كويت ثانية: اللحاق بالرياض وأبو ظبي

ببرنامج عمل يقع في 64 صفحة، عنوانه “وطن آمن ورفاهية مستدامة”، ومرتكزه الأساسيّ “الإنسان الكويتي”، وجدوله الزمني يستمرّ 4 سنوات، تسعى الحكومة الكويتية الجديدة إلى “تصحيح المسار” من خلال “نهج جديد” في عمل السلطة التنفيذية وصفحة جديدة من التعاون مع السلطة التشريعية وصولاً إلى تحويل الكويت إلى مركز ماليّ جاذب للاستثمار، تمهيداً للتخلّص من “الإدمان على النفط”.

يتشعّب ما بين السياسي والاقتصادي برنامجُ عمل الحكومة التي تمّ تشكيلها بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في نهاية أيلول الماضي وأفرزت مشهداً سياسياً جديداً مختلفاً بشكل كلّيّ عن سابقه: رؤساء جدد للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، مجلس أمّة ممسوك من غالبيّة صقور معارضين (بالمفهوم السابق)، نفضة شاملة في الإدارات مع توالي إقالات واستقالات القياديين لدرجة أنّ أيّ قياديّ في أيّ منصب بات مستعدّاً في أيّ وقت لتلقّي خبر إقالته (أو قبول استقالته بناء على طلبه) عبر “الواتساب” أو من أحد الحسابات الإخبارية في “تويتر”.

يتشعّب ما بين السياسي والاقتصادي برنامجُ عمل الحكومة التي تمّ تشكيلها بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في نهاية أيلول الماضي وأفرزت مشهداً سياسياً جديداً مختلفاً بشكل كلّيّ عن سابقه

قوّة المشروع من قوّة الحكومة برلمانيّاً

هكذا أقرّت الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ أحمد نوّاف الأحمد الصباح، ابن الأمير الشيخ نوّاف الأحمد الصباح، مطلع الأسبوع الحالي، خطّة عمل غير مسبوقة، تحمل ميزتين أساسيّتين:

1- الشمولية لجهة تغطية كلّ المحاور السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال 435 برنامج عمل.

2- ربط البرامج بجداول زمنية محدّدة: 19 يتمّ إنجازها خلال 100 يوم، و123 خلال سنة، و106 خلال سنتين، و96 خلال 3 سنوات، و91 خلال 4 سنوات.

تكمن قوّة الحكومة في أنّ لديها غالبيّة مؤيّدة لها من النواب، وبضمّها وزراء لديهم شعبيّة وأرضيّة سياسية تُمكّنهم من لعب دور
“الدينامو” في العلاقة مع مجلس الأمّة، وتحديداً نائب رئيس الوزراء براك الشيتان والوزير عمار العجمي اللذين فرضهما النواب بعد التشكيلة الحكومية الأولى التي خرجت إلى العلن ولم تصمد لأيّام.

ما يميّز الحكومة الحالية أنّها تضع الأساس لمرحلة سياسية مختلفة في الكويت، عنوانها الاستقرار السياسي الذي يسمح بتحقيق الإنجاز الاقتصادي. تكمن المشكلة الكبرى في “الإدمان على النفط”، كما يحلو لبعض الاقتصاديين تسميتها، إذ إنّ أكثر من 90 في المئة من الإيرادات السنوية مصدرها النفط (المصروفات في السنة المالية 2022 – 2023 تبلغ 23.5 مليار دينار، أي ما يعادل نحو 76 مليار دولار، فيما الإيرادات تبلغ 23.4 مليار دينار غالبيّتها من النفط بواقع 91 في المئة).

ولهذا بات الهدف الأساسي للحكومة هو تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط قدر الإمكان، بالنظر إلى ارتباط أسعاره بالأوضاع الجيوسياسية، التي قد تؤدّي مستقبلاً إلى انخفاضه والدخول في العجز، كما جرى في أعوام “كورونا” وقبلها.

وللوصول إلى الهدف، لا بدّ من تغيير الأسس التي ترتكز عليها الدورة الاقتصادية، وهو ما يتطلّب سنوات من تنفيذ الخطط التي تستوجب استقراراً سياسيّاً.

يراوح عمر الحكومات في الكويت بين سنة وسنة ونصف سنة حدّاً أقصى، وهو السبب الأساسي الذي يرى فيه كثيرون العائق الأكبر أمام خطط التنمية الشاملة، لكنّ بعض الحكومات استمرّت أسابيع وبعضها أشهراً، ولم تستطع أصلاً صياغة برنامج عمل، فضلاً عن تنفيذه.

