الحرب الروسية ـ الأوكرانية .. اليأس يورط واشنطن وموسكو (2)

تحاول واشنطن يائسة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، كما تقف روسيا أمام حائط مسدود بسبب عدم حسب الحرب التي شنتها  على أوكرانيا في شباط الماضي. اليأسان الأميركي والروسي قد يورط البلدين في مسارات تصعيد عسكري تُرجح التقديرات السياسية والإستخباراية أن يصل حد استعمال السلاح النووي، وعلى نحو متبادل بين الطرفين.

الولايات المتحدة الاميركية ولحاجتها إلى التركيز على احتواء الصين أو لأنّ التكاليف الاقتصادية لدعم أوكرانيا تسبّب مشاكل سياسية في أميركا وأوروبا تسعى لوقف الحرب،لكن ذلك لم يجد سبيله الى التنفيذ بعد. لذا سيكون لدى صُنّاع السياسة الأميركيين كلّ الأسباب للنظر في اتّخاذ إجراءات أكثر خطورة، مثل فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا أو إدخال وحدات صغيرة من القوّات البرّية الأميركية، لمساعدة أوكرانيا على هزيمة روسيا.

تحاول واشنطن يائسة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، كما تقف روسيا أمام حائط مسدود بسبب عدم حسب الحرب التي شنتها  على أوكرانيا في شباط الماضي

السيناريو الأكثر احتمالاً للتدخّل الأميركي سيحدث إذا بدأ الجيش الأوكراني بالانهيار أو بدا أنّ روسيا ستحقّق انتصاراً كبيراً. ونظراً إلى التزام إدارة بايدن بمنع هذه النتيجة، يُمكن للولايات المتحدة أن تحوّل دفّة الأمور عبر انخراطها مباشرةً في القتال.

هناك سيناريو آخر للتدخّل الأميركي هو “التصعيد غير المقصود”، بحيث تذهب واشنطن بلا قصد إلى الحرب بسبب حدثٍ طارىء يتصاعد تدريجيّاً وحلزونيّاً. فربّما تصطدم وعن طريق الخطأً طائرات مقاتلة أميركية مع أخرى روسية، عند خط التماس فوق بحر البلطيق. مثل هكذا حادثة وبسبب مخاوف الطرفين وإنعدام التواصل بينهما يمكن أن يًصعد الأمور عسكرياً .

ليتوانيا والمحطات النووية على خط التصعيد

هذا السيناريو شديد الصلة بآخر محتمل في ليتوانيا التي قد تمنع مرور البضائع الخاضعة للعقوبات التي تعبر أراضيها من روسيا إلى كالينينغراد. فعلت ليتوانيا ذلك في منتصف حزيران الماضي ، لكنّها تراجعت بعدما أوضحت موسكو أنّها تفكّر في “إجراءات قاسية” لإنهاء ما تعتبره حصاراً غير قانوني. ورفضت وزارة الخارجية الليتوانية رفع الحصار بالكامل.

ولأنّ ليتوانيا عضو في حلف الناتو، فمن المُرجح جداً أنّ تدافع عنها الولايات المتحدة إذا هاجمتها روسيا. وربّما تقوم روسيا بتدمير مبنى في كييف أو موقع تدريب في مكان ما بأوكرانيا وتقتل عدداً كبيراً من الأميركيين، مثل عُمّال الإغاثة أو ضباط المخابرات أو المستشارين العسكريين، ما يدفع إدارة بايدن ولمواجهة الإحتجاجات الداخلية ، إلى ضرب أهداف روسيّة، ليتبادل الطرفان بعدها الضربات.

ومن بين سيناريوهات “التصعيد الكارثي” الإستهداف المتبادل للمحطات النووية، وهذا بدت ملامحه في شهر آب الجاري عند إثارة مخاوف من أن يؤدي القتال إلى إلحاق الضرر بمحطة زابوريتشيا للطاقة النووية الكبرى في أوروبا، والتي تسيطر عليها روسيا. وقد ردّ نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف بطريقة قاسية على ذلك ، فقال “لا تنسوا أنّ هناك مواقع نووية في الاتحاد الأوروبي أيضاً، وأنّ الحوادث ممكنة هناك أيضاً”. إذا قامت روسيا بضرب مفاعل نووي أوروبي، فشبه المؤكّد أن تدخل الولايات المتحدة القتال.

وطالما أن السياسة لم تلجم تصعيد الميدان بعد، فإن السيناريوهات المبالغة تبقى حاضرة، كمثل قيام روسيا بهجمات ألكترونية ضد دول أو دولة أوروبية داعمة لأوكرنيا، ما يبرر لواشنطن الرد بهجمة مماثلة ضد موسكو. هذه سيناريوهات بعيدة الإحتمال لكنها تبقى قائمة لأنها ليست مستحيلة.

