لبنان إلى نقطة اللاعودة… أخطر من الفراغ الرئاسيّ

بعد الإتيان بميشال عون رئيساً للجمهوريّة بالطريقة التي وصل بها إلى قصر بعبدا، ليس مستغرباً عقدُ جلسة نيابية واحدةً تلو أخرى من أجل تثبيت قواعد جديدة يُحكَم بموجبها البلد. من بين هذه القواعد، المطلوب تثبيتها نهائياً، أنّ “حزب الله”، ومن خلفه إيران، يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة اللبنانية، وهو رئيس الدولة المسيحي الوحيد في المنطقة العربية ومحيطها.

سيتوجّب على هذا الرئيس، الذي يسمّيه الحزب “توافقياً”، أي أن يكون في جيبه، السير على خطى ميشال عون و”رئيس الظلّ” جبران باسيل الذي كان الرئيس الفعليّ في قصر بعبدا لستّ سنوات.

 

السؤال المُخيف من حزب الله إلى المسيحيّين

ثمّة ملحق للقاعدة المطلوب تثبيتها. يقول الملحق المخفيّ، أقلّه إلى الآن، إنّ “حزب الله” سيقرّر لاحقاً هل من المسموح بأن يكون رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة من الطائفة المسيحيّة. إذا لم يُستجَب لطلبه القاضي بأن يكون رئيس الجمهورية من نوعيّة الثنائي ميشال عون – جبران باسيل وإميل لحّود، سيأتي يوم سيطرح فيه جدّيّاً هل تبقى رئاسة الجمهوريّة للمسيحيين الموارنة أم لا… أم لا بدّ من “مؤتمر تأسيسي” يقرّر أنّ رئيس الجمهورية يمكن ألّا يكون مسيحياً… أم لا بدّ، في الحدّ الأدنى، من وجود نائب لرئيس الجمهورية من الطائفة الشيعيّة يعوّض عن غياب الطائفة عن السلطة التنفيذيّة؟

بات هناك ما هو أبعد من الفراغ الرئاسي. بات هناك ما يمكن اعتباره تدميراً نهائياً للبنان كي لا تقوم له قيامة يوماً

سيرة حزب الله وتسلّطه

بعد حرب إقليم التفّاح الشيعيّة – الشيعيّة أواخر ثمانينيات القرن الماضي، حقّق النظام الإيراني انتصاراً حاسماً في المنافسة بينه وبين النظام السوري على مَن يهيمن على شيعة لبنان. كانت النتيجة ابتداع معادلة السلاح يحمي الفساد التي نشأ على إثرها ما بات يُعرف بالثنائي الشيعي استناداً إلى مبادئ ثابتة، بمعنى أنّ القرار السياسي الشيعي عند “حزب الله” وليس عند أيّ طرف آخر.

مع انسحاب الجيش السوري من لبنان وملء “حزب الله” الفراغ السياسي والعسكري والأمنيّ في عام 2005، مباشرة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، طبّق الحزب معادلة السلاح يحمي الفساد مسيحياً عبر وثيقة مار مخايل التي وقّعها في السادس من شباط 2006 كلّ من حسن نصرالله وميشال عون. كان نجاح الرئيس السابق للجمهوريّة في التزام روح الوثيقة، أي توفير غطاء مسيحي لسلاح “حزب الله”، هو ما أوصله إلى رئاسة الجمهوريّة بعد رحلة طويلة مع هذا الحلم جعلته في مرحلة معيّنة في أحضان صدّام حسين!

 

ميشال عون سيرة من الويلات

هناك ما هو أخطر من الفراغ الرئاسي الذي تستخدمه “الجمهوريّة الإسلاميّة” وسيلة ضغط على الإدارة الأميركية وعلى الأوروبيين والعرب الشرفاء، أو هكذا تعتقد. ففي موازاة الجلسات التي يعقدها مجلس النواب، يستمرّ إفراغ لبنان من اللبنانيين عن طريق دفع المسيحيين، خصوصاً، إلى الهجرة. لم تكن هجرة المسيحيين يوماً سوى اختصاص عونيّ (نسبة إلى ميشال عون) مورِس في الماضي عندما ذهب “الجنرال” إلى حرب على “القوات اللبنانية” التي كانت لا تزال ميليشيا. بلغت تلك الحرب قرى في كسروان!

