اعتكاف القضاة ونقص المازوت: الأمن يتدهور

تتوالى فصول “فضيحة” فراغ خزانات المازوت في قوى الأمن الداخلي التي صار ضباطها وعسكرها يتوسلون كميات منه من هنا وهناك، ولا من يسأل. وتتفاقم معها عوامل الغليان داخل السجون ، الأمر الذي يرشح الأداء الأمني نحو التدهور.

يقول ضابط كبير لـ “أساس”: “نؤمّن المازوت لقطعات قوى الأمن كلّ يوم بيومه أحياناً لستّ ساعات أو 24 ساعة، وقد يُشلّ عملنا بالكامل إذا بقينا على هذا المنوال”.

أمّا الحلّ الموعود والمُستدام من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي فلم يأتِ بعد. عمليّاً تولي وزارة الداخلية اهتماماً أكبر لبيع الأرقام المميّزة لتوفر سيولة مالية هي بأمس الحاجة إليها. ويصدف أنّ المزاد العلني حصل في بلدة بسابا الشوفيّة مسقط رأس مدير مكتب وزير الداخلية المقدّم أيمن مشموشي وبحضوره، لِما في ذلك من فائدة مباشرة لبلدية بسابا، إذ يمنح القانون البلديّات نسبة من عائدات المزادات العلنية إذا أُقيمت في نطاق البلدية المعنيّة.

ما هي الأخطار؟

 في الواقع، يحيط خطران بعمل قوى الأمن الداخلي:

– التأثير المباشر لإضراب عدد كبير من قضاة لبنان الذين أُعلِن عن أسمائهم أمس ربطاً بأزمة الرواتب، ومن بينهم عدد من المدّعين العامّين والمحامين العامّين، وهو ما ينعكس مباشرة على عمل الضابطة العدلية لناحية أخذ الإشارة القضائية بالتوقيفات ومتابعة الملفّات.

– قضيّة السجون التي قد تنفجر في أيّ لحظة على خلفيّة الاكتظاظ المستمرّ واحتمال انقطاع المازوت نهائياً عنها، وهو ما يهدّد بحصول كارثة، خصوصاً أنّ استخدامات مادّة المازوت لا تتوقّف فقط على الإضاءة، بل مرتبطة بكلّ شيء تقريباً وصولاً إلى مضخّات الماء والصرف الصحي ومراوح التهوئة. 

اتّخذت أخيراً قيادة الدرك وفرع السجون في قوى الأمن الداخلي قراراً بـ “إنهاء” حالة نظارة سجن العدلية الشاذّة التي كانت في الماضي من مسؤوليّة الأمن العامّ، ثمّ انتقلت إلى قوى الأمن الداخلي

فرار الموقوفين 

وليس فرار 31 موقوفاً ليل 6 آب من نظارة جسر “العدلية” في بيروت الأوّل ولن يكون الأخير. واستسهال الهرب بهذه الطريقة “على الرايق” يعكس في مكانٍ ما وجود استرخاء أمنيّ لا يتحمّل مسؤوليّته العناصر المولجون بحماية النظارات، بل الدولة برمّتها بدءاً من رأس الهرم، إذ هي التي دفعت العسكري وهو ضمن دوام خدمته إلى التفكير في كيفيّة تأمين مستلزمات “البقاء على الحياة” وردّ شبح الجوع عن عائلته بدلاً من التركيز على القيام بواجباته البديهيّة. بالطبع، لا تصنع البطون الخاوية أمناً ولا استقراراً.

اتّخذت أخيراً قيادة الدرك وفرع السجون في قوى الأمن الداخلي قراراً بـ “إنهاء” حالة نظارة سجن العدلية الشاذّة التي كانت في الماضي من مسؤوليّة الأمن العامّ، ثمّ انتقلت إلى قوى الأمن الداخلي. فقد كانت نظارة جسر قصر العدل تستوعب نحو 400 موقوف، ثمّ صدرت التعليمات بخفض العدد حتى نحو 250 موقوفاً بالنظر إلى الظروف غير الإنسانية فيها. وبعد الفرار الأخير صدر قرار بإخلائها تماماً من “قاطنيها”. نُفّذ الأمر، وفق معلومات “أساس”، نهاية الأسبوع، وخلال أقلّ من 48 ساعة جرى إخلاء النظارة من الموقوفين، وتمّ توزيعهم على باقي السجون المهدّدة بدورها بالانفجار في أيّ وقت.

في السجون الثلاثة المركزية تجاوزت قدرة الاستيعاب كلّ حدود: ففي سجن رومية المركزي يجب أن لا يتجاوز عدد السجناء 1,200 فيما يوجد اليوم نحو 3,700 سجين. يستوعب سجن القبّة بطرابلس 300 سجين في الحدّ الأقصى، لكن صار فيه نحو 800 سجين “محشورين” فيه وكأنّهم في علبة سردين. أما في سجن زحلة فإنّ العدد يفوق 650 بينما قدرة الاستيعاب لا تصل إلى 250. 

 

تردّي السجون وأحوال الموقوفين

تضمّ سجون لبنان اليوم نحو 6,500 سجين، والمجموع يرتفع إلى 8,000 إذا شمل العدد السجناء في النظارات ولدى الشرطة القضائية والفصائل. وقائع التردي في الأوضاع بدأت تتجلى بشكل كارثي، لأنه على قوى الأمن ديوناً لم يتمّ سدادها بعد للمتعهّدين، فما كان من هؤلاء إلّا تقليل عدد الأيام التي تحتوي فيها وجبات الطعام على الدجاج أو اللحمة. 

أكثر من ذلك، تكشف أرقام حصل عليها موقع “أساس” ارتفاع نسبة “تعذّر” سَوْق الموقوفين من النظارات إلى المحاكم بسبب ارتفاع عدد آليّات قوى الأمن التي باتت خارج الخدمة لتعذّر إصلاحها بسبب نقص الأموال. 

في العام الماضي بلغت نسبة تعذّر سَوْق الموقوفين أربعين في المئة، 20% بسبب أعطال في الآليّات، و20% بسبب إصابات كورونا. لكن في العام الحالي ارتفعت نسبة تعطّل آليّات قوى الأمن من 20% إلى 30%، وهي نسبة عالية تزيد من نسبة الكثافة البشرية داخل السجون والنظارات. 

إقرأ أيضاً: قوى الأمن بلا مازوت.. والسجون مُهددة

لكن من بين هذه العتمة يتسلّل خبر مريح لأهالي السجناء الذين يتكبّدون عناء قطع مسافات طويلة ودفع أموال طائلة على صفائح البنزين لرؤية أقاربهم السجناء، إذ تتمّ الاستجابة على مراحل لطلبات السجناء بالانتقال إلى سجون قريبة من مقارّ سكن عائلاتهم مراعاة للظروف المعيشية والاجتماعية القاسية جداً، وذلك بعد درس هذه الطلبات.

إقرأ أيضاً

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…

نقابة المهندسين: لماذا تعاقب طرابلس تيار المستقبل؟

عقب عودة الرئيس الحريري النسبية إلى الأجواء السياسية في ذكرى 14 شباط، أراد تيّار المستقبل تدشين عودته إلى الملعب السياسي عبر بوّابة انتخابات نقابة المهندسين،…