السيناريو الأكثر احتمالاً للتدخّل الأميركي سيحدث إذا بدأ الجيش الأوكراني بالانهيار أو بدا أنّ روسيا ستحقّق انتصاراً كبيراً

اللجوء إلى الحرب النوويّة

التصعيد الحالي على خطورته يبقى معقولاً تصوره، لكن ذلك ينتفي لصالح عنصر شديد الخطورة كمثل اللجوء إلى السلاح النووي. فحتى الآن تبقى موسكو مترددة في التصعيد للفوز بالحرب كتجنب إستهداف شبكة الكهرباء في أوكرانيا، ما أثار إنتقادات عند الروس اعترف بها بوتين وقال  “لم نبدأ بعد في التصرّف بشكل جدي”. هذا الوضع يبعث على التساؤل عن الشكل النهائي للتصعيد؟ والجواب على هذا قد يجد طريقه عبر ثلاثة إحتمالات:

1 ـ  دخول الولايات المتحدة وحلفائها المعركة ما يزيد من احتمال هزيمة روسيا التي قد تعتقد بـ “خطر وجودي” يدفع قادتها إلى استخدام الأسلحة النووية لإنقاذ الموقف. وكان بوتين في خطاب إعلان غزو أوكرانيا في 24 شباط الماضي ألمح بوتين بصراحة إلى أنّه سيلجأ إلى الأسلحة النووية .وكان  مدير المخابرات الوطنية الأميركية أبريل هينز قد توقّع في أن يستخدم الرئيس الروسي هذه الأسلحة “إذا تدخّل الناتو أو كان على وشك التدخّل”، لأنّ ذلك “يساعد في انطباع بأنّه على وشك خسارة الحرب في أوكرانيا”.

2 ـ نجاح أوكرانيا في قلب موازين المعركة وإسترداد أراضيها من دون تدخّل أميركي مباشر، ما يجعل روسيا تنظر إلى هذه النتيجة على أنّها تهديد وجودي يتطلّب ردّاً نووياً. وعلى عكس السيناريو الأوّل، ستستخدم موسكو الأسلحة النووية ليس في سياق حربٍ مع الولايات المتحدة، لكن ضدّ أوكرانيا. وستفعل روسيا ذلك بلا أيّ خشية أو قلق من احتمال ردٍّ بالمثل، لأنّ كييف لا تمتلك أسلحة نووية ولن يكون لواشنطن مصلحة في بدء حرب نووية.

3 ـ وصول الحرب إلى طريق مسدود مع إنعدام الحلول الديبلوماسية وإستزاف روسيا حد لجوئها إلى تصعيد نووي للفوز، حينها قد يصعد بوتين لتجنب الهزيمة، وسيبقى الانتقام النووي الأميركي بعيد الاحتمال.

هذه العناصر يعززها تقدير مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز في نيسان  الماضي، وقوله “لا أحد منّا يستطيع أن يتعامل باستخفاف مع التهديد الذي يمثّله الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية التكتيكية أو الطاقة النووية المنخفضة القوّة”.

إستدراك الكارثة

يُخطىء من يدّعي أنّه يعرف على وجه اليقين المسار الذي ستسلكه الحرب في أوكرانيا. ويصعب التنبّؤ بديناميكيّات التصعيد. وهذا ما يجب أن يكون بمنزلة تحذير لأولئك الذين هم على قناعة بإمكانية إدارة الأحداث في أوكرانيا.

إقرأ أيضاً: الحرب الروسية ـ الأوكرانية تبعث “النووي” ونهايات كارثية (1)

الخطورة يمكن فهمها من خلاصة المنظّر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز، عن أنّ النزعة القومية تشجّع الحروب الحديثة على التصعيد إلى أقصى أشكالها، خاصةً عندما تكون المخاطر كبيرة لكلا الجانبين. هذا يعني أنّ الحروب لا يمكن أن تظلّ محدودة، وأنّ حصرها ليس بالأمر السهل. عليه، ولأنّ تكاليف اي حرب نووية بين القوى العظمى باهظة، فإنّ احتمال حدوثها حتى لو كان ضئيلاً، يجب أن تجعل الجميع يفكّرون مليّاً وجدّيّاً في الاتجاه الذي قد يتّخذه هذا الصراع.

يولّد هذا الوضع المحفوف بالمخاطر حافزاً قويّاً لإيجاد حلّ دبلوماسي للحرب. لكن للأسف، ليس من تسوية سياسية في الأفق. فالطرفان يلتزمان بأهداف الحرب التي تجعل التسوية شبه مستحيلة. كان ينبغي لإدارة بايدن أن تعمل مع روسيا لتسوية الأزمة الأوكرانية قبل اندلاع الحرب في شباط. لكن الأوان قد فات الآن.  وثلاثي روسيا وأوكرانيا والغرب صاروا في وضع رهيب وبلا مخرج واضح. ولا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يدير قادة الجانبين الحرب بوسائل تتجنّب “التصعيد الكارثي”.

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

إقرأ أيضاً

لبنان أمام خيارين: الحرب.. أو جنوب الليطاني “معزول السلاح”

ستّة عشر شهيداً سقطوا في أقلّ من أربع وعشرين ساعة في جنوب لبنان. هي الحصيلة الأكثر دموية منذ بداية الحرب. ليس هذا الخبر سوى مؤشّر…

حين “يَعلَق” موكب ميقاتي بعجقة السير!

تتّسع دائرة الجفاء والتباعد على خطّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام المولوي والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. آخر الأخبار تؤكّد…

انتخابات روسيا: المسلمون واليهود صوّتوا لبوتين.. لماذا؟

حقّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية التي أُجريت بين 14 و17 آذار الجاري. وإذا كان الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد…

حلفاء “المحور” في لبنان… يخططون لـ”ما بعد طوفان الأقصى”

شهدت العاصمة اللبنانية بيروت في الأسبوع الفائت إنعقاد لقاء لقوى ومنظمات حزبية من محور الممانعة، منها قيادات في الحزب والجماعة الإسلامية وحركة حماس، وذلك بهدف…