نتائج الاحتجاجات الإيرانية: المعادلة لرئاسة جديدة

يتقدّم الحدث الإيراني إلى واجهة الأحداث في المنطقة، وبالموازاة يحضر الملف اللبناني الذي أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالتطوّرات الإيرانية، وبالتحديد الانتخابات الرئاسية. فالاحتجاجات الشعبية التي دخلت شهرها الثالث في إيران والتي تطال شرائح اجتماعية متنوّعة ومناطق مختلفة لم تقتصر تداعياتها المباشرة على معادلة الحكم داخل إيران وحسب، بل هي تطال أيضاً كلّ المعادلة الإيرانية في المنطقة التي يشكّل لبنان جزءاً رئيسياً منها.  

لذلك لا يمكن الفصل بين استراتيجية النظام الإيراني للتعامل مع الأحداث داخل البلاد وبين استراتيجيّته للتعاطي مع الملفّات الإقليمية والدولية، باعتبار أنّ نظام الملالي يوظّف الآن كلّ أدواته الداخلية والخارجية لتجاوز التحدّي الداخلي غير المسبوق الذي يواجهه، وهو ما يعني أنّ الاستحقاق الرئاسي في لبنان بات يشكّل جزءاً من الاستراتيجية الخارجية لإيران للتعامل مع أزمتها الداخلية التي تأخذ بطبيعة الحال أبعاداً خارجية بالنظر إلى الضغوط الدولية المتصاعدة على النظام الإيراني على خلفيّة اتّهامه بقمع المحتجّين، وبالنظر أيضاً إلى ردّة فعل النظام على هذه الضغوط.

استراتيجية إيران الخارجية على وقع الاحتجاجات تتفاوت بين التصعيد والبحث عن نوافذ للتهدئة مع الدول الغربية والإقليمية

استراتيجية مركّبة

إزاء هذه الأزمة المركّبة والمعقّدة ينتهج النظام استراتيجية مزدوجة، داخلية وخارجية، مركّبة أيضاً. فإذا كان من الواضح أنّ استراتيجية النظام الرئيسية ضدّ المحتجّين هي استراتيجية القوّة، فهو يستخدم القوّة بتفاوت بين المحافظات، إذ يستخدمها بإفراط في المناطق الكردية غرب البلاد، بينما يتدرّج في استخدامها في محافظات أخرى، وهنا تتصادم ديناميّتان غير معلنتين تماماً، فبينما يحاول المحتجّون، وبالأخصّ الأكراد، تظهير عنصر الوحدة الوطنية بينهم على اختلاف تنوّعهم الإثني، يُتّهم النظام بأنّه يلعب على الحساسيّات الإثنيّة، إذ يتعاطى مع “المسألة الكردية” داخل إيران بوصفها مسألة إقليمية، ولا سيّما أنّه يقصف مواقع للمعارضة الكردية في كردستان العراق، مستفيداً أيضاً من لحظة المواجهة بين تركيا وأكراد سوريا.

أيّاً يكن من أمر فإنّ النظام يتّبع تكتيكات مختلفة ضمن استراتيجية القوّة في الداخل. وهي تكتيكات لا يمكن له أن يتحكّم بها على نحو مطلق بالنظر إلى ديناميّات الاحتجاجات المتنوّعة، وهو ما يجعل استراتيجية القوّة تلك تنطوي على ارتباك، خصوصاً مع بدء صدور أصوات داخل دوائر النظام تدعو إلى “الإصلاح”. وهو ما يطرح سؤالاً عمّا إذا كان النظام مستعدّاً لإظهار مرونة تحت وطأة الاحتجاجات في محاولة لاستيعابها أو لا؟

 

بين التصعيد والاحتواء

بالمثل فإنّ استراتيجية إيران الخارجية على وقع الاحتجاجات تتفاوت بين التصعيد والبحث عن نوافذ للتهدئة مع الدول الغربية والإقليمية. ففيما أعلنت إيران زيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المئة، وهو ما يشكّل خطوة متقدّمة لبلوغ نسبة التسعين في المئة اللازمة لإنتاج أسلحة نووية، أشار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى أنّ بلاده لا تزال تتبادل الرسائل الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن المباحثات النووية، لكن في المقابل لفتت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أنّ “البيت الأبيض غيّر استراتيجيّته تجاه طهران، إذ بات يخصّص اجتماعات الأمن القومي بشأن إيران لمناقشة خطط تقويض مساعيها النووية وتوفير معدّات اتصالات للمتظاهرين، بدلاً من مناقشة استراتيجية التفاوض للعودة إلى الاتفاق النووي”. وفي محاولة للتخفيف من وطأة الاتّهامات الغربية لإيران بشأن تزويدها روسيا طائرات مسيَّرة، أكّد عبد اللهيان أنّ بلاده لم تتلقَّ حتّى الآن أيّ دليل من كييف يثبت مزاعم استخدام روسيا طائرات إيرانية في أوكرانيا، علماً أنّ مسؤولاً أوكرانيّاً أكّد لـ”الغارديان” مقتل مستشارين من إيران متخصّصين بالمسيّرات في جزيرة القرم.

