طعنة هادي مطر… في رقبة “شيعة أوروبا وأميركا”

شيعيّ مع سكّين في قلب نيويورك. جملة غريبة. غير مسبوقة.

شيعيّ لبناني يحمل سكّيناً ويدقّ عنق بريطاني في قلب العاصمة الروحية للإمبراطورية الأميركية.

رجل شيعي يفتتح زمن “الإرهاب الشيعي” في الإعلام الأميركي، وفي الثقافة الأميركية، وفي العقل الجماعي العميق في بلاد العمّ سام.

اليوم بات هناك سكّين شيعي في رقبة سلمان رشدي، روائي بريطاني النشأة، قلّده طوني بلير وسام “الفارس”. وهو ابن الثقافة الغربية، وتعرّض لمحاولة ذبح في عرين الأسد الأميركي الجريح، نيويورك

قبل هادي مطر كان الإرهاب “سنّيّاً” في أميركا. كانت صورة أسامة بن لادن هي صورة “الإرهابي”. لم يكن هناك في مخيّلة الأميركيين صورة لأيّ “إرهابي شيعي”.

أصلاً المسلّح الشيعي يكاد يكون “غير مرئي” في البروباغندا الأميركية، من إعلام وسينما وبقيّة المعزوفة. وفي “السلوك” السياسي الأميركي، طموحات “الفتوّة” الشيعي، في الشرق الأوسط، محدودة. سقف أحلامهم هو الرغبة في “احتلال مكّة” المكرّمة.

في العقدين الماضيين استعمل الأميركيون “شيعة إيران” في المنطقة لمواجهة ما اعتبروه ضرورة مواجهة الإرهابيين السُنّة. لكنّهم في العمق ضربوا الدور السنّيّ بالعضلات الشيعية الإيرانية المفتولة.

هكذا فعلوا مع الحشد الشعبي بمواجهة “داعش”. ولم نعرف إلى اليوم بماذا تختلف جحافل هذا الحشد عن “داعش”، في العقيدة وفي السلوك. ولا لماذا قرّرت أميركا أن تتحالف مع الميليشيات الشيعية ضدّ الميليشيات السنّيّة. وما الفارق بين الاثنين.

ربّما تكون أميركا قد بدأت تكتشف أن لا فارق بينهما.

لكن في محاولة للإجابة، من العين الأميركية: ربّما لأنّ هناك 200 مليون شيعي لا أكثر في العالم، منهم 100 مليون تقريباً تحت سيطرة نظام الملالي في إيران، معظمهم في إيران نفسها وفي الدول العربية التي تحاول إيران احتلالها. وهؤلاء، على حدّ علمنا، لم يطعنوا الغرب في أيّ رقبة. أمّا “خطف الأجانب” في لبنان الثمانينيّات، ومهاجمة جنود أميركيين وفرنسيين في لبنان، فيمكن وضعه تحت خانة “مقاومة جيش أجنبي”. لم يكن للقيادة الشيعية في المنطقة أيّ أطماع في الغرب.

 

لماذا “السنّيّ إرهابيّ” فقط؟

أمّا السُنّة فيقاربون 1.5 مليار حول العالم. وطموحاتهم كبيرة. كبيرة جدّاً. يريدون أن يحكموا العالم. وربّما يستطيعون ذات يوم.

قبل 100 عام فقط كان العثمانيون يحكمون أجزاء من أوروبا. البندقية لا تزال تشهد. والأندلس لا تزال رائحتها عربية. اليونان لا يزال نصفها تركيّاً. في العقدين الأخيرين انشغلت أوروبا وأميركا بعمليات “إرهابية” نفّذها سُنّة وقتلت مدنيّين، من قطارات مدريد إلى مترو لندن وشارلي إيبدو في فرنسا، مروراً بمطار بروكسل، وصولاً إلى بوسطن وسان برناردينو وأورلاندو.. وليس انتهاءً بروسيا وتركيا وغيرهما من الهند إلى إندونيسيا، وتطول اللائحة.

كلّ هؤلاء سُنّة أثخنوا الغرب بجراح تذكِّرهم بمحاولات العرب السُنّة احتلال دولهم…

قبل 21 عاماً فقط، حاول إرهابيون “حالمون” من العرب السُنّة، بقيادة أسامة بن لادن، أن يقتلوا روح نيويورك، أن يفجّروا مبنى البنتاغون، رمز السيطرة الأميركية على معظم أجزاء كوكب الأرض. أرعبوا واشنطن في عزّ الظهر، وغيّروا إلى الأبد ما كان يظنّه الأميركيون من أنّ الحروب لا تعبر المحيطات لتصل إلى بلادهم.

