عبد العزيز المقالح: حارس الحداثة.. يرحل وصنعاء في العتمة

لا يحتاج عبد العزيز المقالح إلى رثاء. صنعاؤه هي الأولى بذلك الرثاء. فالرجل هو أولًا وأخيرًا شاعر قبل أن يكون رجل التنوير فيها. وفي الحالين هو شاعر صنعاء والأكاديمي الذي أعلى من شأن التعليم في جامعتها. دور يمكن النظر إليه باحترام وتقدير شديدين.

فمَن هو المقالح الذي غادرنا يوم 28 تشرين الثاني 2022؟

لابد من صنعاء

ولد عبد العزيز المقالح عام 1937 في قرية المقالح/مديرية السدة/محافظة إب جنوب اليمن. تعلم هناك مبادئ القراءة والكتابة وانتقل بعدها إلى صنعاء ليتعلم على أيدي كبار علمائها ويتخرج عام 1960 من دار المعلمين. غادر بعد ذلك إلى القاهرة وحصل عام 1977 على شهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس، بعدما كان قد حصل على شهادة الماجستير من الجامعة نفسها عام 1973.

ما بين عامي 1982 و2001 ترأس المقالح جامعة صنعاء بعد تدريسه فيها. ثم تولى رئاسة المجمع اللغوي اليمني وكان عضوا في المجمعيين اللغويين في القاهرة ودمشق. وأخيرًا أصبح مستشارا ثقافيا في رئاسة الجمهورية. وهذا منصبه الأخير.

كانت صنعاء، وهي المدينة التي عاش فيها الجزء الأكبر من حياته، تختفي تحت غبار العمائم، فراح يكتب لها ومن أجلها النشيد تلو الآخر

أصدر المقالح 33 كتابًا توزعت بين الشعر والنقد والبحوث الأكاديمية. عام 1972 أصدر كتابه الأول: “لابد من صنعاء”. وعام 2018 أصدر كتابين: الأول شعري هو “بالقرب من حدائق طاغور”، والثاني كتاب نقدي هو “ذاكرة المعاني”. وعام 2003 حاز على وسام فارس في الآداب والفنون من فرنسا. قبلها نال جائزة أحمد شوقي من اتحاد الكتاب بمصر عام 2019. وقد منحته مؤسسة عويس في الإمارات عام 2010 جائزتها.

بين السياسة والشعر

كان المقالح سفير اليمن الشعري إلى الخارج، وممثل الشعر العربي في اليمن. لذلك كان الشعراء العرب بمختلف مستوياتهم وتوجهاتهم يتوافدون على عدن وصنعاء كما لو أنهم يذهبون إلى بيوتهم.

كان المقالح صديق كل الشعراء العرب. ولم يكن الاختلاف في الأفكار السياسية ليشكل حاجزًا يقف بينه وبين أحد. كان الشعر وحده هو بوصلة صداقاته الممتدة من المحيط إلى الخليج.

في الوقت نفسه كان المقالح حاضرًا في الأوقات التي سبقت الانقلاب الحوثي في المشهد السياسي اليمني. هو صديق الرؤساء، من عبد السلال إلى علي عبد الله صالح. الأهم من ذلك أن التعليم في اليمن شهد تطورًا نوعيا كبيرًا أثناء رئاسته الجامعة. فالرجل كان منفتحًا على أساليب ووسائل وتقنيات ومقومات التعليم الحديث. ومثلما كان رائد الحداثة الشعرية في اليمن، فإنه كان واضع أسس التعليم الجامعي الحديث.

المعلم بثوبه الأكاديمي

استقبلت الجامعة اليمنية يوم كان رئيسًا لها كبار المدرسين العرب، سواء بضمهم إلى كادرها التعليمي الثابت، أو باستضافتهم زوارًا موقتين.    

“الشعر هو البقية الباقية التي تحفظ لأرواحنا شفافيتها ورؤيتها الصحيحة”، هذا ما قاله المقالح فيما يرى بلاده تعود إلى العتمة التي يُفترض أنها غادرتها بعد التحرر من نظام الإمامة. لقد شعر الرجل في لحظة يأس أن لا شيء سوى الشعر يبقيه على قيد التنفس في بلاد تلوث هواؤها الأفكار والطقوس والسياسات الظلامية التي لا يمكن للشعر سوى أن يقاومها.

كانت صنعاء، وهي المدينة التي عاش فيها الجزء الأكبر من حياته، تختفي تحت غبار العمائم، فراح يكتب لها ومن أجلها النشيد تلو الآخر.

إقرأ أيضاً: باسيل: مليون كلمة من أجل الهزيمة؟

بالنسبة له، وهو الذي عمل على الارتقاء ببلاده حضاريًا، ما من صنعاء أخرى. صنعاؤه هي الـ”صنعاء” الوحيدة التي يمكن أن تكون شاهدًا على يوم القيامة. كانت صنعاء هي مختبره الشعري وهي قيامته.

حين أغمض عبد العزيز المقالح عينيه للمرة الاخيرة يوم 28 تشرين الثاني 2022 انتبه كثيرون إلى أنهم برثائه انما يرثون اليمن، أي صنعاءه التي عمل من أجل إضاءة أرواح سكانها بنور الشعر.

إقرأ أيضاً

من يجرؤ على مواجهة الحزب.. قبل تدمير لبنان؟

تكمن المشكلة المزمنة التي يعاني منها لبنان في غياب المحاسبة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بقضايا كبرى في مستوى دخول حرب مع إسرائيل بفتح جبهة جنوب…

لماذا لا يرى أتباع إيران الحقيقة؟

لو صدّقت إيران كذبتها فذلك من حقّها. غير أنّ حكاية الآخرين مع تلك الكذبة تستحقّ أن يتأمّلها المرء من غير أن يسبق تأمّلاته بأحكام جاهزة….

حسابات أنقرة في غزة بعد 200 يوم

بعد مرور 200 يوم على انفجار الوضع في قطاع غزة ما زالت سيناريوهات التهدئة والتصعيد في سباق مع الوقت. لو كان بمقدور لاعب إقليمي لوحده…

مقتدى الصدر في آخر استعراضاته المجّانيّة

لا يُلام مقتدى الصدر على استعراضاته المتكرّرة بل يقع اللوم على مَن يصدّق تلك الاستعراضات ويشارك فيها. وقد انخفض عدد مناصري الصدر بسبب ما أُصيبوا…