كان وقع الاحتجاجات في الداخل الإيراني على “حزب الله” أقلّ بما لا يقاس من وقعها على النظام في إيران أقلّه في المدى المنظور

من جهة أخرى، اعتبر الوزير الإيراني أنّ “دعم السعودية لوسائل إعلام معادية يتعارض مع تعهّداتها”، لكنّه أكدّ أنّ الحوار مع السعودية مهمّ لأمن المنطقة، فيما أشار وزير الخارجية العراقي أنّ بلاده تواصل التنسيق لإجراء جلسة تفاوض جديدة بين الجانبين.

يدّل كلّ ذلك على التكتيكات الإيرانية المختلفة ضمن استراتيجيّتها الخارجية لمواجهة الضغوط الدولية المستجدّة ضدّها على خلفيّة قمع الاحتجاجات في الداخل الإيراني، ولا سيّما أنّ هذه الضغوط ما عادت تقتصر على العقوبات الاقتصادية، بل بدأت تأخذ طابعاً عسكرياً وأمنيّاً.

 

المراوحة اللبنانيّة

بطبيعة الحال كان وقع الاحتجاجات في الداخل الإيراني على “حزب الله” أقلّ بما لا يقاس من وقعها على النظام في إيران أقلّه في المدى المنظور. لكن مع ذلك أصبح تعامل الحزب مع الوضع الداخلي اللبناني جزءاً لا يتجزّأ من استراتيجية النظام لمواجهة التحدّيات الداخلية والخارجية التي تواجهه. وهذا يعني أنّ الملفّ الرئاسي ليس ملفّاً معزولاً بذاته بل أصبح خاضعاً حكماً للاستراتيجية الإيرانية العامّة. وبالتالي بات انتخاب رئيس جديد للجمهورية مرتبطاً أكثر من ذي قبل بحركة الاستراتيجية الإيرانية بين التشدّد والمرونة، وهو ما ينعكس بشكل واضح في تعاطي “حزب الله” مع الاستحقاق الرئاسي الذي لا يخلو من ارتباك أيضاً. فالحزب الذي أعطى إشارات “إعلامية” إلى أنّه في صدد إسقاط صيغة “عون أو لا أحد” التي حكمت استحقاق 2016 على المرشّح سليمان فرنجية، أنّه لا يضع “فيتو” على انتخاب قائد الجيش رئيساً. وهذا لا يعني حتّى الآن أنّ الحزب متمسّك إلى النهاية بفرنجية، ولا يعني أيضاً أنّه تخلّى عنه ويدعم قائد الجيش بدلاً منه. بل إنّ الحزب يراوح حركته الرئاسية بين التشدّد، إذ يوحي بتمسّكه بفرنجية، والمرونة إذ يعطي إشارات إلى أنّه لا يشكّل عائقاً أمام أيّ تسوية رئاسية.

إقرأ أيضاً: سلاح الصمت في مواجهة النظام الإيرانيّ…

لكنّ كلّ ذلك على أهميّته لناحية تلمّس احتمالات الانتخابات الرئاسية يحصل في الوقت الضائع ما دام النظام الإيراني لم يُصدِر حتّى الآن إشارات أكيدة إلى استعداده للتنازل في الداخل والخارج تحت وطأة الاحتجاجات والضغوط الدولية. وهذا يجعل مستقبل الاستحقاق الرئاسي أكثر غموضاً على الرغم من أنّه يفتح الباب أكثر أمام توقّع عدم قدرة إيران ومعها الحزب على رفع سقوف عالية للتفاوض بشأن التسوية الرئاسية، أقلّه قياساً إلى استحقاق 2016!

إقرأ أيضاً

لا حظوظ للمحاولة القبرصيّة.. وعودة النازحين لم تحِن بعد

لا أرقام موحّدة لعدد اللاجئين السوريين في لبنان. مركز الدولية للمعلومات أشار في إحصاء له إلى أنّ عدد النازحين يقارب مليوناً وستمئة ألف سوري. في…

نامَت بيروت على حرب واستفاقت على Hiking العاقورة!

أتت استجابة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للزلزال العسكري الذي ضرب خطّ طهران-تل أبيب متأخّرة بالدعوة إلى عقد جلسة طارئة اليوم لمجلس الوزراء تحوّلت مساءً إلى…

الخبير العسكري خليل الحلو: الحرب الواسعة مازالت ممكنة

بعد أيام عاشها العالم متأهّباً في انتظار إيران، ردّت على الضربة الإسرائيلية لقنصليّتها في سوريا، التي ذهب ضحيّتها قادة في الحرس الثوري. مئات المسيّرات والصواريخ…

الحزب قَلِقٌ.. ويعتبر “حرب الإعلام” بخطورة “حرب الأمن”

في موازاة الحرب العسكرية التي تخاض في قطاع غزة وعلى الجبهات اللبنانية والعراقية والسوريّة واليمنيّة. والتي قد تنضمّ إليها إيران لاحقاً… هناك حروب أخرى تخاض…