هكذا وُلدت أسطورة “الإرهابي السنّيّ”. وحين أرادت أميركا أن تنتقم، سمحت إيران لطائراتها بأن تعبر المجال الجوّي الإيراني في طريقها إلى العراق لتقصفه في 2003. فرحت طهران بالمشنقة الأميركية تلتفّ حول رقبة عدوّها “السُنّي العربي” صدام حسين في 2006. وشاركت إيران الأميركيين فرحة سقوط عاصمة العباسيين، التي كان يحكمها العرب السُنّة هذه المرّة. ثمّ حكمت إيران بلاد ما بين النهرين، بالحديد والنار والانتخابات. كان الأميركيون يدمّرون الفلّوجة على رؤوس أهلها، فيما يتفاهمون مع النجف، ويسرعون في هوى قم. كانت سنوات العسل الإيراني الأميركي.

افتتح هادي مطر زمن “الإرهاب الشيعي” في العقل الأميركي. لم يعد ممكناً تسويق رواية أنّ مناصري إيران من الشيعة لا يتجاوزون الخطوط الغربية الحمراء

زمن “الإرهاب الشيعيّ”

بعد هادي مطر، كلّ هذا سيتغيّر. اليوم بات هناك سكّين شيعي في رقبة سلمان رشدي، روائي بريطاني النشأة، قلّده طوني بلير وسام “الفارس”. وهو ابن الثقافة الغربية، وتعرّض لمحاولة ذبح في عرين الأسد الأميركي الجريح، نيويورك.

من اليوم فصاعداً سيحمل الأميركيون في ذاكرتهم الجماعية صورة جديدة لرجل شيعي، يقتل أحد رموز الثقافة الغربية، وخطّاً من خطوطها الحمر، سلمان رشدي.

وكأنّ الاسم، هادي، ليس تفصيلاً أيضاً.

ما فعله هادي مطر ليس طعنةً في عنق سلمان رشدي وحسب، بل طعنة في عنق أميركا وفي رواية الحزب الديمقراطي غير المعلنة عن “إرهاب السُنّة” و”لطافة الشيعة”. تلك الحكاية التي جعلت أميركا تسلّم إيران العراق وسوريا ولبنان واليمن، باعتبار السُنّة “إرهابيين”، وباعتبار شيعة إيران “منضبطين” ويمكن التفاهم معهم.

افتتح هادي مطر زمن “الإرهاب الشيعي” في العقل الأميركي. لم يعد ممكناً تسويق رواية أنّ مناصري إيران من الشيعة لا يتجاوزون الخطوط الغربية الحمراء. هؤلاء الذين في عزّ الخلاف بين العرب وإيران، وفُتحت ملفّاتهم الأمنيّة في دول عربية، وطُرد بعضهم منها، وحتّى حين “حوصروا” في إفريقيا، ظلّوا في أمن وأمان بين أوروبا وأميركا.

إقرأ أيضاً: الخميني النووي بخير… سلمان رشدي بخطر؟

هادي مطر طعن “هداوة البال” الشيعية في أميركا وأوروبا. قد نصير أمام “مسألة شيعية” جديدة في الغرب، مَن يعرف، قد تتطوّر لتصير أكثر سخونة ممّا كانه اسم “أسامة” أو “جهاد” في السنوات العشرين الأخيرة.

هادي مطر. هذا الاسم سيطبع مصير الشيعة في الغرب، خلال السنوات المقبلة.

إقرأ أيضاً

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…

“حصانة” إيران أم “الحصن” الإسرائيليّ؟

لماذا تعمّدت طهران ليلة السبت المنصرم الكشف عن كلّ تفاصيل خطة الهجوم الذي أعدّته ضدّ تل أبيب انتقاماً لاستهداف قنصليّتها في دمشق قبل أسبوعين والتسبّب بسقوط قيادات…

بايدن الرابح الأكبر من الضربة الإيرانيّة لإسرائيل

 ربح جو بايدن مزيداً من “المونة” على إسرائيل يمكّنه من لجم اندفاعها العسكري ضدّ إيران بعد توظيفه الدفاع عنها في المشهد الانتخابي. اكتسبت طهران موقع…