تطبيق الطائف: الأونيسكو والكسليك… بدل جنيف

يخرج اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون من قصر بعبدا قبل يوم من انتهاء ولايته الرئاسية محاطاً بتيّاره وجمهوره. يقول العونيون إنّه قد يكون الرئيس الوحيد الذي يخرج من القصر محافظاً على حيثيّة شعبية وكتلة نيابية وازنة. فعلى الرغم من أزمات العهد التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها في ولاية واحدة، إلا أنّ التاريخ سيكتب عن هذا الرئيس أنّه كان مَن بدأ “معركة الطائف” في عهد متفجّر، بعدما شهد عهده اشتباكاً حقيقياً بين الرئاسة الأولى والرئاسة الثالثة حول “الصلاحيّات” و”الممارسة” على حدّ سواء.

عام 2005 اغتيل الرئيس رفيق الحريري في سياق محاولة اغتيال اتفاق الطائف، من دون أن ينجح الاغتيال في إنهاء أيّ منهما. بعد 7 أيار 2008 أدخل اتفاق الدوحة الثلث الضامن تحت سقف الطائف، ووضع “الفيتو” في يد “المعارضة”. وعلى الرغم من الفراغات التي عصفت بالرئاسة الأولى، إلا أنّها لم تعصف بالطائف إلى اليوم.

فهل يكون فراغ بعبدا بعد عون مقدّمة لنسف الطائف أم مقدّمة لتطبيقه؟

على الرغم من أزمات العهد التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها في ولاية واحدة، إلا أنّ التاريخ سيكتب عن هذا الرئيس أنّه كان مَن بدأ “معركة الطائف” في عهد متفجّر

محطّات إشكاليّة في العهد

من انتفاضة 17 تشرين 2019، يوم حمى الجيش المتظاهرين بوجه السلطة، مروراً بتحوُّل انفجار 4 آب 2020 إلى قضيّة مسيحية وما تبعه من اصطفاف مسيحي شيعي تحديداً، ووصولاً إلى رفض رئيس مجلس القضاء الأعلى إزاحة القاضي طارق البيطار عن ملفّ التحقيق أو تعيين قاضٍ بديل، وجد حزب الله نفسه في مواجهة مع مواقع مارونية عدّة، من رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش إلى مجلس القضاء الأعلى. وهذا بحدّ ذاته ما يدفع بالحزب إلى القيام بمراجعة سياسية وهو العائد بعد ترسيم الحدود شريكاً في الدولة.

على قاعدة فائض القوّة للشيعة مقابل فائض المناصب للمسيحيّين، تتخبّط القوى السياسية، ومن بينها الحلفاء أحياناً، في أدائها بمواجهة الأزمات التي تعصف بالدستور والسياسة والمال.

وعليه، يبدو أنّ مرحلة الفراغ المقبل ستحمل معها عنواناً أساسياً هو “الطائف”.

يتكرّر وصف الفراغ المقبل بأنّه لن يكون كالفراغ الذي سبقه، سواء الفراغ الذي كان قبل انتخاب ميشال سليمان أو ذاك الذي سبق انتخاب ميشال عون. وإذا كان فراغ عام 2007 قد استدعى مؤتمراً في الدوحة للاتفاق على ميشال سليمان رئيساً، فإنّ فراغ 2014 – 2016 لم يترك سبيلاً إلا انتخاب عون وانتخاب الرئيس المقبل قد يستدعي أكثر من ذلك، ولا سيّما أنّ طبيعة وتركيبة المجلس النيابي الحالي تبدو عصيّة على جمع 65 صوتاً لأيّ مرشّح. ولذلك يُفترض بأيّ تسوية بين القوى السياسية أن تكون مصحوبة بتفاهمات سياسية على أقلّ تقدير وتعديلات دستورية على أكثره. انطلاقاً من هنا، تبدو المرحلة مقبلة على ورش عمل ومؤتمرات ليست إلا ترجمة لحقيقة الأزمة اللبنانية.

وبين الأونيسكو والكسليك، يبدو أنّ “المواجهة” تحتدم في سياق معركة “تطبيق الطائف”، بعد فشل المحاولة السويسرية لتحضير الأجواء لمؤتمر في جنيف يبحث في “تعديل” الدستور.

يتكرّر وصف الفراغ المقبل بأنّه لن يكون كالفراغ الذي سبقه، سواء الفراغ الذي كان قبل انتخاب ميشال سليمان أو ذاك الذي سبق انتخاب ميشال عون

السعوديّة والذكرى الـ33

ضمن حركته تحت سقف “بيان نيويورك الثلاثي”، الأميركي الفرنسي السعودي، الذي قدّم درع حماية دولية وأوروبية وعربية لاتفاق الطائف، دعا السفير السعودي وليد البخاري إلى مؤتمر في الذكرى الـ33 لتوقيع الاتفاق، وذلك صباح السبت المقبل في قصر اليونيسكو.

فالسعودية العائدة إلى لبنان من بوّابة الحفاظ على الطائف في أيّ تسوية دولية مقبلة عليه، بدأت ورشة عمل مع القوى السياسية المختلفة لحماية الطائف والعقد الاجتماعي بين اللبنانيين.

