وفؤاد مخزومي بعد انهيار أحلامهما في زعامة لم يقدرا عليها فانتهيا إلى زيارة زغرتا والعمل تحت جناح ماروني

قد يضحك ويعبس ويبتسم في الوقت عينه. هو صاحب الخيال الجامح لكن المرتكز على واقعية صلبة تكتنز من تجربة العلاقة مع الناس وصلف الحياة بعضاً من قوّتها. يستهوي أيّ مراقب متابعة كيف يركض معوّض بين الكلمات المهرولة على لسانه إلى غير مستقَرّ، فيُكثر من التقليد والإشارة وحركة الرأس في توصيف الخيبات، وكأنّه بطل من أساطير الكتب التي تقلّد الإغريق. يحفظ بضعة شعارات ويسقطها على كلامه بطريقة فذّة وذكيّة، لكنّه لا ينفكّ أن يعود إلى لدغته المحمّلة طيبة أهل زغرتا والمحمولة من أمّه نايلة.

لا يحبّ ميشال معوض السير عكس التيار، إلا أنّ انتفاضة 17 تشرين جعلته ينكث بوعده لجبران باسيل ويخرج عن طاعته، ويخرج على التيار الوطني الحرّ ليسير بعكسه.

ترك سمير جعجع يسير وحيداً في الانتخابات الأخيرة، وترك سامي الجميّل بعد انتهائها آخذاً في جعبته أديب عبد المسيح، فتوتّرت العلاقة بينه وبين الجميّل.

في التحالفات لا يكترث لمشاعر أحد إلا مرآته.

في المواجهات يكترث إلى أصغر عنصر أو عضو قريب منه ليتّكىء عليه.

إقرأ أيضاً: زياد بارود: لا يؤذي ولا ينقذ

يسير خائفاً من المستقبل، لكنّه يثق بتحالفه مع شخصيات أميركية من الكونغرس بنى معها علاقاتٍ مميّزة، وكذلك مع سفراء الولايات المتحدة في بيروت حيث يستثمر فيهم فائض ثقة وخدمات، ويستثمرون هم فيه كامل التفهم لسياستهم.

معوّض هو مرشّح من الدرجة الثالثة لرئاسة الجمهورية تفوّق على من هم في صفّه وضمّ إليه أشرف ريفي وفؤاد مخزومي بعد انهيار أحلامهما في زعامة لم يقدرا عليها فانتهيا إلى زيارة زغرتا والعمل تحت جناح ماروني (مرشّح جدّي لرئاسة الجمهورية) من خارج نادي الزعماء الموارنة، لكنّه من الحالمين باستعادة دور شهيد الطائف، والد ميشال، الشهيد رينيه معوّض.

إقرأ أيضاً

جهاد أزعور: ثلثين الولد للخال

لا يُسأل شخص عن جهاد أزعور إلا ويقول إنّه رجل المرحلة. فهو رجل اقتصاد ومال وسياسة. يعرف الدولة اللبنانيّة من الداخل. يعرف نقاط ضعفها ونقاط…

جوزف عون مرشّح “المرحلة الثالثة”

“جوزف عون مرشّح المرحلة الثالثة في الاستحقاق الرئاسي”. هذا ما يقوله أحد السفراء المتابعين عن قرب لانتخابات رئاسة الجمهوريّة. نحن اليوم في المرحلة الأولى، مرحلة…

زياد بارود: لا يؤذي ولا ينقذ

ينشر “أساس” تباعاً مقالات ومقابلات عن ملفّ رئاسة الجمهورية، بدءاً من مرشّحين “دائمين” لم يحالفهم الحظّ، وصولاً إلى الأسماء المؤهّلة والمرشّحة هذه المرّة. في حلقة…

ناصيف حتّي… الدبلوماسيّة سيف بحدّين

الرئاسة حلم كلّ ماروني. كلّ ماروني مشروع رئيس، إلا أنّ الذي يتبوّأ منصب وزير الخارجية يكون أكثر جدّيةً وأوفر حظّاً من بينهم، ذلك أنّ المنصب…