تايوان بين بايدن وشي: لا حرب.. ولا سلم

استحوذت تايوان على أهمية كبيرة خلال لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، المنتشي بتقدّمه الطفيف في مجلس الشيوخ، مع شي جين بينغ، الرئيس الصيني ذي السياسة المتشدّدة في مجال الحرّيات، في أوّل ظهور دولي له.

تخطّت تايوان كلّ الملفّات بتأثيرها البعيد المدى على العلاقات الثنائية بين العملاقين الأميركي والصيني، علماً أن البيت الأبيض يستخدم تايوان كمخلب قطّ في مواجهة تنّين بكّين، على الرغم من ثبات الموقف الأميركي حيال “الصين الواحدة” إثر إعلان فكرة “دولة واحدة ونظامين” التي صيغت بعد فترة وجيزة من تطبيع العلاقات الأميركية – الصينية، وظلّت ثابتة منذ ذلك الحين.

لكن في غضون ذلك تغيّرت تايوان وغيّرت العلاقات عبر المضيق. فهل الصين مستعدّة للتغيير أيضاً؟

على الرغم من الأزمات والتوتّرات الدورية بسبب تايوان في العقود التي تلت ذلك، تميل الولايات المتحدة والصين إلى التعامل الحكيم في علاقاتهما الثنائية

لقاء التبريد

لقاء الساعات الثلاث بين الرئيسين مهمّ لمحاولة فهم الخطوط الحمر لكلا البلدين. فالحديث عنها كافٍ للتهدئة، ولو كان الكلام للكلام وحسب، وبحث إمكان عدم الاقتراب منها من قبل الدول الأخرى، خصوصاً تلك التي تتعلّق بالاختلافات المنهجية والتقويمية للسلوكيات الديمقراطية. فهل بات نموذج “دولة واحدة ونظامين” مستحيلاً؟

تعتمد كلّ من الصين وأميركا مبدأ “التبريد”. فما هو إيجابي بالنسبة إلى بكّين ليس بالضرورة أن يكون سلبيّاً بالنسبة إلى واشنطن، والعكس صحيح. الاجتماع في حدّ ذاته، ولو كان شكليّاً، إيجابيٌّ لإدارة المنافسة من دون المزاحمة والتحارب، وللحفاظ على الاتصالات ولو بالحدّ الأدنى. إذ ليس من تغيير في المبادئ ولا في قواعد اللعبة التقليدية، بل الأمر تحديدٌ وتثبيتٌ وتحييدٌ للخلاف. فما زالت أميركا بايدن متمسّكة بمبدأ “الصين الواحدة”، في مقابل تعهّد الصين بعدم التدخّل العسكري في الجزيرة، الذي تعارضه واشنطن معارضة شديدة. وقد أسّس اللقاء لسلسلة لقاءات لاحقة بين الطرفين، من بينها زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الصين.

لم تكن واشنطن وبكين على اتفاق كامل بشأن وضع الجزيرة، وتعتبر بكين تايوان جزءاً من الحرب الأهلية الصينية التي اندلعت في الأربعينيات، وآخر قطعة من الأراضي التي يجب توحيدها مع البرّ الرئيسي، لتحقيق ما أطلق عليه الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ “التجديد العظيم للأمّة الصينية”. هذا في حين أنّ أميركا تراها شريكاً قويّاً لها، باعتبارها ديمقراطية صغيرة ومزدهرة تعيش بجوار ديكتاتورية شيوعية ضخمة ومهدِّدة.

في أحسن الأحوال اتّفقت الولايات المتحدة والصين على عدم الاتفاق وتجاهل القضية التي تبدو مستعصية على الحلّ حاليّاً، من أجل المضيّ قدماً في ما اعتبره الجانبان “علاقة ثنائية إيجابية ذات منفعة عالمية”. كان هذا صحيحاً بالتأكيد في المراحل الرئيسية منذ عام 1972، عندما تعهّدت كلتا الدولتين في “بيان شنغهاي” بالسعي إلى إقامة علاقات دبلوماسية رسمية طبيعية، تتويجاً لزيارة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية للصين.

على الرغم من الأزمات والتوتّرات الدورية بسبب تايوان في العقود التي تلت ذلك، تميل الولايات المتحدة والصين إلى التعامل الحكيم في علاقاتهما الثنائية باعتبارها أولوية أعلى من حلّ وضع الجزيرة، ولا سيّما مع استحالة توصّل المفاوضين إلى لغة مشتركة تتعلّق بتايوان. غير أنّ هذا النهج كان قابلاً للتطبيق خلال فترة السبعينيات والثمانينيات على نحو أسهل بكثير من تطبيقه في التسعينيات، إضافة إلى أنّ تايوان أضحت قضية مثيرة للجدل في السنوات الأخيرة، فيما تدهورت العلاقات الأميركية الصينية بشكل كبير في السنوات العشرين الأخيرة. فهل تبدو تايوان المكان الأكثر احتمالاً لإشعال شرارة مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة والصين، على الرغم من كلّ الكلام المعسول الذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة؟!