تتألّف هذه الحكومة بناءً على أرضيّة مختلفة وفي أجواء سياسية مغايرة، ولذلك تطمح إلى إكمال السنوات الأربع كاملة، التي تشكّل عمر مجلس الأمّة، الأمر الذي يُتيح لها بالفعل تطبيق برامجها وتحقيق أهدافها.

الاستقرار السياسيّ ضمان النجاح

بغضّ النظر عن أنّ الحكومة نفسها استمرّت أو طرأت عليها بعض التعديلات أو حتى تمّ تشكيل غيرها خلال السنوات الأربع، فإنّ الأهمّ يبقى استمرار “الاستقرار السياسي” الذي يسمح بتحقيق الإنجاز. ومؤدّى ذلك ضرورة تحوُّل “شهر العسل” الحالي بين الحكومة ومجلس الأمّة إلى علاقة تعاون دائمة واضحة الأسس محكومة بتوازنات سياسيّة تُرضي جميع الأطراف.

فـ”الملفّات الشعبوية” هدف غالبيّة نوّاب المجلس، و”الاستقرار” هدف الحكومة، وما دام سعر برميل النفط مرتفعاً، لا يبدو أنّ هناك أحداثاً غير محسوبة يمكن أن تقلب المشهد، لأنّ السلطة التنفيذية ليست بحاجة في المستقبل القريب إلى فرض ضرائب على الأفراد، أو اللجوء إلى الاستدانة (عبر قانون الدين العامّ) أو السحب من صندوق احتياطي الأجيال. وهي في الوقت نفسه قادرة على إرضاء النواب بإقرار جملة تشريعات تتعلّق بقضايا جوهرية تمسّ المواطن، مثل المشكلة الإسكانية واستدامة الرفاهية وتوفير فرص العمل. (توظّف الحكومة سنويّاً في الوزارات والجهات نحو 20 ألفاً من الخرّيجين، وهي تخطّط لرفع الرقم إلى 24 ألفاً في السنوات المقبلة، مع توفير نحو 15 ألف فرصة عمل في القطاع الخاصّ لاستيعاب جميع الخرّيجين، سواء من جامعة الكويت والجامعات الخاصة داخل الكويت أو من الطلاب المبتعثين للدراسة في الخارج).

إقرأ أيضاً: الكويت.. أزمة دستورية على الطريقة اللبنانية

العمل لتجاوز الصراع الأزليّ بين الحكومة والبرلمان

على الرغم من التوقّعات بسقوط بعض الوزراء عبر الاستجوابات في مجلس الأمّة، فإنّ ذلك لا يُغيّر كثيراً في المشهد الكُلّيّ، لأنّ النهج السائد اليوم مرشّح للاستمرار خلال السنوات الأربع المقبلة، وهي الفترة اللازمة لاستكمال “التغيير” و”تصحيح المسار”، بمعنى إنهاء الصراع الأزليّ المستحكم بين الحكومة ومجلس الأمّة، والانتقال إلى التنمية الاقتصادية الفعليّة عبر تغييرات هيكليّة في الاقتصاد، ودعم القطاع الخاصّ، ومكافحة الفساد، وإنهاء الواسطة والمحسوبيّات في تعيينات القياديين في الجهات الحكومية، بحيث يتحوّل الجهاز التنفيذي من الركود والمراوحة إلى تحقيق النتائج والإنجاز، بما يواكب النهضة التي تشهدها دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدَّمها السعودية وقطر والإمارات.

إقرأ أيضاً

من يجرؤ على مواجهة الحزب.. قبل تدمير لبنان؟

تكمن المشكلة المزمنة التي يعاني منها لبنان في غياب المحاسبة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بقضايا كبرى في مستوى دخول حرب مع إسرائيل بفتح جبهة جنوب…

لماذا لا يرى أتباع إيران الحقيقة؟

لو صدّقت إيران كذبتها فذلك من حقّها. غير أنّ حكاية الآخرين مع تلك الكذبة تستحقّ أن يتأمّلها المرء من غير أن يسبق تأمّلاته بأحكام جاهزة….

حسابات أنقرة في غزة بعد 200 يوم

بعد مرور 200 يوم على انفجار الوضع في قطاع غزة ما زالت سيناريوهات التهدئة والتصعيد في سباق مع الوقت. لو كان بمقدور لاعب إقليمي لوحده…

مقتدى الصدر في آخر استعراضاته المجّانيّة

لا يُلام مقتدى الصدر على استعراضاته المتكرّرة بل يقع اللوم على مَن يصدّق تلك الاستعراضات ويشارك فيها. وقد انخفض عدد مناصري الصدر بسبب ما أُصيبوا…