8 آذار حتى اتفاق الدوحة: حماية السلاح.. واستعادة المبادرة

في سياق مناقشة الاستراتيجية الدفاعية الوطنية التي طرحها حزب الله في العام 2006، وأعاد موقع “العهد” طرحها قبل الانتخابات النيابية، تتطرّق هذه الحلقة، الرابعة في سلسلة مستمرّة، إلى قراءة ظروف طرح هذه الاستراتيجية في 2006، والظروف الجديدة التي تغيّرت.

كيف يمارس الحزب هذه “الرياضة الحوارية” في سياق تأجيل البتّ بمصير سلاحه، والمناورة، مع شواهد على أنّه لا يضع “الحلّ” كواحد من احتمالات “الحوار” حول “الاستراتيجية”، بل يناور، منذ 2005 إلى اتفاق الدوحة، وبينهما حرب تموز و7 أيار، لـ”تشريع” سلاحه والبحث عن أدوار له.

  

لم تكن الاستراتيجية الدفاعية التي قدّمها الأمين العام لحزب الله في مؤتمر الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه برّي في آذار 2006، والتي استعرضنا بنودها في المقالة السابقة، سوى حلقة في سلسلة إجراءات اعتمدها الحزب للانقلاب على مفاعيل وتداعيات انسحاب الجيش السوري من لبنان بتاريخ 26 نيسان 2005 تنفيذاً للقرار 1559.

من المفيد التذكير أنّ الرئيس بشار الأسد أعلن هذا الانسحاب في خطاب ألقاه في 4 آذار، أي بعد ستّة أيّام من استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي (28 شباط 2005) إثر مواجهة عنيفة في المجلس النيابي وتحت ضغط الشارع الغاضب. أقرّ الرئيس الأسد بأنّ الانسحاب تمّ “وفقاً لاتّفاق الطائف”، واعترف “بالأخطاء التي ارتكبتها القوات السورية في لبنان”، وطالب في خطابه المبعوث الدولي تيري رود لارسن بـ”تسجيل تنفيذ الطرف السوري ما يعنيه من القرار 1559”.

يُسجَّل لطاولة الحوار التي عُقدت في آذار 2006 أنّها نجحت في نقل الأزمة من الشارع إلى حيّز صالح للنقاش، لكنّها لم تنجح في وضع الحلول لأيّ من المسائل المطروحة، حتى تلك التي اتُّفق عليها

أدرك حزب الله أنّه بعد تحقيق الانسحاب السوري سترتفع الأصوات المطالبة بتطبيق ما ورد في وثيقة الوفاق الوطني، ولا سيّما ما يتعلّق بحلّ جميع الميليشيات وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية، فكان لا بدّ من استنفار المناصرين والحلفاء في الداخل وفي سوريا لحماية السلاح وفكّ الحصار الذي أحدثته الحالة الشعبية العارمة والمناخ الإقليمي بعد اغتيال الرئيس الحريري.

أربعة أيّام فقط بعد إعلان الرئيس الأسد انسحاب جيشه من لبنان أقلقت حزب الله، فكان لا بدّ من استعراض القوّة بتظاهرة في 8 آذار دعا إليها أمينه العام وشارك فيها حلفاء سوريا وطهران “دعماً للمقاومة وشكراً لسوريا”.

رسم خطّ بيانيّ يجمع الأحداث التي أعقبت إعلان الرئيس الأسد الانسحاب سيؤدّي من دون أدنى شكّ إلى تبيان الترابط فيما بينها واستجابتها لمهمّة واحدة ومنطق واحد يرتبطان باستيعاب تداعيات الانسحاب واستعادة المبادرة وإعادة الوضع السياسي إلى ما كان عليه قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط. ما بين 8 آذار 2005 و21 أيار 2008 (توقيع اتّفاق الدوحة) أشكال متعدّدة من المواجهة ومسلسل من الأحداث الدامية استُخدم فيها الشارع والبرلمان والأنشطة الإرهابية والسلاح المتفلّت وأدّت في النهاية إلى إبقاء لبنان في نفق المحاور الإقليمية.

استندت خطّة المواجهة التي اعتمدها حزب الله والنظام السوري إلى مستويين سياسي وأمني وكان لها هدفان:

أوّلاً: إحداث انقسام حادّ استند إلى عصبيّات مذهبية وتوتّرات سياسية على خلفيّة التخوين والانقياد وراء سياسات غربية وأحياناً إسرائيلية، وعموده الفقري حزب الله.

