مع الولي الفقيه لا خلاص للإيرانيين وإيران

تسلّط الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها إيران الضوء على نقاط ضعف بنية النظام السياسي هناك. هو نظام يعيش عزلة مستلهَمة أصلاً من منظومة الأفكار التي تتحكّم بطريقة النظر إلى الشعب، والتي تقوم على أنّه لا يشكّل مصدراً للسلطات، على الرغم من إجراء انتخابات كلّ أربع سنوات لاختيار أعضاء مجلس النواب ورئيس الجمهورية الذي يُفترض أنّ له صلاحيات تنفيذية واسعة.

دولة تحمل تفويضاً إلهياً؟

غير أنّ ذلك الإجراء بغضّ النظر عن مستوى نزاهته يظلّ مجرّد واجهة ديمقراطية زائفة لنظام يستند إلى قاعدة صلبة من الاستبداد ويتّخذ من الدين عنواناً لسلطته. فدولة الوليّ الفقية الدينية لا تحتاج إلى الانتخابات لتتمتّع بشرعية كانت قد اكتسبتها من تفويض إلهي.

والحال هذه، فإن عمليّات القمع التي تمارسها الأجهزة الأمنية التابعة للدولة أو تلك التي هي جزء من الحرس الثوري نتاج عقل تأسيسي وبقناعة الفاعلين أنها في مكانها الصحيح. فهي لا تدافع مباشرة عن النظام السياسي بقدر ما تنفّذ واجباتها العقائدية التي تفرض على الشعب الامتثال والطاعة لأوامر الوليّ الفقيه التي لا تُردّ.

تحذيرات الخميني من المجتمع المدني ألزمت الجميع

ستظلّ المسافة بين دولة الوليّ الفقيه والمجتمع المدني قائمة ولا يمكن التقريب بينهما، بل حتى التيّار الإصلاحي الذي تمثّل بالرئيس محمد خاتمي لم يبذل أيّ جهد من أجل سدّ تلك الفجوة. ذلك لأنّ خاتمي، وهو رجل دين معتدل، لا يؤمن بالمجتمع المدني المستقلّ عن سلطة الوليّ الفقيه. كان خاتمي مثلما كان من قبله هاشمي رفسنجاني يؤمنان بالنظرية الخمينيّة ولم يكن في إمكانهما التحرّر من سلطة الوليّ الفقيه ولا يريدان ذلك. فأيّ انحياز إلى المجتمع المدني ضدّ السلطة الدينية المطلقة يمكن أن يشكّل نهاية الجمهورية الإسلامية، وهو ما حذّر منه الإمام الخميني.

ستظلّ المسافة بين دولة الوليّ الفقيه والمجتمع المدني قائمة ولا يمكن التقريب بينهما، بل حتى التيّار الإصلاحي الذي تمثّل بالرئيس محمد خاتمي لم يبذل أيّ جهد من أجل سدّ تلك الفجوة

إيران دولة لا تقيم في حاضرها ولا في واقعها. الواقع فيها هو صناعة يحرّك خيوطها الوليّ الفقيه الذي يملك يداً قويّة هي الحرس الثوري، الذي هو غير معنيّ بحياة الناس بقدر عنايته بتفريغ مشاعرهم من الرغبة في الانتماء إلى الحياة الدنيوية القصيرة من وجهة نظره. لقد وُجدت الجمهورية الإسلامية من أجل أن تكون تمريناً دنيويّاً يمهّد للذهاب إلى الآخرة. وهو ما تعهّد به الوليّ الفقيه أمام الإمام المهدي الذي سيشكّل ظهوره نهاية عذابات البشرية.

حل الإيرانيين مع دولتهم بإسقاطها

في تلك المساحة من سوء الفهم لا يمكن توقّع أن تقع تسوية سلميّة بين المحتجّين الإيرانيين على قتل الفتاة الكردية بسبب حجابها وبين النظام السياسي. والمحتجّون وبحسب زخم حراكهم لا يفكّرون إلّا في إسقاط النظام حلّاً. ذلك لأنّ شرائح كثيرة ومؤثّرة في المجتمع الإيراني صارت على يقين من أنّ القمع الذي يمارسه النظام هو جزء عضوي من آليّة وجوده التي لا يمكن أن تعمل إلى جانب تمتّع المجتمع بأيّ نوع من أنواع الحرّيات، العامّة والشخصية على حدّ سواء.

إيران دولة “ولي الفقيه

الجمهورية الإسلامية كما أسّسها الخميني لا يمكن أن تقوم لها قائمة بوجود مجتمع حيّ، يتمتّع أفراده بالقدرة على التفكير في إطار السعي إلى بناء دولة حديثة، تكون قادرة على مدّ جسور التفاهم والتعاون مع العالم المعاصر. ذلك لأنّ إيران الخمينيّة ليست دولة شعبها بل هي دولة الوليّ الفقيه الذي يتمّ التغاضي عن أخطائه البشعة إيماناً بأنّه معصوم من الخطأ، الأمر الذي يؤدّي إلى إرباك عمل أجهزة الدولة من غير أن يُلتفَت إلى مصدر ذلك الاضطراب.

إقرأ أيضاً: سلاح الحزب أساس إنهيار لبنان

ومهما بولغ بوجود تيار سياسي معتدل في إيران فإنّ ممثّلي ذلك التيار لن يتمكّنوا من دخول العملية السياسية وبلوغ المناصب العليا إذا لم يكونوا مؤمنين بمبدأ ولاية الفقيه، بما يعني إحكام سيطرة شخص مؤلّه لا يخطئ على كلّ شاردة وواردة من أمور الدولة والمجتمع. فلا اعتدال في إيران إلا من خلال رضا وموافقة الوليّ الفقيه. ذلك الرجل المحجوب عن المجتمع بهالة تفوّقه باعتباره ممثّل الإمام الغائب. وما العزلة التي تعيشها إيران عالمياً إلا انعكاس لعزلة ذلك الرجل.

*كاتب عراقي

إقرأ أيضاً

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…

“حصانة” إيران أم “الحصن” الإسرائيليّ؟

لماذا تعمّدت طهران ليلة السبت المنصرم الكشف عن كلّ تفاصيل خطة الهجوم الذي أعدّته ضدّ تل أبيب انتقاماً لاستهداف قنصليّتها في دمشق قبل أسبوعين والتسبّب بسقوط قيادات…

بايدن الرابح الأكبر من الضربة الإيرانيّة لإسرائيل

 ربح جو بايدن مزيداً من “المونة” على إسرائيل يمكّنه من لجم اندفاعها العسكري ضدّ إيران بعد توظيفه الدفاع عنها في المشهد الانتخابي. اكتسبت طهران موقع…