آستانا “السوريّة”: تفجير “تقسيم” التركية يطغى على المباحثات..

آستانا “السوريّة”: تفجير “تقسيم” التركية يطغى على المباحثات..

مدة القراءة 7 د.

شهدت الأزمة في سوريا خلال السنوات الماضية عدّة مسارات سياسية موازية لمسار جنيف، فرضتها الوقائع الميدانية التي رافقها فتور في المواقف الدولية، وكانت أبرز تلك المسارات جولات محادثات آستانا، التي رعتها كلٌّ من تركيا وروسيا وإيران، بمشاركة وفدَيْ المعارضة والنظام. وقد شهدت محادثات آستانا انعكاسات ميدانية على الأرض، سواء من حيث تقدُّم النظام وتهجير عدد كبير من سكّان المناطق التي شملتها محادثات آستانا، أو من حيث وقف إطلاق النار و”خفض التصعيد” في تلك المناطق.

اليوم تبدأ الجولة التاسعة عشرة من محادثات آستانا السورية  في العاصمة الكازاخية آستانا، بحضور ضامني المحادثات: تركيا وروسيا وإيران، وبمشاركة وفدَيْ المعارضة والنظام، وبحضور الممثّل الخاصّ للأمين العام للأمم المتحدة في سوريا غير بيدرسون، إضافة إلى حضور ممثّلي حكومات لبنان والأردن والعراق بصفة مراقبين.

 

ماذا ستناقش الجولة الجديدة؟ وماذا تختلف عن سابقاتها؟

نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسيّة، عن المتحدّث باسم وزارة الخارجية الكازاخيّة أيبك صمادياروف، أنّ المحادثات ستركّز خلال هذه الجولة على ملفّات تتعلّق بالقضايا الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا، وعلى “التعزيز الشامل للعملية السياسية، وإجراءات بناء الثقة، ومنها إطلاق سراح الأسرى والبحث عن المفقودين”.

كشفت مصادر مطّلعة على سير المحادثات لـ”أساس” أنّ من المحتمل أن تتطرّق المحادثات إلى هجوم “هيئة تحرير الشام”، الشهر الماضي، على عفرين

تأتي هذه الجولة بعد عدّة أشهر على عقد الجولة الثامنة عشرة، في حزيران الماضي، التي كان بيانها الختامي قد كرّر ما ورد في بيانات سابقة، من احترام وحدة الأراضي السورية، ودعم العملية السياسية، واستمرار وقف إطلاق النار، ومحاربة التنظيمات الإرهابية. لكنّ التطوّر الذي حصل، بين جولتَيْ آستانا الحالية وسابقتها، هو إعلان بيدرسون إلغاء الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية في مدينة جنيف، نتيجة رفض النظام المشاركة إلا بعد تحقيق الشروط الروسية المتعلّقة بنقل مكان اجتماعات اللجنة من جنيف، لأنّ هذه الأخيرة لم تعد طرفاً محايداً إثر عدم منح الحكومة السويسرية الوفد الروسي التأشيرات على خلفيّة الخلاف الغربي الروسي بسبب الحرب الأوكرانية.

 

محاولة تفعيل اللجنة الدستوريّة عبر بوّابة فيينا بدلاً من جنيف

يُشير حضور المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون هذه الجولة من المحادثات، بحسب ما كشفت مصادر من المعارضة السورية لـ “أساس ميديا”، إلى محاولته إقناع موسكو بإعادة تفعيل اللجنة الدستورية التي توقّفت منذ عدّة أشهر، من خلال القبول بنقل مكان عقد الاجتماعات إلى العاصمة النمساوية فيينا، بدلاً من مدينة جنيف السويسرية، لكنّ هذا المقترح يثير تخوّف وفد المعارضة وبعض ممثّلي المجتمع المدني من محاولة إخراج اللجنة من مظلّة الأمم المتحدة والرعاية الدولية، ثمّ الالتفاف على بيان جنيف وقرار مجلس الأمن 2254.

في هذا السياق، رأى عبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز “جسور” للدراسات، أنّ “تركيا ستطلب إعادة تفعيل المباحثات، وقد تحاول التوسّط بين روسيا والغرب لحلّ الأزمة الدبلوماسية التي أدّت إلى تعطيل أعمالها، لكن لا يبدو أنّ روسيا قد تستجيب لهذه الدبلوماسية لأنّها تصرّ على نقل المباحثات إلى دول محايدة. عموماً، من غير المتوقّع إنجاز أيّ تقدّم في هذه القضية، في ظلّ استمرار حالة الصراع بين الغرب وروسيا، التي عمّقت حالة الجمود في الملفّ السوري”.

 

أهميّة مسار آستانا

قال رئيس وفد المعارضة في محادثات آستانا أحمد طعمة، في تصريح لموقع “أساس ميديا” إنّ “المحادثات ستركّز على متابعة المحاور السابقة المتعلّقة بملفّ المعتقلين، وإدخال المساعدات، ومعالجة انتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار، إضافة إلى مناقشة التطوّرات السياسية المتعلّقة بالملفّ السوري”.

وأشار طعمة إلى أنّ “هدف مسار آستانا منذ بدايته كان تبريد الواقع العسكري على الأرض تمهيداً لإقامة حلّ سياسي، وقد مرّت المحادثات بعدّة مراحل، انطلاقاً من خفض التصعيد، إلى اتفاق سوتشي، ثمّ تثبيت خطوط الجبهات في شمال غرب سوريا، وانتقلت حالياً إلى معالجة الانتهاكات”.