ثانياً: تهديد الاستقرار، سواء بوضع لبنان على شفير الحرب الأهليّة أو تهديد الأمن القومي باستخدام الإرهاب وإدخال الجيش والقوى الأمنية في صراعات دامية وإرهاقها لإشاحة النظر عن المأزق السياسي القائم.

 

أوّلاً: على المستوى السياسيّ:

أ – استعادة العماد ميشال عون:

 كان لا بدّ لحزب الله من العمل لاستيعاب الغضب العارم الذي يزداد تبلوراً في الشارع. لم تمنع تظاهرته في 8 آذار وخطابه المرتفع الفريق السيادي من ملاقاته، وربّما مفاجأته بتظاهرة مليونيّة رفعت شعار سيادة لبنان والوفاء لرفيق الحريري في 14 آذار. فتحت استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي الباب أمام البحث عن حكومة على مسافة واحدة من الفريقين وقادرة على الإشراف على الانتخابات النيابية التي أضحت مطلباً محلياً ودولياً، فكانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي شُكّلت في 19 نيسان 2005.

أدرك حزب الله وحلفاؤه أنّ الانتخابات النيابية لن تعطيهم قوّة تجييرية كافية لفكّ الحصار الذي سبّبه اغتيال الحريري فكان لا بدّ من استعادة العماد ميشال عون من باريس. وجمعت عودة العماد عون إلى بيروت كلّ عناصر الصفقة السياسية المعلّبة، سواء لجهة التوقيت أو لجهة التنكّر لكلّ المواقف السابقة. فالقائد الذي أخرجه الجيش السوري من القصر الرئاسي قبل خمسة عشر عاماً عاد إلى لبنان في 7 أيار 2005 بمبادرة من الرئيس إميل لحود ومباركة الرئيس نبيه برّي وحسن نصرالله، وخاض الانتخابات في 29 منه في وجه كلّ الرموز المسيحية المعارضة للنفوذ السوري وسلاح حزب الله.

استقرّت صورة مجلس النواب بعد الانتخابات على ثلاثة تكتّلات كبيرة:

– تكتّل أكثري تقوده قوى 14 آذار مؤلّف من 72 نائباً.

– تكتّل يقوده حزب الله وحركة أمل من 35 نائباً.

– وكتلة عون من 21 نائباً.

وتشكّلت الحكومة في 19 تموز 2005 برئاسة فؤاد السنيورة. أُقفل العام 2005 على انسحاب سوري لم يحمل معه نهايةً لنفوذ سوريا في لبنان، وحكومة تتمسّك بتطبيق القرار 1559 ونزع سلاح حزب الله، فكان لا بدّ من استمرار العمل لقلب ميزان القوى الجديد، وأصبح إسقاط الحكومة ومعها الأكثرية النيابية التي أفرزتها الانتخابات أحد الخيارات المطروحة وربّما أشدّها إلحاحاً.

أدرك حزب الله وحلفاؤه أنّ الانتخابات النيابية لن تعطيهم قوّة تجييرية كافية لفكّ الحصار الذي سبّبه اغتيال الحريري فكان لا بدّ من استعادة العماد ميشال عون من باريس

ب- تفاهم مار مخايل:

على الرغم من كلّ الحجج التي ساقها العماد عون للانقلاب على مواقفه السابقة، فقد أثبتت ورقة التفاهم التي وقّعها في كنيسة مار مخايل في 6 شباط 2006، أنّ عودته كانت الخطوة الأولى في مسار التحاقه بحزب الله. لقد أمنّ تفاهم مار مخايل في بنده العاشر الغطاء المسيحي الواسع لسلاح الحزب، إذ اعتبر أنّ “حمل السلاح … وسيلة شريفة مقدّسة تمارسها أيّ جماعة تُحتلّ أرضها، تماماً كما هي أساليب المقاومة السياسية”، وأنّ “على اللبنانيين تحمّل مسؤوليّاتهم وتقاسم أعباء حماية لبنان وصيانة كيانه وأمنه والحفاظ على استقلاله وسيادته”، وطالب بـ”تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدّي إلى انتفاء أسباب ومبرّرات حمله”. لقد مهّدت ورقة التفاهم أيضاً للحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري بعد ذلك في الثاني من آذار 2006، إذ اعتبرت أنّ حماية لبنان “تتمّ من خلال حوار وطني يؤدّي إلى صياغة استراتيجية دفاع وطني يتوافق عليها اللبنانيون وينخرطون فيها عبر تحمّل أعبائها والإفادة من نتائجها”.

