سرّيّة وإيجابيّة مُفرطة: الترسيم البحريّ “يَغزُل بأرضه”!

سِمتان طَبعتا أجواء زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكستين لبيروت: السرّيّة والإيجابيّة المفرطة.

الأمران، وفق مصدر مطّلع، يلعبان ضدّ مصلحة لبنان:

– السرّيّة تحجب خطيئة الدولة بعدم التمسّك بالخط 29 كخطّ تفاوضيّ وعدم تعديل المرسوم 6433 والتراجع إلى خطّ 23 زائداً قانا كخطّ تفاوضي، ما حيّد كاريش بشكل كامل عن طاولة النزاع وأظهر لبنان مطالِباً بحقوقه غير الكاملة.

– والإيجابية المُفرطة لا أساسات صلبة لها، خصوصاً أنّ ما يطلبه لبنان ما يزال حتى اللحظة مرفوضاً إسرائيلياً.

أمّا الأمر الأكثر إثارة للاستغراب فهو استبعاد الجيش بالكامل عن الاجتماع الموسّع في قصر بعبدا بحضور الوسيط الأميركي، وثمّة مَن يجزم أنّ الوفد المفاوض اللبناني (السابق) مغيّب عن كلّ تفاصيل التفاوض غير المباشر.

مصدر متابع لملف الترسيم البحري: تعديل المرسوم يجعل المنطقة البالغة 1,430 كلم مربعاً منطقة متنازَعاً عليها وفقاً للقانون الدولي، ما سيمنع أيّ شركة من التقدّم بمناقصات خلال دورة التراخيص الرابعة التي ينوي الإسرائيلي أن يفتحها قريباً

هو السباق الصعب بين أسابيع التفاوض الدبلوماسي، ومن ضمن محطّاته الفاصلة اجتماع مجلس الوزراء الإسرئيلي اليوم لمناقشة ردّ لبنان على الردّ الإسرائيلي (بقي مبهماً)، وبين المهلة “غير المفتوحة” التي حدّدها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حتى أيلول المقبل، قائلاً: “إذا بدأ استخراج النفط والغاز من كاريش في أيلول قبل أن يأخذ لبنان حقّه، نحن ذاهبون إلى مشكل. وضعنا هدفاً وسنلجأ من دون أيّ تردّد إلى كلّ ما يحقّق هذا الهدف”.

سلّم السيد نصرالله بأنّ لبنان “قدّم تنازلاً كبيراً عندما تحدّث عن الخط الـ23+، والكرة الآن ليست في ملعبه”. لكن بالمقابل، يمكن القول إنّه أوّل اعتراف علنيّ من السيد نصرالله  بأنّ لبنان تنازل فعلاً عن جزء من حقوقه على الحدود البحرية الجنوبية من دون أيّ “مقاومة” دبلوماسية أو عسكرية .

تقدّم هائل… من دون أثر

التصريحات “المتفائلة جدّاً” الصادرة عن مسؤولين معنيّين بملفّ الترسيم البحري هي أقرب إلى عملية خداع. آخرها حديث نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب عن “أنّنا أمام فرصة وتحقيق النصر”، وفي الوقت نفسه تركيز بو صعب على إظهار حاجة لبنان الماسّة إلى الترسيم السريع “اليوم قبل الغد وكلّ يوم تأخير خسارة”. وهو ما يصنّف نقطة سلبية في رصيد لبنان لأنّه يضعه في موقع ضعف وليس قوّة.

التفاؤل هو بالحقيقة من جانب واحد، فيما تفاؤل الوسيط الأميركي هو لزوم “إتيكيت” التفاوض. تراجع لبنان من الخط 29 الذي طبع مفاوضات الناقورة على مدى أشهر إلى الخط 23 زائداً حقل قانا كاملاً، يضع الجانب اللبناني أمام سلسلة شروط لم يوافق عليها الجانب الإسرائيلي بعد، وما طلبته إسرائيل هو التالي: الخط 23 مع حقل قانا كاملاً للبنان، شرط رسم تعرّج يسمح بقضم جزء من البلوك رقم 8 الذي يقع شمال الخط 23 لصالح إسرائيل.

رواية مضادّة

أمام رواية التفاؤل والانتصارات هناك رواية أخرى مضادّة. يقول مصدر متابع وموثوق في ملفّ الترسيم البحري لـ “أساس”: “أصبح واضحاً ماذا حصل في موضوع ترسيم الحدود البحرية من خلال التسريبات من قبل بعض الحاضرين للاجتماع الثلاثي في بعبدا مع هوكستين والسفيرة الأميركية، ومقابلة الوسيط الأميركي التلفزيونية على قناة LBC، والتصريح العلني للياس بو صعب على الرغم من “الأمر” الرئاسي بالتكتّم”.

يتابع المصدر: “قال بو صعب إنّ أحداً لم يطلب التنازل عن البلوكات اللبنانية وعن حقل قانا كاملاً وهذا صحيح. لكن هذا الأمر ليس بالجديد، بل هو المطلب اللبناني الرسمي الموحّد منذ زيارة هوكستين السابقة، وأتى هذا المطلب على كعب تنازل السلطة عن الخط 29 دون مقابل”.

