الحرب الروسية ـ الأوكرانية تبعث “النووي” ونهايات كارثية (1)

2022-08-23

الحرب الروسية ـ الأوكرانية تبعث “النووي” ونهايات كارثية (1)

مدة القراءة 7 د.

الغزو الروسي لأراضي أوكرانيا رفع مستويات التوتر بين موسكو وواشنطن إلى مستويات غير مسبوقة، وطرح حظوظ التصادم الثنائي على بساط البحث. وإذا كان الإفتراص في عالم السياسة يقود إلى تقدير عقلاني جوهره أن الطرفين سيصعّدان لتحقيق امتياز ما أو لمنع هزيمة، فهذا يبقى مدرجٌ تحت سؤال عن “حدود الناتو”. حتماً الشعور القومي يعزز عناصر الحرب. لكن هذا العنصر يُستدل به في قراءة الحرب حصراً بين روسيا وأوكرانيا.

ولفهم ديناميكيّات التصعيد في حرب أوكرانيا ينبغي النظر إلى أهداف كلّ طرف من أطرافها. منذ بداية الحرب، زادت كلّ من موسكو وواشنطن طموحاتها كثيراً، وكلتاهما الآن تتعهّد بشدّة بكسب الحرب وتحقيق أهداف سياسية هائلة. لذا بات لدى كلّ جانب حوافزُ قويّة لإيجاد سبل للفوز، والأهمّ تجنّب الخسارة. يعني هذا عملياً أنّ الولايات المتحدة قد تنضمّ إلى القتال إذا صمّمت على أن تكسب أوكرانيا الحرب أو تحول دون هزيمتها، بينما يمكن لروسيا استخدام الأسلحة النووية إذا صممت على الفوز أو واجهت هزيمة وشيكة. وهذا قد يكون مرجّحاً إذا أقحمت القوات الأميركية في القتال.

 

إحتدام الحرب والسيناريوهات الكارثية

المشهد المحتدم هذا يدفع إلى الواجهة مسارات التصعيد بين واشنطن وموسكو في ظل إصرار كلٌ منهما على “نصر مطلق” يبدو في الواقع أنه مستحيل على كلتيهما. والمطروح في هذا السياق يتوزع على ثلاثة إحتمالات:

1 ـ تصعيد أحد الطرفين أو كليهما عمداً لتحقيق النصر

2 ـ تصعيد أحد الطرفين أو كليهما عمداً لمنع الهزيمة

3 ـ تصاعد القتال ليس عن طريق الاختيار المتعمّد، لكن عن غير قصد

 “التصعيد الكارثي” المثلث الأضلاع طرحه أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة شيكاغو جون ميرشايمر في مقالةٍ بمجلة “فورين أفيرز” معتبراً أن “هناك مخاطر تصعيد كارثي للحرب الروسية في أوكرانيا قد يؤدّي إلى حرب كبرى في أوروبا، وربّما حتى إلى إبادة نووية”.

دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها أوكرانيا لمنع روسيا من الإنتصار وكذلك لمساعدتها في التفاوض على وقف القتال

الإفتراض السياسي للحرب العسكرية التي شنتها روسيا على أوكرانيا يرى في تمسك ثلاثي واشنطن ـ كييف ـ موسكو بـ “النصر” ما يعدم المجال امام تحقيق تسوية سياسية.  فـ “روسيا ترى احتمال انضمام أوكرانيا إلى الناتو تهديداً مباشراً لأمنها القومي، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى إضعاف روسيا إلى حدّ يمنعها من القيام بما فعلته عندما غزت أوكرانيا. أمّا الأوكرانيون فهم عازمون على استعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا، بما فيها شبه جزيرة القرم”.

التأزم العسكري يستبعد السياسة

ميرشايمر الذي كتب مقاله تحت عنوان “اللعب بالنار في أوكرانيا” ووضع فيه  السيناريوهات الثلاثة اعتبر أنّ السيناريو الأكثر احتمالاً لذلك “سيحدث إذا بدأ الجيش الأوكراني بالانهيار، وبدا أنّ روسيا ستحقّق انتصاراً كبيراً”، لكنّه أشار إلى أنّ قلة تتفق على أنّ القوات الأميركية قد تشارك مباشرة في القتال، أو أنّ روسيا قد تجرؤ على أن تستخدم ترسانتها النووية.

ولئن كانت حدة تضارب المصالح بين أطراف النزاع تستبعد في راهنها إحتمال الوصول إلى تسوية على المدى القريب، فإن ذلك أيضاً يشكل سبباً لتجنّب ما أسماه ميرشايمر “التصعيد الكارثي”. هذه المعادلة المعقدة حتى اللحظة هي خلاصة تقدير سياسي مضمونه التشكيك بمشاركة القوات الأميركية مباشرة في القتال، وكذلك في جرأة روسيا على استخدام الأسلحة النووية.

في ظل هذا المشهد الميداني ورديفه السياسي الشديد الحذر من “التصعيد الكارثي” تبقى قدرة الأطراف المتحاربة على إدارة هذا الخطر ليست مؤكّدة. فمخاطر التصعيد أكبر بكثير ممّا تعتقده الحكمة التقليدية. فهناك أسباب وجيهة تدعو إلى القلق. ونظراً إلى عزم كلّ جانب على تحقيق أهدافه، فإنّ الفرصة ضئيلة للتوصّل إلى حلّ وسط. والتفكير المتطرّف السائد الآن في واشنطن وموسكو يعطي كلّاُ منهما سبباً إضافياً للفوز في ساحة المعركة لإملاء شروطه للسلام النهائي.

