سماحة السيّد: نختلف معكَ على المستقبل… لا الماضي

في ردّه على سؤال: “بعض اللبنانيين يعتبرون أنّكم غير لبنانيين، وإيرانيون”، أجاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأنّ معايير الوطنية ثلاثة:

1- الانتماء التاريخي: وهنا قال إنّ الشيعة موجودون في لبنان منذ أبي ذرّ الغفاري قبل 1400 عام.

2- خدمة لبنان: وهنا تحدّى: “أعطوني شاهداً واحداً على أنّ حزب الله خدم إيران في موضوع واحد”. وأدناه سنعطي شواهد كثيرة.

3- الدفاع عن الوطن: وهنا ذكّر بأنّ حزب الله دفع دماءً في سبيل الدفاع عن لبنان. وهذا حقيقي.

هذه هي المعايير التي وضعها نصر الله، في مقابلة أجراها معه مدير محطة “الميادين” غسّان بن جدّو واستمرّت 3 ساعات.

ما غاب عن سماحة السيّد هو أنّ من تعريفات “الوطنية”، أو “المصلحة الوطنية”، أو “المصلحة العامّة”، هو الاتفاق على المستقبل

وفي الآتي محاولة نقاش في هذه المعايير:

1- في الأولى، يبدو النقاش عقيماً. لأنّ حزب الله لا يحقّ له التحدّث باسم شيعة لبنان كلّهم، أو الادّعاء أنّ من يتهمون الحزب بأنّه إيراني يقصدون كل شيعة لبنان. الحزب بيّنت الانتخابات أنّه يمثل 30% من شيعة لبنان. وبالتالي الخلط بين الحزب وبين عموم الشيعة لا يجوز. مناصرو حركة أمل لبنانيون، وكذلك بقية أبناء الطائفة الشيعية، من معارضين ويساريين ومحايدين ومستقلّين…

2- في الثانية، حزب الله قدّم خدمات تبدأ ولا تنتهي لإيران:

– من حرب تموز في لحظة “انسداد رئويّ” في المفاوضات النووية بين الغرب وإيران.

– إلى اجتياح بيروت والجبل في 7 أيار 2008 وإعلان بدء الزمن الإيراني بضرب اتفاق الطائف لصالح اتفاق الدوحة، وفرض “الثلث” المعطّل في الحكومات بقوّة السلاح.

– إلى التدخّل العسكري في سوريا لنصرة نظام بشار الأسد، الحيوي بالنسبة إلى النظام الإيراني.

– إلى الدعم الإعلامي والسياسي للمعارضة البحرينية.

– إلى الدعم العسكري واللوجيستي لمجموعات الحشد الشعبي في العراق.

– إلى الدعم العسكري واللوجيستي والبشري للحوثيين في اعتداءاتهم على المملكة العربية السعودية والإمارات وبقية دول الخليج. وفي هذه المقابلة أكّد نصر الله أنّه “طرف” في الاعتداء الحوثي على السعودية، ولا يمكن أن يكون وسيطاً.

3- لنصل إلى الثالثة: لا جدال في أنّ حزب الله دفع الكثير من الدماء دفاعاً عن لبنان قبل تحرير الجنوب في العام 2000، مثلما دفعت أحزاب كثيرة، من شيوعيين وقوميين وبعثيين وناصريين وحركة أمل، ومثلما دفع أهل الجنوب كلّهم من أرزاقهم وصمودهم، ومثلما دفع كلّ اللبنانيين من ميزانيّاتهم في حرب تموز 2006 وبعدها، لإصلاح ما تدمّر. ونصر الله قال حينها: “لو كنتُ أعلم”، كبديل من الاعتذار من اللبنانيين عن تدمير لبنان في سبيل “فتح شرايين” الحوار بين إيران والغرب حول ملفّها النووي.

 

الخلاف على المستقبل

لكنّ ما غاب عن سماحة السيّد هو أنّ من تعريفات “الوطنية”، أو “المصلحة الوطنية”، أو “المصلحة العامّة”، هو الاتفاق على المستقبل. العقد الاجتماعي يكون أساسه الاتفاق على كيفيّة بناء المستقبل.

نحن نختلف معكَ على المستقبل أكثر من الماضي يا سماحة السيّد.

هذا البلد نتعاون دوماً، كلّنا، من كلّ المناطق والمذاهب، على بنائه، ليأتي شخص واحد، ويهدمه، في كلّ مرّة

أنتَ ترى لبنان الـ”سلام فرمانده”: “من قال لكم إنّ لبنان على صورتكم؟”، سأل الذين اعترضوا على مشهديّة الغناء الفارسي في أنحاء المناطق الشيعية. وأضاف في لقطة ذكيّة: “لماذا يتحدّثون بالفرنسية والإنكليزية وإذا قلنا كلمة فارسية تقوم القيامة؟”.