يضيف المصدر: “السؤال الأهمّ الذي يتهرّب منه الجميع: هل وافق هوكستين على هذا المطلب الذي يمثّل الحدّ الأدنى بالنسبة للبنان؟ هو فقط وَعَد بالذهاب إلى تل أبيب لاستطلاع الموقف الإسرائيلي. هذا يعني أنّنا تنازلنا من الخط 29 التفاوضي إلى الخط 23 plus التفاوضي. عملياً، لو قَبِل هوكستين ومعه الإسرائيلي بالمطلب اللبناني، لكان تمّ الاحتفال بالإنجاز، ولتمّ تحديد موعد في الناقورة لترجمة هذا الاتفاق. لكن للأسف على الرغم من موقف لبنان القانوني القوي لناحية الخط 29، وعلى الرغم من التهديد بالحرب وإطلاق الصواريخ، ما يزال الوسيط الأميركي يناور ولا يقبل بالمطلب اللبناني بعدما تنازل لبنان عن حوالي 1,400 كلم مربع دون مقابل، مكتفياً بالمطالبة بحقل قانا “المحتمل” الذي يمكن أن تكون كميّات النفط والغاز فيه من دون جدوى اقتصادية”.

مصدر متابع لملف الترسيم البحري: يجب قبل اختبار الحرب الضغط لتعديل المرسوم 6433 وإيداع الخط 29 في الأمم المتحدة، لأنّ هذا التعديل سيُجبر الإسرائيلي على القبول بما هو حقّ للبنان جنوب الخط 23

تعريج” الخطّ 23

إذاً رسا المشهد البحري على المعادلة التالية: التسريبات والتحليلات تجزم أنّ لبنان يطالب ببلوكاته كاملة مع حقل قانا، والإسرائيلي مع الوسيط الأميركي يطالبون بجزء من البلوك 8 بعد تحييد المساحة البحرية بين الخط 23 و29 عن أيّ نزاع وتركيز التفاوض على “تعريج” الخط 23، وهنا الخطورة التي تكمن وفق متابعين في أنّ “الإسرائيلي لديه المسوحات الزلزالية في البلوك 8، وهو متأكّد من وجود حقول محتملة، ولهذا السبب يطالب بها. وفي حال حصل على هذا الجزء سوف يشارك لبنان في بعض هذه الحقول التي تمتدّ إلى شمال خط هوف، وبالتالي سوف يمنع الدولة اللبنانية من التنقيب فيها كما يجري الآن في حقل قانا المحتمل”، ويتساءل هؤلاء: “جزء من هذه المسوحات موجود في هيئة إدارة قطاع البترول، فهل جرى السؤال عنها؟ الجواب بالطبع لا”.

أمّا الحجّة التي يتمّ تسويقها بأنّ الإسرائيلي يطالب بهذا الجزء من بلوك 8 لمدّ أنابيب النفط والغاز، فالقانون الدولي، وفق مصادر قانونية، يسمح له بمدّ هذه الأنابيب باتجاه تركيا أو أيّ جهة أخرى. ويسمح للبنان بمدّ أنابيب باتجاه مصر مروراً بالمنطقة الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية. هذه خدعة، وإذا كانت مطروحة يجب أن لا تمرّ.

إقرأ أيضاً: “التحرير” النفطي: الفضل الأكبر للرئيس برّي

وفيما تحدّثت تسريبات عن “مطالعة” هوكستين أمام الرؤساء الثلاثة عن حساسيّة الوضع السياسي والحكومي في إسرائيل عشيّة الانتخابات النيابية المبكرة، وهو ما يتطلّب تهدئة من الجانب اللبناني، يعتبر محور كبير أنّ لبنان تنازل عن حوالي 1,400 كلم مربّع ممتلئة بالنفط والغاز، وهي من حقّه وفقاً للقانون الدولي. بالتالي أيّ حلّ يستند إلى هذا القانون من السهل تسويقه داخليّاً عند أيّ طرف. غير ذلك سوف يُفتح باب الطعن مستقبلاً عند الطرف الذي تنازل مسؤولوه عن حقّ شعبهم الذي كفله القانون والأعراف الدولية.

إقرأ أيضاً

هل يزور البخاري فرنجية قريباً؟

يلتقي سفراء اللجنة الخماسية الرئيس نبيه برّي مجدّداً بداية الأسبوع المقبل لوضعه في حصيلة اللقاءات مع القوى السياسية. بعد ذلك، لا “برمة” جديدة لممثّلي واشنطن…

لقاءات الخماسية: بحث عن رئيس.. في كومة قشّ الخصومات

عادت اللجنة الخماسية إلى الساحة اللبنانية، لكنّ عودتها كانت قد سبقتها اجتماعات في واشنطن بين الأميركيين والفرنسيين. وعلى أساس توزيع الأدوار والتنسيق في معالجة الملفّات…

الكويت بين “هارفرد” و”إيلينوي”… الصِّدام الحتميّ

يقول التاريخ الكويتي إنّ رئيس الوزراء الذي يذهب لا يعود. أي أنّه يرأس حكومات متتالية ثمّ يمضي من دون أن يأتي مرّة جديدة على رأس…

“سابقة موريس سليم”: الطعن بتعيين رئيس الأركان!

 سجّل وزير الدفاع موريس سليم سابقة لم تعرفها حكومات ما قبل الطائف ولا بعده من خلال الطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس الأركان…