واشنطن ـ موسكو.. تغيير الأهداف

دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها أوكرانيا لمنع روسيا من الإنتصار وكذلك لمساعدتها في التفاوض على وقف القتال. لكن هذا تغيّر عندما بدأ الجيش الأوكراني بضرب القوات الروسية، خاصةً حول كييف، إذ بدلت إدارة بايدن مسارها نحو “هدفٍ أعلى”. فقد التزمت بمساعدة أوكرانيا على الفوز في الحرب. وسعت إلى إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الروسي من خلال عقوبات غير مسبوقة على موسكو. وذهبت واشنطن إلى أبعد من ذلك عندما ربطت سمعتها بنتيجة الصراع حيث وصف الرئيس الأميركي جو بايدن حرب روسيا في أوكرانيا بحرب “إبادة جماعية”، واتّهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّه “مجرم حرب” تجب محاكَمته في “محكمة جرائم حرب”. هذه التصريحات تجعل من الصعب تخيّل تراجع واشنطن.

في المقابل توسّعت الطموحات الروسية. وعلى عكس الإعتقاد السائد في الغرب، لم تغزُ موسكو أوكرانيا للاستيلاء عليها وجعلها جزءاً من روسيا الكبرى، بل كان الهدف الرئيسي منع أوكرانيا من أن تصبح حصناً غربيّاً على الحدود الروسية.

حتى عشيّة الغزو، كانت روسيا ملتزمة بتنفيذ اتفاقية مينسك الثانية التي كانت ستبقي دونباس جزءاً من أوكرانيا

كان بوتين قلقاً من انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، واعتبره “تهديداً مباشراً” لا يمكن تجنبه إلا بخوض حرب وتحويل اوكرانيا إلى “دولة فاشلة” أو “دولة محايدة”. هذا القلق بثه أيضاً وزير خارجيته سيرغي لافروف، فقال إنّ “مفتاح كلّ شيء هو ضمان عدم توسّع الناتو شرقاً”.

حتى عشيّة الغزو، كانت روسيا ملتزمة بتنفيذ اتفاقية مينسك الثانية التي كانت ستبقي دونباس جزءاً من أوكرانيا. وأثناء الحرب، استولت روسيا على مساحات شاسعة من الأراضي في شرق أوكرانيا وجنوبها. ما يهدد روسيا اليوم صار أكبر ممّا منه قبل الحرب. فإدارة بايدن مصمّمة الآن على دحر مكاسب روسيا الإقليمية وشلّ قوّتها بشكل دائم. وما زاد التعقيد على موسكو هو انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، وتحوّل أوكرانيا دولة أكثر تسلّحاً وأوثق تحالفاً مع الغرب. لهذا كله، لا تستطيع موسكو تحمّل الخسارة في أوكرانيا.

التطابق الأميركي ـ الأوكراني

تتراجع الآن احتمالات التسوية التفاوضية لإنهاء هذه الحرب بسبب تطابق الأهداف الأميركية الأوكرانية الساعية إلى استعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا. وكييف صارت أكثر إرتباطاً بواشنطن، وكلاهما يرفضان “أوكرانيا المُحايدة”. بالمقابل فإنه من غير المحتمل أن تعيد روسيا جميع الأراضي التي استولت عليها من أوكرانيا. هذا التقابل الميداني والسياسي يشجع حتى الساعة على ارتفاع عناصر التصعيد.

وما يزيد من حرارة هذه العناصر هو انّ إدارة بايدن خلصت في تقديراتها إلى إمكانية هزيمة روسيا في أوكرانيا. هذه الخلاصة حفزت الإدارة الأميركية على إرسال من الأسلحة إلى كييف.  كما بدأ الغرب عموماً بزيادة قدرات أوكرانيا الدفاعية والهجومية فراحت تتدفق انظمة الصواريخ والطائرات المُقاتلة.

إقرأ أيضاً: تركيا وإسرائيل… وعالم ما بعد الحرب الأوكرانيّة

وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، أنّ لدى الغرب “شبكة خفيّة من الكوماندوس والجواسيس” على أرض أوكرانيا. قد لا تكون واشنطن منخرطة مباشرة في القتال، لكنّها متورّطة في الحرب. وهي الآن على بعد خطوة قصيرة من أن يصبح جنودها هم من يضغطون على الزناد، فيما طيّاروها يضغطون على أزرار الصواريخ.

في الحلقة التالية: الحرب الروسية – الأوكرانية.. اليأس يورط واشنطن وموسكو

إقرأ أيضاً

الرّياض لواشنطن: Take it or leave it

يصلُ وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن إلى العاصمة السّعوديّة الرّياض نهاية الأسبوع للمُشاركة في فعّاليّات “المنتدى الاقتصاديّ العالمي” الذي تستضيفه المملكة يومَيْ الأحد والإثنيْن. فما…

فيصل القاسم “لامس” 22 مليون عربي.. بحكاية فقره وجوعه؟

أحدثت إطلالة الإعلامي الشهير فيصل القاسم، عبر حلقة من برنامج بودكاست “ضيف شعيب”، ضجّة كبيرة على منصّات التواصل الاجتماعي، وحصدت أرقاماً قياسية في عدد المشاهدات….

هل تمرّ رئاسة الجمهوريّة من “خُرم” البلديّات؟

لا مشكلة نصاب في جلسة التمديد الثالث للبلديّات اليوم. تكتّل “لبنان القويّ” برئاسة جبران باسيل وكتلة “اللقاء الديمقراطي” برئاسة تيمور جنبلاط وعدد من النواب قاموا…

الغداء الرئاسي الفرنسي؟

ثلاثة عناوين تركّز عليها فرنسا لإعادة تجديد دورها على الساحة اللبنانية. تستعيد باريس نشاطها بعد تيقّنها من أنّ المسار الذي انتهجته منذ عام 2020 لم…