 

ج- طاولة الحوار الوطنيّ: محاولة لم تنجح في حماية السلاح

يُسجَّل لطاولة الحوار التي عُقدت في آذار 2006 أنّها نجحت في نقل الأزمة من الشارع إلى حيّز صالح للنقاش، لكنّها لم تنجح في وضع الحلول لأيّ من المسائل المطروحة، حتى تلك التي اتُّفق عليها. فعلى الرغم من إعلان الرئيس برّي التوصّل إلى اتّفاق على تثبيت لبنانية مزارع شبعا لدى الأمم المتّحدة ونزع السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات خلال ستّة أشهر، إلا أنّ مسألة تنفيذ القرار الدولي 1559 بقيت الرقم الصعب على طاولة الحوار. أطاح الفشل في مناقشة سلاح الحزب بكلّ ما اتُّفق عليه، ولم تكن الاستراتيجية الدفاعية التي طُرحت من قِبل حزب الله سوى سرد لتبرير الاحتفاظ بالسلاح وإعلان قصور الدولة في الدفاع عن لبنان
(تمتّ مناقشة الورقة في المقال السابق، الثالث في هذه السلسلة).

 

د- محاولات إسقاط الحكومة والمؤسّسات.. والشارع والسلاح لحماية السلاح:

1 – سلاح الحزب لقاء العودة إلى الحكومة:

بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1644 بتاريخ 15/12/2005، القاضي بإنشاء محكمة ذات طابع دولي تحت الفصل السابع استناداً إلى الطلب المقدّم من الحكومة اللبنانية، أقرّ مجلس الأمن الدولي بتاريخ 21/11/2006 نظام المحكمة المختلطة ذات الطابع الدولي التي تضمّ قضاة لبنانيّين ودوليّين، وأُرسل إلى الحكومة اللبنانية التي أقرّته بتاريخ 25/11/2006.

على أثر ذلك انسحب من الحكومة وزراء حركة أمل وحزب الله، ومعهم الوزير يعقوب الصرّاف المحسوب على رئيس الجمهورية، واشترطوا لعودتهم تعهّد الحكومة الإعلان أنّ حزب الله هو مقاومة وليس ميليشيا، وبالتالي لا يعود معنيّاً بتطبيق القرار 1559 الذي ينصّ على وجوب نزع سلاح الميليشيات. وفيما دخل الرئيس لحود على خطّ الأزمة ليس لرأب الصدع بل لدعوة الحكومة إلى الاستقالة لأنّها فقدت مصداقيّتها، رفض الرئيس السنيورة الاستجابة فأصبح إسقاط الحكومة معياراً لحماية السلاح، وتصدَّر إسقاطها أولويّات حزب الله.

 

2- احتلال الوسط التجاريّ:

لم يتأخّر الردّ على قرار الحكومة. ففي 1 كانون الأول تظاهر حزب الله وحلفاؤه مطالبين بسقوط الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وكانت التظاهرة بدايةً لاعتصام مفتوح في وسط بيروت. وفي 7 كانون الأول خطب نصرالله في المعتصمين معلناً أن “لا للوصاية الخارجية ولا للخروج من الشارع قبل إسقاط الحكومة” التي اتّهمها بمصادرة السلاح المتوجّه إلى الجنوب أثناء عدوان تموز وقيام جهاز أمنيّ لم يحدّده “بالتجسّس لكشف مواقع قادة المقاومة”.

لم يقتصر الهدف من احتلال وسط بيروت على استخدامه كمساحة للتعبير، بل تعدّاه إلى ضرب المشروع الاقتصادي الذي تمثّله بيروت بما هي مركز جاذب للاستثمارات العربية والدولية، هذا بالإضافة إلى تدمير النموذج الاجتماعي والثقافي المتنوّع الذي استعاده وسط العاصمة بعد الحرب الأهليّة.

إنّ قراءة في الخطاب السياسي المعلن في حينه من قِبل حزب الله يؤكّد بما لا يقبل الشكّ أنّ الانقلاب ليس على النموذج السياسي اللبناني السائد فقط، بل على مفهوم الدولة والقانون والقيم التي نشأ عليها اللبنانيون.