وأكّد أنّ “مسار آستانا لم يقدّم النتائج التي ينتظرها السوريون، لكن لا يمكن أن ننكر أنّ المسار تمكّنَ من تحقيق إنجازٍ يمكن البناء عليه لبدء عملية سياسية، في حال قرّر المجتمع الدولي الضغط على النظام”.

بحسب ما كشفت مصادر من المعارضة السورية لـ “أساس”، إلى محاولة المبعوث الدولي غير بيدرسون إقناع موسكو بإعادة تفعيل اللجنة الدستورية التي توقّفت منذ عدّة أشهر

النظام يعوِّل على وساطة روسيّة لتحقيق تقارب جديد مع أنقرة

يروّج النظام عبر وسائل إعلامه لفكرة أنّ موسكو تريد لعب دور وسيط بين دمشق وأنقرة، لتحقيق مزيد من التقارب، وربّما تكون جولة آستانا 19 أحد المداخل الممكنة، وخاصة إذا قدّم النظام تعهّدات جديدة بوضع حدّ لهجمات مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في محافظة الحسكة وريف حلب الشمالي. إلا أنّ أنقرة تتريّث، كما يبدو، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركيّة لبحث أيّ تطوير لعلاقتها مع نظام الأسد، حسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخميس الماضي.

من جهته، يحاول النظام السوري، عبر ورقة العلاقات مع تركيا، كسب المزيد من النقاط للضغط على قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ودفعها إلى تقديم تنازلات جديدة في منطقة شمال شرق البلاد، وخاصة في ما يتعلّق بملفّ النفط الذي تديره “قسد” حاليّاً وتبيعه للنظام ومناطق المعارضة.

 

هل يكون لتفجير “تقسيم” حيّز في البيان الختاميّ؟!

تأتي اجتماعات اللجنة الدستورية بعد أسبوع على الانفجار المروّع الذي شهده شارع استقلال في مدينة إسطنبول التركية، وراح ضحيّته عشرات القتلى والجرحى، واتّهمت الحكومة التركية حزب العمال الكردستاني، وجناحه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بالوقوف وراءه. وتوقّع عبد الوهاب عاصي أن “تطالب تركيا مجدّداً خلال محادثات هذه الجولة النظام السوري وحلفاءه بالالتزام بإخراج حزب العمال الكردستاني من مناطق عين العرب (كوباني) وغيرها، وأن تعيد التأكيد أنّ قوّاتها لا بدّ أن تشارك في أيّ عمليات عسكرية، لأنّ النظام أظهر أنّه غير قادر على القيام بذلك”، مضيفاً أنّه “في حال طالبت في هذا الاجتماع بشنّ عملية عسكرية بمفردها في المنطقة، فإنّ ذلك لن يلقى استجابة بالضرورة، لأنّ مناقشة نظام وقف إطلاق النار بات مرتبطاً أكثر بالمباحثات على مستوى الرئاسة والخبراء بين الدول الضامنة الثلاث”.

 

روسيا تحاول استغلال حادثة “هيئة تحرير الشام” في عفرين

كشفت مصادر مطّلعة على سير المحادثات لموقع “أساس ميديا” أنّ من المحتمل أن تتطرّق المحادثات إلى هجوم “هيئة تحرير الشام”، الشهر الماضي، على عفرين، وأن تحاول موسكو وطهران استغلال الهجوم لممارسة مزيد من الضغط على تركيا ووفد المعارضة السورية من أجل محاربة الإرهاب. ولكن من غير المحتمل أن تقبل تركيا حصول تصعيد جديد في الشمال السوري لأنّه سيؤدّي إلى أزمة لاجئين جديدة تركيا بغنى عنها قبيل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية منتصف العام المقبل.

إقرأ أيضاً: قاعدة مسيّرات إيرانية شرق سوريا لمواجهة التحالف الدولي..

بدأت جولات آستانا بعد سقوط مدينة حلب وتهجير قوات المعارضة منها مطلع عام 2017، ويحمّلها جزءٌ من المعارضة والسوريين مسؤوليّة اتفاقيات التهجير التي حصلت في غوطة دمشق ومحيط العاصمة وريف حمص الشمالي ومحافظة درعا وجنوب محافظة إدلب، لكنّ رعاتها يرون أنّها نجحت في تثبيت وقف إطلاق النار، وأنّ الاتفاق ما زال صامداً منذ أكثر من عامين.

إقرأ أيضاً

فيصل القاسم “لامس” 22 مليون عربي.. بحكاية فقره وجوعه؟

أحدثت إطلالة الإعلامي الشهير فيصل القاسم، عبر حلقة من برنامج بودكاست “ضيف شعيب”، ضجّة كبيرة على منصّات التواصل الاجتماعي، وحصدت أرقاماً قياسية في عدد المشاهدات….

هل تمرّ رئاسة الجمهوريّة من “خُرم” البلديّات؟

لا مشكلة نصاب في جلسة التمديد الثالث للبلديّات اليوم. تكتّل “لبنان القويّ” برئاسة جبران باسيل وكتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط وعدد من النواب قاموا…

الغداء الرئاسي الفرنسي؟

ثلاثة عناوين تركّز عليها فرنسا لإعادة تجديد دورها على الساحة اللبنانية. تستعيد باريس نشاطها بعد تيقّنها من أنّ المسار الذي انتهجته منذ عام 2020 لم…

اللاءات الأربع للحزب تفرمل الخماسية..

في مقابل الحراك الدولي والداخلي الناشط بكلّ الاتّجاهات، جنوباً ورئاسيّاً ونزوحاً سوريّاً، تؤكّد أوساط مطّلعة لـ “أساس” أنّ تحرّكات الدول المعنيّة بخفض التصعيد على الحدود…