معه حقّ. لكنّ الحساسيّة سببها أنّ هذه الكلمة الفارسية تعني، في ما تعنيه، أنّ هناك 100 ألف مقاتل جاهزون للحرب في لبنان وسوريا واليمن والعراق والبحرين والكويت، خارج أيّ “عقد اجتماعي”، وخارج “الوطنية” التي تحدّث عنها وخارج معاييرها العالمية.

يجب أن تكون المصلحة الوطنية مبنيّة على مصالح المجتمع والأفراد، لأنّ الدولة تكون في خدمة الأفراد وليس العكس. والحكم يكون مبنيّاً على مصالح المجتمع والأفراد. فأين يحترم حزب الله مصالح اللبنانيين في توريطهم بعداوة العرب؟

في المقابلة سأله مدير الحوار: “هل يمكن أن تكون وسيطاً بين الحوثيين والسعودية؟”. فأجاب نصر الله عابساً وحازماً: “أنا طرف ولستُ وسيطاً”، وأكّد أنّه يقف إلى جانب الحوثي ضدّ السعودية.

 

مصلحة لبنان أو إيران؟

هنا نختلف معكَ يا سماحة السيّد، حين تقدّم مصلحة الحوثي على المصلحة الوطنية والمصلحة العامّة لعموم اللبنانيين. حين تقدّم مصلحة إيران في محاولة ضرب النظام السعودي، على مصلحة لبنان في أفضل العلاقات مع كلّ العرب ومع إيران.

نختلف معكَ على المستقبل، وليس على أبي ذر الغفاري أو على حصّتكَ الكبيرة من النصر والتحرير في العام 2000 أو على أنّكَ قدّمتَ الدماء في سبيل لبنان.

لكن نذكّركَ أيضاً بأنّ اللبنانيين دفعوا الدماء بسببكم، في 7 أيّار وقبلها، وفي الحرب السورية التي وصلت طراطيشها إلينا، وفي الاغتيالات التي أخذت دماء خيرة قادة لبنان من خصومكم، ليس أوّلهم رفيق الحريري، وربّما لن يكون آخرهم لقمان سليم.

الوطن هو المستقبل وليس الماضي فقط، يا سماحة السيّد.

الوطن هو أن نتّفق كيف سنعيش غداً، وليس من أين جئنا أمس فقط. إلى أين نذهب، وليس مَن جاء إلى هذه البقعة من الأرض قبل الآخرين. كيف سنبني الاقتصاد، وكيف سيحترم بعضنا بعضاً، وليس مَن له الحقّ بالحديث بلغات مختلفة. 

إقرأ أيضاً: أيلول: “طرفو” بالحرب مبلول؟

“سلام فرمانده” هي إعلان “غلبة” على اللبنانيين، ولم يرفضها اللبنانيون لأنّها إيرانية أو شيعية، بل لأنّها تذكّرهم بأنّ إيران تقرّر مصيرهم وليس بيدهم حيلة للمقاومة.

لعلّ أجمل ما قاله السيّد في تلك المقابلة أنّ “بناء منزل يحتاج إلى عشرات الأشخاص، وهدمه يحتاج إلى خبير متفجّرات واحد”. وهذا البلد نتعاون دوماً، كلّنا، من كلّ المناطق والمذاهب، على بنائه، ليأتي شخص واحد، ويهدمه، في كلّ مرّة.

إقرأ أيضاً

وريقة صغيرة من نتنياهو إلى بايدن: إلزاميّ واختياريّان!

لم يتصرّف نتنياهو حيال الردّ الإيراني الصاروخي، كما لو أنّ ما حصل مجرّد تمثيلية، مثلما عمّم وروّج خصوم طهران. ولم يقتنع بأنّ حصيلة ليل السبت…

بعد غزة.. هل يبقى اعتدال؟

المذبحة المروّعة التي تُدار فصولها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث التواطؤ الغربي شبه الكامل على منح إسرائيل كلّ التسهيلات…

لبنان ما زال في بوسطة عين الرمّانة!

مرّت ذكرى 13 نيسان. لا يزال شبح بوسطة عين الرمّانة مخيّماً على الحياة السياسيّة اللبنانيّة. ولا يزال اللبنانيون في خصام مع المنطق. لا يزال اللبنانيون…

لبنان بعد الردّ الإسرائيلي على إيران؟

لا يمكن الاستسهال في التعاطي مع الردّ الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق. بمجرّد اتّخاذ قرار الردّ وتوجيه الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل، فإنّ ذلك يعني…