تحوّل احتلال الوسط التجاري إلى آليّة للانقلاب على المؤسّسات الدستورية وتعطيل عملها، ولاحقاً إلى تهديد بدخول مقرّ مجلس الوزراء عنوة كوسيلة للضغط على الحكومة ورئيسها للاستقالة. استمرّ احتلال الوسط التجاري وترافق مع تهديدات وتحدّيات أخرى سترد لاحقاً حتى توقيع اتّفاق الدوحة في 21 أيار 2008.

 

ثانياً: على المستوى الأمنيّ:

أ- عدوان تمّوز 2006.. إخراج السلاح من النقاش والتفرّغ للإجهاز على الحكومة:

قد تختلف المقاربات في تقييم ظروف ونتائج ما جرى في تموز 2006، لكن بعيداً عن نظرية المؤامرة لا بدّ من التوقّف عند بعض الثوابت:

أوّلها أنّ اختطاف الجنديين الإسرائيليّين من داخل الأراضي المحتلّة لا يمكن أن يتمّ إلا بقرار من طهران.

وثانيها أنّ ردّة الفعل الإسرائيلية ضمن مهلة 24 ساعة لا يمكن أن تأتي من دون موافقة الولايات المتّحدة الأميركية التي تتدخّل في الحيثيّات الدقيقة لأيّ عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل، كما تؤكّد كلّ الحروب السابقة منذ العام 1976.

بالمقابل لا بدّ من التوقّف عند نتائج هذه الحرب، فالأمور بخواتيمها. فاختطاف الجنديّين من قِبل حزب الله لم يحرّر مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، كما أنّ عمليّات تبادل الأسرى بين الحزب وإسرائيل قد جرت بنجاح بوساطات دولية ولمرّات عديدة وشملت بضع مئات من المقاتلين أو رفات المقاتلين. فماذا حقّق سيناريو تموز 2006، على امتداد 33 يوماً من القتال والتدمير، للقوى التي أعطت الضوء الأخضر بإطلاق العملية العسكرية وانتهى بصدور القرار 1701؟

لقد حقّقت إسرائيل الأمن على حدودها بضمانة نشر 15 ألف جندي دوليّ في منطقة جنوب الليطاني، واكتسبت الحكومة اللبنانية جرعة من الشرعية المحليّة والدوليّة لتفرّدها بالتفاوض خلافاً لما جرى في نيسان 2006 وفي الانسحاب الإسرائيلي غير المشروط في العام 2000 وبنشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان للمرّة الأولى، وتحصّنت بقرار دولي جديد استند إلى اتّفاق الطائف والقرار 1559 في ما يتعلّق بنزع سلاح الميليشيات. أمّا حزب الله فقد شكّلت الحرب ذريعة لسحب مسألة سلاحه من التداول وتحويله إلى الداخل لقلب التوازنات السياسية تحت طائلة تعطيل السلطة، ولاحقاً إلى ذراعٍ إقليمية بتصرّف الجمهورية الإسلامية.

تأكّد لحزب الله أنّ الحكومة ماضية في ممارسة دورها، وأنّ الموقف الرسمي من سلاح الحزب ومن البنية التحتيّة غير الشرعية لن يتغيّر

ب- معركة نهر البارد والرهان على الإمارة الإسلاميّة:

مثّلت معركة مخيّم نهر البارد، التي ابتدأت في 19 أيار باعتداء على وحدات الجيش، وانتهت في 2 أيلول 2007 بالقضاء على الإرهابيين، اختباراً استثنائياً لقدرات الحكومة ورئيسها على مواجهة فريق حزب الله والنظام السوري. فإطلاق شاكر العبسي المنتمي إلى منظّمة “فتح الإسلام” من السجون السورية وتجنيد مئات الإرهابيين معه للاعتداء على الجيش ليسا بالمصادفة التي يمكن تصديق كلّ التبريرات التي سيقت في شأنها، وهي لا يمكن أن تُخفي التهويل الذي لجأ إليه الأمين العام لحزب الله حين حذّر الجيش من الدخول معتبراً المخيّم خطّاً أحمر. لا يمكن أيضاً الاقتصار في تحليل وفهم ما جرى في نهر البارد على الاختراق الأمنيّ، وفصله عن مسار امتدّ من وسط بيروت المحتلّ ومقاطعة الحكومة وتخوين فريق سياسي لديه الأكثرية النيابية، إلى الموقف من المحكمة الدولية وتداعيات الدمار الذي خلّفه عدوان 2006، واجتماع كلّ ذلك في فريق سياسي واحد.