الصراع جزء من “الحرب الناعمة” بين أميركا والصين، ومن الشعارات العلنية لزعمائهما والتي تلتقي على طلب السلام والتفاهم

لماذا تلتهب علاقة الجبارين؟

لماذا عاودت تايوان الظهور من جديد ككرة حمراء ملتهبة في العلاقات الأميركية – الصينية؟ هناك ثلاثة أسباب أساسية:

– أوّلاً، تايوان قضية تتحدّى الحلّ: على الرغم من محاولة تنحيتها من قبل الجانبين بهدف إدارة ملفّها بدقّة وحكمة، كان مأمولاً السيطرة عليها من خلال توتير علاقات واشنطن وبكين حولها في السبعينيات والثمانينيات، تاركين لمرور الوقت يحل المشكلة بينهما. لكن لم تتنبّأ واشنطن ولا بكين بكيفيّة التغيير المؤسساتي في تايوان من خلال التحوّلات الملحوظة التي بدّلت قضيّة الجزيرة. فقد تطوّر نظام الحكم في تايوان في أواخر الثمانينيات والتسعينيات، فتحول من نظام استبدادي صارم إلى واحد من أفضل الديمقراطيات الحيوية عالمياً في الألفية الجديدة. وأدّى هذا التحوُّل إلى ارتياب بكين، فيما نظرت واشنطن إلى تايوان بإيجابية وتعاطف.

– ثانياً، تايوان قضية مركزية في العلاقات الأميركية – الصينية: صحيح أنّ الصين أعطت الأولوية علناً لسياسة التوحيد السلمي، إلا أنّها لم تتخلَّ أبداً عن احتمال استخدام القوة. وتنظر بكين إلى إضفاء الديمقراطية على تايوان بتشكك وانزعاج. وهذا أقلق واشنطن، خصوصاً خلال المراحل الانتخابية في الجزيرة.

أما نموذج “دولة واحدة ونظامين” – وهي الفكرة التي روّجت لها بكين لأنها تسمح للجزيرة بالتصالح رسمياً مع البرّ الصيني، مع احتفاظها بدرجة عالية من الحكم الذاتي – فهو حلّ أجوف بالنسبة إلى شعب تايوان. وهذا ما ثبتت صحّته بعد الأحداث الأخيرة في هونغ كونغ: قامت بكين بقمع الحرّيات الأساسية والمعارَضة بشدّة، فارتفع مستوى القلق الأميركي من السلوك الصيني القاسي في هونغ كونغ، ومن أسلوبها في مضيق تايوان. فوجهت واشنطن تهديدات قاسية اللهجة إلى الصين، لتطمين تايوان.

– ثالثاً، تايوان موضوع هشّ وقابل دائماً لسوء الفهم: أدّت مغالطات التفسير إلى تضخيم تأثير التفسيرات الخاطئة بين واشنطن وبكين، ولوم كلِّ جانبٍ الآخرَ على تفسيره، وتوجيهه تهم انتهاك الاتفاقات القائمة تجاه تايوان. وهذا زاد التوتّر في المضيق ومخاطر المواجهة والصراع بين الولايات المتحدة والصين.

إقرأ أيضاً: الولايات المتحدة.. هل تفككها الانقسامات؟

أخيراً، يجب الاعتراف بالتالي:

– الصراع جزء من “الحرب الناعمة” بين أميركا والصين، ومن الشعارات العلنية لزعمائهما والتي تلتقي على طلب السلام والتفاهم.

– استبعاد فرضية حرب باردة جديدة بين بكين وواشنطن.

أمّا الخبايا فمتروكة للمقبل من الأيام. والمعادلة الجديدة هي “مبدأ الصين الواحدة مقابل تخلّي بكين عن الحلّ العسكري”، حفاظاً على التقارب التجاري والشراكة الاقتصادية.

فمن سيتغيّر أوّلاً: الصين أم أميركا؟

إقرأ أيضاً

هل يسير لبنان على خطى غزّة.. نحو التدمير الكامل؟

لا إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو أيّ إدارة يمكن أن تخلفها، ولا أيّ حكومة إسرائيلية، بقي رئيسها بنيامين نتنياهو أو رحل، يمكن أن تقبل…

الانتخابات التركيّة: معركة إردوغان – إربكان أيضاً؟

إلى أين ستتّجه أنظار الناخب التركي مساء الأحد المقبل، وهو يتابع نتائج الانتخابات التركيّة المحلّية عبر الشاشات؟ نحو أرقام وحصّة حزب “الرفاه من جديد” الذي…

الجماعة الإسلاميّة: أوقفوا المخالفة الشرعيّة

مثَلُ الأمين العامّ للجماعة الإسلامية الشيخ محمد طقّوش كمثل عبد الله بن مرثد الثقفيّ. الذي عمد إلى قطع حبال الجسر بسيفه في موقعة الجسر بين…

هجوم موسكو: بوتين فاز بـ11 أيلول روسي

ربّما المجزرة، التي نُفّذت في مجمع “كروكوس سيتي هول” الموسكوفي، هي الجرح الأكبر الذي يصيب فلاديمير بوتين منذ جلوسه في الكرملين سيّداً مطلقاً لروسيا. لكنّ…