وعلى الرغم من تأزّم العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية، ما تزال مقاربة الوضع اللبناني لناحية النظام واحدةً بينهما. وبناءً عليه تشير المعلومات إلى أنّ المملكة يعنيها لبنان بما يكفي لتكون لاعباً أساسيّاً في التسوية المقبلة عليه، وهذا يطرح مجموعة عناوين حول الدور السعودي العائد إلى لبنان: هل يجد حزب الله نفسه ملزماً بالحوار مع المملكة، في حال الاستجابة السعودية، ضمن معادلة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وسط كلام عن رغبة سعودية بتزكية هويّة رئيس الحكومة المقبل؟

الكسليك تحاور الجميع

وفيما تبدو البلاد مقبلة على فراغ قد يكون قاتلاً، قرّرت جامعة الروح القدس – الكسليك أن تلعب دوراً سيكون محورياً في المقبل من الأيام. فقد أعدّ فريق من المتخصّصين على طاولتها قانون اللامركزية الإدارية الذي ستطرحه الجامعة في مؤتمر تعقده في الأيام المقبلة. وفي معلومات “أساس” أنّ إدارة الجامعة تتواصل مع مختلف القوى السياسية المسيحية وغير المسيحية، ومن بينها حزب الله، لإيجاد مساحة من النقاش في شأن تطبيق بنود الطائف التي أبرزها وأهمّها يتلخّص بالاتفاق على صيغة قانون اللامركزية الإدارية. وفي المعلومات أيضاً أنّ المؤتمر الذي تنظّمه الجامعة سيتخلّله عرضٌ للقانون الذي عملت عليه ونقاشٌ فيه على أن يتمّ تبنّيه لاحقاً في مجلس النواب ليكون نافذاً.

تدرك الجامعة حساسية هذا القانون وأنّ بنوده قد تكون إشكاليّة لقوى سياسية في البلاد، وخصوصاً في ما يعني جباية الرسوم المناطقيّة ووجهة صرفها. غير أنّ الدور الذي تلعبه في التواصل ستكون له أهميّته في امتصاص الأزمة الحالية وتحويلها إلى فرص لخلق حياة سياسية أكثر تكافؤاً.

في السياق نفسه، نظّمت نقابة المحامين منذ أيّام، وتحت عنوان “اللامركزية”، مؤتمراً طرح فيه المجتمعون أفكاراً مختلفة وناقشوا صيغاً مختلفة للقانون.

ليس هذا الحراك، الذي تتكثّف نشاطاته، سوى دليل على أنّ هذا القانون بصيغه المختلفة وتقسيماته المناطقية المتنوّعة ولامركزية المال فيه سيتحوّل إلى مادّة سياسية أساسيّة في النقاش المقبل في البلد، وسترعاه الكلسيك من خلال تنظيم نقاش جدّي بين المسيحيين أنفسهم، وبينهم وبين المسلمين أيضاً. وطرح اللامركزية جزء من محاولات “تطبيق الطائف”، في مواجهة محاولات الخروج عليه.

فهل نشهد قريباً في الكسليك ممثّلاً عن حزب الله، بالإضافة إلى ممثّلين عن القوى الأخرى، يناقش قانون اللامركزية؟

وبين الأونيسكو والكسليك، يبدو أنّ “المواجهة” تحتدم في سياق معركة “تطبيق الطائف”، في مواجهة المحاولة السويسرية لتحضير الأجواء لمؤتمر في جنيف يبحث في “تعديل” الدستور

الحزب والطائف

في الجهة الأخرى، أدّى انفجار الطاولة السويسرية، التي كان جدول أعمالها مقاربة الطائف، إلى انحسار الكلام عن إسقاطه أو تعديله. غير أنّ الجوهر يدور حول تعاظم “قوّة الشيعية السياسية” مقابل”التخمة” في مناصب المسيحيين الأولى والأساسية في البلاد، إن في الرئاسة أو الجيش أو القضاء أو المصرف المركزي…

فكيف نذهب إلى معالجة عدم التوازن هذا بالنسبة إلى شريحة كبيرة من اللبنانيين، وتحديداً حزب الله العائد من ترسيم بحري يطرح على النقاش مسألة مستقبل سلاحه، ويفتح له باب المشاركة في الدولة بصفته لاعباً أساسياً فيها؟

مَن يمكن الركون إليه في فهم عمق الموقف لدى الحزب؟

إقرأ أيضاً: الحزب وجرحه… “الماروني”

المواجهة لم تنتهِ بعد، لا بل سيحمل المقبل من الأيام معه نقاشاً جدّياً، ولا سيّما أنّ حليف الحزب، التيار الوطني الحر، بدأ يدقّ ناقوس المسّ بـ”الطائف” بالقول إنّ الضنين على وثيقة الوفاق الوطني يجب أن يذهب إلى تشكيل حكومة جديدة لا إلى خلق أزمة دستورية ستخلق فوضى لن يعرف أحد تداعياتها على الحياة السياسية.

قال جبران باسيل من بكركي إنّ هناك مؤامرة على البلد. عن أيّ مؤامرة يتحدّث؟ وما هي مقوّماتها؟

عودٌ على بدء. يخرج عون اليوم من بعبدا إلى منزله الجديد حيث سيستقبله نوابه وتيّاره في الرابية، ومن هناك سيبدأ صفحة جديدة في العمل السياسي يقول العالمون به إنّه سيكون فيها أقرب إلى معارضة المنظومة التي قال إنّه سيحاربها يوم دخل بعبدا.

إقرأ أيضاً

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…

نقابة المهندسين: لماذا تعاقب طرابلس تيار المستقبل؟

عقب عودة الرئيس الحريري النسبية إلى الأجواء السياسية في ذكرى 14 شباط، أراد تيّار المستقبل تدشين عودته إلى الملعب السياسي عبر بوّابة انتخابات نقابة المهندسين،…