كان الرهان كبيراً على فشل الجيش في حسم المعركة وتحويل المخيّم إلى نواة لإمارة إسلامية تستنزف قدرات الدولة عند تخومها وتدفع الحكومة إلى تسويات ربّما أقلّها تبرير وجود كلّ سلاحٍ آخر بحجّة الدفاع عن النفس في مواجهة الإرهاب. نجح الجيش ونجحت الحكومة التي تمكّنت من تحمّل تبعات الذهاب في المواجهة حتى النهاية، وعادت مسألة إسقاط الحكومة لتتصدّر المشهد من جديد. وكان ردّ الشبكات الإرهابية ومَن يقف وراءها على ما قام به الجيش هو اغتيال مدير العمليات اللواء فرنسوا الحاج بتفجير في بعبدا في 12 كانون الأول 2007.

 

ج- إسقاط الجغرافيا لتثبيت السلاح وغزو بيروت والجبل:

أُضيف ملفّ جديد إلى الاصطفاف الحادّ والانقسام السياسي، وهو فشل مجلس النواب في عقد جلسة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء الولاية في 23 تشرين الثاني 2007 وفقاً للدستور. استمرّ تأجيل الجلسات حتى خرج الرئيس لحود من القصر من دون تسليم مقاليد الرئاسة إلى رئيس جديد. وعلى عادته في تجاوز الدستور وتجاوز دور المؤسّسات جاءت كلماته الأخيرة: “الحكومة غير الشرعية ستذهب ولو كانت مدعومة من الولايات المتّحدة وإسرائيل”.

مع إناطة صلاحيّات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء وفقاً للمادة 62 من الدستور، انصرفت الحكومة إلى ممارسة دورها في توقيع المراسيم العالقة، واختارت المواجهة مع حزب الله. أصدرت الحكومة قرارها الشهير بتاريخ 5 أيار الذي اعتبر شبكة الاتصالات التي يقيمها حزب الله غير شرعية وتمسّ بسيادة الدولة، وهو ما يستوجب ملاحقة المسؤولين عنها بموجب القانون. وكشف الوزير أحمد فتفت في حينه عن قرار بوضع المعلومات عن الدور الإيراني في عهدة جامعة الدول العربية والأمم المتّحدة.

تأكّد لحزب الله أنّ الحكومة ماضية في ممارسة دورها، وأنّ الموقف الرسمي من سلاح الحزب ومن البنية التحتيّة غير الشرعية لن يتغيّر. اختار حزب الله استعمال القوّة مؤكّداً دور سلاحه في الداخل لقلب التوازنات السياسية. اندلعت المواجهات في الشارع وحوّل المئات من مقاتلي حزب الله شوارع العاصمة إلى ساحة قتال، فيما اعتبر نصرالله أنّ 7 أيار هو يوم مجيد في تاريخ لبنان. لكن ما رمى إليه نصرالله لم يتمكّن من تحقيقه، إذ تكبّدت ميليشيا حزب الله في 11 أيار خسائر فادحة في عاليه والشوف، وهو ما أفشل مخطّطها في الإطباق على العاصمة والجبل وإرساء معادلة إذعان.

إقرأ أيضاً: استراتيجية الحزب الدفاعية: ما عليها.. وما عليها

وعلى الرغم من قساوة ما جرى في بيروت وضراوة ما جرى في الجبل فقد أيقن الجميع أنّ الوضع على شفير الخروج عن السيطرة. بدت الوساطة التي قامت بها دولة قطر بمباركة عربية ودولية هي الوحيدة القادرة على جمع الأطراف المتنازعة في 21 أيار 2008. وقد انتهت إلى التوقيع على اتّفاق الدوحة الذي نصّ على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للحمهورية، وأعاد العمل بنموذج حكومات الوحدة الوطنية، وكرّس عرف “الثلث المعطّل” في الحكومة لصالح حزب الله بدلاً من أكثرية الثلثين، ودخلت معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” إلى البيانات الوزاريّة.

 

* مدير المنتدى الإقليميّ للدراسات والاستشارات

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…