كان ذلك في العامين 1989 و1990 عندما أقام ميشال عون للمرّة الأولى في قصر بعبدا بصفة كونه رئيساً لحكومة عسكريّة مؤقّتة لا مهمّة لها سوى تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة خلفاً للرئيس أمين الجميّل. كانت المهمّة الحقيقية التي مارسها ميشال عون وقتذاك مقتصرة على تدمير المنطقة المسيحية وتهجير أكبر عدد من المسيحيين من لبنان. لم يكن عهده الميمون بين 2016 و2022 سوى استكمال لمرحلة 1989 – 1990 لا أكثر.

طوّر “حزب الله” الذي لا بدّ من التذكير، للمرّة الألف، أنّه ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، أساليب ميشال عون في مجال تهجير اللبنانيين من لبنان. نراه اليوم، بعد القضاء على كلّ المقوّمات التي نهض عليها البلد، يريد، بكلّ بساطة، إيصال لبنان إلى نقطة اللاعودة. يستغلّ السذاجة التي يتمتّع بها قسم لا بأس به من المسيحيين اللبنانيين، أولئك الذين يعتبرون أنفسهم محسوبين على ميشال عون تحديداً، من أجل تغيير طبيعة لبنان بشكل نهائي.

 

إيران: لبنان ساحة خلفيّة لنا

بات هناك ما هو أبعد من الفراغ الرئاسي. بات هناك ما يمكن اعتباره تدميراً نهائياً للبنان كي لا تقوم له قيامة يوماً. ليس الكلام الأخير لـ”المرشد” الإيراني علي خامنئي الذي قال فيه إنّ “دور إيران في العراق وسوريا ولبنان أفشل المشروع الأميركي لإسقاطها”، سوى تعبير عن نظرة إيران إلى لبنان كـ”ساحة خلفيّة” في المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة. هذه مواجهة لم تمنع إيران من السماح بترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل في رسالة ودّيّة مباشرة إلى الأميركي والإسرائيلي من جهة، وخشية عمليّة عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق تلحق ضرراً كبيراً بـ”حزب الله” من جهة أخرى.

تأخذ “الجمهوريّة الإسلاميّة” لبنان الذي تعتبره مستعمرة من مستعمراتها إلى نقطة اللاعودة، وذلك على الرغم من الأزمة الداخلية الكبيرة والعميقة التي يمرّ فيها النظام. تعني نقطة اللاعودة القضاء مسبقاً على أيّ مشروع يمكن إعادة لبنان إلى ما كان عليه مع إزالة المكوّن المسيحي من الوجود في ظلّ غياب كامل للثقل السنّيّ. ما هو لافت في المرحلة الراهنة ذلك الغياب السنّيّ الذي يعبّر عن نفسه بطرق مختلفة من بينها الافتقار إلى زعامة قادرة على ربط البلد بمحيطه العربي مجدّداً والانفتاح على العالم بدوله المختلفة في الوقت ذاته.

إقرأ أيضاً: مطلوب رئيس… لا يطعن لبنان في الظهر

ليس صدفة أنّ “حزب الله” قرّر في عام 2011 إسقاط حكومة سعد الحريري عندما كان الأخير مجتمعاً بالرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض… وفعل ذلك من بيت ميشال عون وليس من مكان آخر!

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: khairallahkhai5@

 

إقرأ أيضاً

هل يسير لبنان على خطى غزّة.. نحو التدمير الكامل؟

لا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو أيّ إدارة يمكن أن تخلفها، ولا أيّ حكومة إسرائيلية، بقي رئيسها بنيامين نتنياهو أو رحل، يمكن أن تقبل…

الانتخابات التركيّة: معركة إردوغان – إربكان أيضاً؟

إلى أين ستتّجه أنظار الناخب التركي مساء الأحد المقبل، وهو يتابع نتائج الانتخابات التركيّة المحلّية عبر الشاشات؟ نحو أرقام وحصّة حزب “الرفاه من جديد” الذي…

الجماعة الإسلاميّة: أوقفوا المخالفة الشرعيّة

مثَلُ الأمين العامّ للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقّوش كمثل عبد الله بن مرثد الثقفيّ. الذي عمد إلى قطع حبال الجسر بسيفه في موقعة الجسر بين…

هجوم موسكو: بوتين فاز بـ11 أيلول روسي

ربّما المجزرة، التي نُفّذت في مجمع “كروكوس سيتي هول” الموسكوفي، هي الجرح الأكبر الذي يصيب فلاديمير بوتين منذ جلوسه في الكرملين سيّداً مطلقاً لروسيا. لكنّ…