الكويت: وليّ العهد يُطلق رسائل تقلِب المشهد

في 22 حزيران 2022، انطلقت عمليّاً مسيرة “العهد الجديد” في الكويت مع الخطاب الذي ألقاه وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد نيابة عن الأمير الشيخ نوّاف الأحمد، وأعلن فيه حلّ مجلس الأمّة والرجوع إلى الشعب لتقرير مصيره و”تصحيح المسار”.

في 18 تشرين الأول الحالي، أي بعد نحو 4 أشهر، وُضعت النقاط على الحروف مع “وثيقة العهد الجديد” التي أعلنها وليّ العهد أمام مجلس الأمّة، في خطاب تاريخي بكلّ ما للكلمة من معنى، كرّس الانتقال من واقع إلى آخر واشتمل على تفاصيل غير مسبوقة، سياسية وقانونية ودستورية وشعبية، من شأنها قلب المشهد تماماً في الكويت.

وليّ العهد أطلق تحذيراً مزدوجاً ودعا إلى إنهاء التوتّر والتصدّع في العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية

السعدون رئيساً لمجلس الأمّة بتأييد شعبيّ

في الجلسة الأولى، التي عقدها مجلس الأمّة يوم الثلاثاء 18 تشرين الأول، خيّمت أجواء إيجابية لم تشهدها الكويت منذ سنوات طويلة، فكان التناغم عنوان العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والهدوء السِمة الطاغية على الأجواء، والتوافق العنوان الأساس، ووسط هذه الأجواء جرى انتخاب القطب السياسي والرمز أحمد السعدون رئيساً للمجلس بالتزكية، وسط التفاف برلماني حوله عكَسَ التأييد الشعبي الساحق الذي ناله في انتخابات 29 أيلول الماضي، بحصوله على أكثر من 12 ألف صوت، وهو رقم تاريخي في الكويت.

وسرى الأمر نفسه على الانتخابات الأخرى لمكتب المجلس (أمين السرّ والمراقب) واللجان (24 ما بين دائمة ومؤقّتة فازت كلّها بالتزكية ما عدا واحدة)، باستثناء انتخاب نائب الرئيس، الذي شهد معركة لم تُحسم إلا في الجولة الثانية لصالح النائب محمد المطير على حساب النائب حسن جوهر، وكلاهما من مجاميع المعارضة “السابقة”.

خريطة طريق

إذا كانت الحكومة قد أبصرت النور قبل أوّل جلسة برلمانية بيومين بتشكيلة جديدة (12 وزيراً جديداً من أصل 15)، فإنّ الواقع السياسي الجديد تكرّس فعليّاً مع خطاب وليّ العهد.

رسَمَ الخطاب “خريطة طريق” للمستقبل، بشموليّته لكلّ العناوين المطروحة وردّه على جميع الأسئلة التي تدور في أذهان الناس من عناوين كبرى وقلق على المستقبل.

كان الخطاب مُدجّجاً بالرسائل التي تؤكّد أنّ “العهد الجديد”، بقدر احترامه لإرادة الشعب في اختيار ممثّليه، فإنّه حازم في مواجهة أيّ “انحراف” لمجلس الأمّة عن دوره المنشود، في حال “المزايدة أو المساومة على القوانين التي تتعلّق بمصالح المواطنين بهدف الحصول على مكاسب شخصية”.

لكنّ معايير المُحاسبة تنطبق أيضاً على السلطة التنفيذية، التي يتوجّب عليها الآن وضع خطة استراتيجية وصولاً إلى “الحوكمة الرشيدة”، وإدخال تغييرات جذرية على طريقة العمل السابقة، بحيث يكون الإنجاز ضمن جداول زمنية محدّدة لا تقبل التأجيل.

وبدا واضحاً أنّ الهدف الأساسي والنهائي لكلّ التغييرات الجارية هو الوصول إلى الاستقرار، عبر انتهاء زمن توتّر وتصدّع العلاقات بين السلطتين وعدم تدخّل سلطة في عمل أخرى… “كفى ما أُهدر من جهود مضنية وأوقات ثمينة وأموال في غير موضعها”.

دلالات الرسائل

وفي رسالة ذات دلالات كبرى، شخّص وليّ العهد الواقع الخارجي المحيط بالكويت، فهناك “تقلّبات إقليمية ودولية خطيرة وفتن محيطة بنا… ونحن منشغلون بأتفه الأسباب والأمور”، وبالتالي لا بدّ من “الابتعاد عن الانشغال بصغائر الأمور”، والوقوف صفّاً واحداً بمواجهة دعاة الفرقة والفتنة.

وبرأي مراقبين، فإنّ “العهد الجديد” تجاوب مع كلّ مطالب النواب، سواء بتغيير وزراء أو عدم التدخّل في انتخابات رئاسة ومكتب ولجان مجلس الأمّة (مع خروج الحكومة من الجلسة أثناء بدء التصويت، وهي سابقة لم تحدث في تاريخ الكويت)، لكنّه في المقابل وجّه تحذيراً مزدوجاً لا لبس فيه:

1- التعامل بحزم مع أيّ مساس بصلاحيات واختصاصات الأمير الدستورية “لأنّ الاعتراض عليها يؤدّي إلى ضياع مكانة وهيبة الدولة ويضعف أركان الحكم فيها وهذا لن نسمح بحدوثه ولن نسكت عنه”.

2- تحذير بعض النواب من وضع ملفّات المتطاولين والمخالفين والخارجين على القانون ضمن أهمّ أولويّاتهم على حساب خطط التنمية الشاملة، لأنّ ذلك “ينطلق من قصر النظر ويهدف إلى تحقيق مصالح فئوية وطائفية”، في إشارة إلى المطالبات بعفو شامل عن شخصيات موجودة خارج البلاد، غالبيّتها مُدانة بأحكام قضائية.

وفي انتظار اتّضاح المسار الذي سيسلكه مجلس الأمة الجديد، يبدو من خلال تركيبة الحكومة، التي ضمّت نائبين وشخصيات مقرّبة من النواب، أنّ أجواء العلاقة بين السلطتين ستميل إلى الإيجابية والتعاون بدلاً من المواجهة التي كانت سائدة في السابق، وهو ما سيؤدّي إلى انصراف كلّ منهما إلى عملها، الأولى إلى التشريع والرقابة والثانية إلى التخطيط والتنفيذ.

إقرأ أيضاً: الكويت.. أزمة دستورية على الطريقة اللبنانية

وما يعزّز هذا الاحتمال وجود أحمد السعدون على رأس المجلس، وهو الدستوريّ المخضرم وضابط الإيقاع الخبير، ووجود الشيخ أحمد نوّاف الأحمد على رأس الحكومة، وهو الشخصية التوافقية القادمة من خارج الاصطفافات والخلافات السياسية التي طبعت المشهد في الكويت خلال العقدين الأخيرين.

إقرأ أيضاً

لبنان أمام خيارين: الحرب.. أو جنوب الليطاني “معزول السلاح”

ستّة عشر شهيداً سقطوا في أقلّ من أربع وعشرين ساعة في جنوب لبنان. هي الحصيلة الأكثر دموية منذ بداية الحرب. ليس هذا الخبر سوى مؤشّر…

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…